اياد العناز
لازالت إيران تبحث عن مخرج سياسي وحجج ميدانية تساعدها على تفسير عملية سقوط النظام السوري وفرار رئيسه إلى روسيا، فالكل يتحدث عن مستقبل المشروع الإيراني وكيفية تعامل طهران مع المستجدات التي تلت عملية سيطرة القيادة العسكرية التابعة للمعارضة السورية ودخولها للعاصمة ( دمشق) وطبيعة السلوك والمنهج السياسي الذي اتبعته قيادتها في استقبال الوفود الرسمية العربية والإقليمية والدولية ونقاط الحوار الرئيسية التي تناولتها في الحديث معهم.
تدرك القيادة الإيرانية انها أمام مفترق سياسي كبير ومشهد قادم يؤسس لمتغيرات واسعة في طبيعة العلاقات العامة في منطقة الشرق الأوسط ويبعدها عن حالة التأثير الذي كانت تتمتع به عندما كان وكلائها وشركائها يشكلون القاعدة الأساسية في أي قرار ميداني وسياسي واقتصادي يخدم منافعها ومكاسبها في سوريا ولبنان،وأن خروجها من الميدان السوري يعني ابتعادها عن التدخل والتوغل الذي اتبعته في دعم المؤسسة العسكرية والأمنية والاقتصادية لحزب الله اللبناني، ومعرفتها للخسارة الكبيرة التي لحقت بتنظيماته وكوادره السياسية والعسكرية،
والأهم ميدانيًا أن إيران خسرت حالة معنوية واسعة كانت تستخدمها في التأثير النفسي العاطفي في التلاعب بمشاعر بعض العرب والمسلمين بادعائها ووقوفها مع تحرير الأراضي الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في استرداد أرضه ومقدساته الدينية، واتضح للجميع أن الغاية الأساسية والهدف المركزي كان يتحدد في استخدام الورقة السياسية الفلسطينية لبسط وتمدد النفوذ والهيمنة الإيرانية وتوسيع نشاطات فيلق القدس والحرس الثوري وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية في عدد من العواصم العربية التي تمكنت أدوات النظام الإيراني من التواجد فيها.
وجاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التاسع عشر من كانون الأول 2024 لتؤكد حقيقة التواجد العسكري والمليشياوي الإيراني في الأراضي السورية وعبر عنه بالقول الواضح ( بعد أن كان الايرانيون يطالبون بالدخول إلى سوريا باتوا يطلبون مساعدتنا لإخراجهم منها)، وأشار الي قيام القوات الروسية في قاعدة حميميم بالمساعدة في إخراج (4) آلاف إيراني من سوريا إلى إيران.
ولم تسعف التصريحات الإيرانية حول الأحداث التي ألت إليها الأوضاع في المشهد السياسي السوري، فقد تضاربت الاراء ومن عدة جهات عليا ومسؤولية في النظام الإيراني حول كيفية التعبير عن الموقف الحقيقي الذي يمثل وجهة النظر الإيرانية، فمن دعم وحدة الأراضي السورية واحترام إرادة الشعب في تحديد مستقبل بلاده الذي تبناه بيان وزارة الخارجية الإيرانية، إلى حديث المرشد الأعلى علي خامنئي في 22كانون الأول 2024 ( بظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء ضد الوضع الجديد) ووصفه للقيادة العسكرية والحكومة الانتقالية السورية بأنهم ( مجموعة من مثيرين الشغب دربتهم حكومات أجنبية لزرع الفوضى)، ثم تصريحات ( عباس عراقجي) وزير الخارجية في25كانون الأول 2024 التي أوضح فيها موقف بلاده بقوله ( من السابق لأوانه تحديد ملامح المستقبل في سوريا، حيث توجد عوامل عديدة قد تؤثر على المشهد السياسي، ومن يعتقدون أن النصر أصبح مضمونًا عليهم التريث وعدم الاحتفال مبكرًا).
أن هذه الأحاديث السياسية تعكس حقيقة اضطراب الموقف الإيراني وحالة الذهول واليأس الذي أحس به المسؤولين في النظام من عملية التغيير السياسي السوري وفقدانهم لأهم حليف لهم في المنطقة والذي كان جسرًا استراتيجيًا لتنفيذ مشروعهم في التمدد والهيمنة على المنطقة واحساسهم بأنهم افتقدوا لعملية التأثير في الميدان السوري وابتعدوا كثيراً عما عملوا له طيلة أربعة عقود من الزمن.
بدأ الحساب الذي على إيران أن تتعامل معه بكل روية وحكمة إذا ما أرادت لنظامها الاستمرار والبقاء، فالمتغيرات السياسية الميدانية تحتم عليها النظر إلى مكاسبها ومنافعها وإلا فإنها ستخسر أكثر بل ستعمل على دفع الكثير بعدما كانت تمارس عملية القبض السياسي لتوسيع سيطرتها ونفوذها، وستكون خسارتها أكبر مما رأته ولمسته في الجنوب اللبناني والميدان السوري.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية