هل ستجلب الأزمة الكورية الأمم المتحدة أخيراً إلى العصر الآسيوي؟

هل ستجلب الأزمة الكورية الأمم المتحدة أخيراً إلى العصر الآسيوي؟

هل تتكيف الأمم المتحدة مع القرن الآسيوي؟
في الأسبوع الماضي، قام السفراء في مجلس الأمن بزيارة إلى بنغلاديش وميانمار للتحقيق في معاناة طائفة الروهينجا. وبفعلهم ذلك، فإنهم يتصدون لواحد من أكثر إخفاقات الأمم المتحدة فداحة في السنوات الأخيرة. فقد تعثر مسؤولو الأمم المتحدة الموجودون على الأرض وأعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة في تحديد كيفية الاستجابة لحملة التطهير العرقي التي ينفذها جيش ميانمار ضد الأقليات المسلمة من الروهينجا منذ أواسط العام 2017. وفي نهاية الأسبوع الماضي، شاهد المجلس نتائج هذا الإخفاق عندما زار سفراؤه مخيماً للاجئين يؤوي نصف مليون من الضحايا.
وفقاً لتحديث عن الرحلة التي قام بها سفراء مجلس الأمن، والذي أصدرته “مؤسسة تقرير مجلس الأمن الدولي” الفكرية، فإن مقابلة اللاجئين الروهينجا الذين يعيشون في أوضاع غير سيئة كانت تجربة واقعية بالنسبة للدبلوماسيين. وعلى المدى القصير، يتمثل التحدي الرئيسي في الاستعداد لموسم هبوب الرياح الموسمية في مناطق اللاجئين. وقد يساعد ممثلو مجلس الأمن على توجيه المزيد من المساعدات الإنسانية إلى موضع المشكلة، لكن من غير المحتمل أن يجدوا حلاً سياسياً للاضطهاد الذي يتعرض له الروهينجا. وما تزال الصين وروسيا تعارضان بشدة اتخاذ المجلس أي إجراء حازم بشأن الأزمة، ويشعر الدبلوماسيون الغربيون بالقلق من إمكانية إحباط انتقال ميانمار المتردد من الحكم العسكري إلى الحكم المدني.
ينطوي تقاعس مجلس الأمن في موضوع ميانمار على واحد من أكبر التحديات التي تواجه مصداقية الأمم المتحدة على الصعيد السياسي: افتقارها إلى الصلة السياسية عبر آسيا. ومع ذلك، وإذا كان عمل مجلس الأمن مقصوراً على تخفيف محنة الروهينجا فقط، فإن عملية السلام الناشئة في شبه الجزيرة الكورية ربما تجعل الأمم المتحدة أكثر صلة بالنسبة للمنطقة مرة أخرى.
للأمم المتحدة تاريخ طويل من الانخراط في الأزمات الآسيوية، من تفويض القوات التي تقودها الولايات المتحدة للقتال في كوريا في العام 1950، إلى المساعدة على إنهاء الحرب الأهلية في نيبال منذ أكثر من عقد من الزمن. ومع ذلك، فإنها لا تعدو الآن كونها لاعباً هامشياً في معظم مناطق الاضطرابات الجارية في المنطقة. وفي حين أن لدى المنظمة ما يقرب من 90.000 جندي من قوات حفظ السلام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن عملية حفظ السلام الوحيدة التي تتولاها في آسيا هي تلك التي في إقليم كشمير، والتي لا يشارك فيها أكثر من 42 مراقباً عسكرياً فقط.
لدى الأمم المتحدة عدد قليل من الأصول السياسية الأخرى المنتشرة حول الأراضي الآسيوية، بما في ذلك مهمة سياسية في أفغانستان، ومركز لمنع النزاعات في عشق أباد، والذي ساعد في القضاء على العنف العرقي في قرغيزستان في العام 2010. لكن الأمم المتحدة كانت غائبة تماماً عن جهود إدارة الأزمات الآسيوية أخرى في الفترة الأخيرة، من التوترات في بحر الصين الجنوبي، إلى المواجهة التي وقعت بين الصين والهند في جبال الهيمالايا العام الماضي.
كما أشار سيباستيان فون اينسيديل وأنتوني يازاكي في تقرير لهما في العام 2016، فإن هذا الغياب “يجب أن يكون مصدر قلق للأمم المتحدة، لأن دورها وأهميتها وشرعيتها في مجال الأمن الدولي تعتمد كلها على قبول الدول الأعضاء الرئيسية بترتيباتها الأمنية الجماعية”.
مع ذلك، أظهرت الأزمة الكورية على مدار العام الماضي، فجأة وبشكل غير متوقع، كيف يمكن للقوى الآسيوية أن تستخدم الأمم المتحدة في المستقبل.
لم يكن هناك مسؤولون من الأمم المتحدة حاضرين للاحتفال بمحادثات السلام التي جرت الأسبوع الماضي بين الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن. ومع ذلك، فإن مجلس الأمن -وأمانة المنظمة بدرجة أقل- كانا هما اللذان أرسيا الأساس لاجتماع الرئيسين. فعلى مدار العام 2017، استخدمت الصين والولايات المتحدة مجلس الأمن كغرفة مقاصة لتبرير فرض عقوبات تزداد صرامة باطراد ضد بيونغ يانغ، في تجاهل للنزاعات الموازية حول أوضاع مثل سورية. وقد زار مسؤول كبير في الأمم المتحدة، هو جيفري فيلتمان، كوريا الشمالية في أوائل كانون الأول (ديسمبر) الماضي بدعم من الولايات المتحدة، من أجل دفع كيم نحو الانفتاح السياسي.
لم يكن ضغط مجلس الأمن ولا دبلوماسية الأمم المتحدة ليحدثا الكثير من الفرق لو لم يكن مون والإدارة الأميركية مستعدين للتحدث مع كيم. وعلى الأكثر، كانت الأمم المتحدة قناة دبلوماسية مفيدة للتعامل مع الأزمة، وليس طرفاً فاعلاً رئيسياً فيها. ومع ذلك، من المرجح أن يلعب المجلس والمسؤولون الدوليون دوراً هاماً في ترسيخ عملية السلام الوليدة في حال مضت قدُماً.
قال كيم مسبقاً إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستكون قادرة على تفتيش مواقعه النووية. وكما أشار إنريكو كاريش، من المرجح أن تصر الصين وروسيا على أن يشرف مجلس الأمن على أي اتفاق سلام نهائي وأي ترتيبات أمنية طويلة الأجل في شبه الجزيرة الكورية، ويعود ذلك جزئياً إلى مخاوفهما من أن يتم تهميشهما بسبب المحادثات الثنائية بين الولايات المتحدة وبيونغ يانغ.
من المحتمل أن يظل الدور الحقيقي للأمم المتحدة في عملية السلام محدوداً. ومن الصعب تخيل قوة حفظ سلام دولية تحل محل القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، على الرغم من أن القوات الأميركية هي جزء من “قيادة الأمم المتحدة” التي منحها مجلس الأمن التفويض بداية في العام 1950.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاقية سلام وصفقة نووية ناجحة لشبه الجزيرة الكورية يمكن أن يمنح الأمم المتحدة مكانة بارزة في آسيا. وسوف تثبت مثل هذه الصفقة صلاحية مجلس الأمن كإطار تستطيع من خلاله الصين والولايات المتحدة إدارة التوترات الأخرى في المنطقة.
ربما لا يكون هذا حدثاً سعيداً بالنسبة لقوى أخرى في المنطقة. فلا تريد القوى الآسيوية الرئيسية التي لا تتمتع بمقاعد دائمة في المجلس، مثل الهند واليابان، أن تتحول الأمم المتحدة إلى مكان تبرم فيه الصين والولايات المتحدة صفقات على حسابها. وحتى روسيا نفسها تشعر ببعض القلق من إدارة بكين للدبلوماسية الكورية في الأمم المتحدة من دون اللجوء إلى موسكو، على النقيض من نهجها السلبي إلى حد كبير في المناقشات التي تدور حول الصراع السوري.
سوف يكون السيناريو الأسوأ هو انهيار المحادثات الكورية، أو أن تبرم بيونغ يانغ اتفاقاً، لكنها لا تحترم وعودها، مما يضاعف من عدم أهمية الأمم المتحدة بالنسبة لآسيا.
ولكن، حتى لو استطاعت الأمم المتحدة أن تساعد على إدارة الأزمة الكورية والمواجهات الجيوسياسية المستقبلية في آسيا، فإن هذا لا يعني أنها تستطيع أن تفعل الكثير في مواقف أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية، وإنما لها تداعيات فظيعة من الناحية الإنسانية، مثل اضطهاد طائفة الروهينجا. وسيكون من شأن نهج بكين القائم على استخدام الأمم المتحدة لإدارة الأزمات في مناطقها الداخلية أن يظل انتقائياً، تماماً مثلما تتحول الولايات المتحدة والقوى الأخرى إلى مجلس الأمن بشكل غير ثابت وانتقائي أيضاً .
سوف تسمح الصين بأن يكون للأمم المتحدة دور فى الشؤون الأمنية الآسيوية فقط عندما يناسب ذلك مصالحها. لكن أمماً متحدة تستطيع أن تحقق بعض الخير في آسيا ستكون أفضل واحدة لا تستطيع فعل أي شيء على الإطلاق.

ريتشاد غوان

الغد