عد فشل جميع محاولات الأحزاب الكردية لتشكيل تحالف واحد لخوض الانتخابات المقرر أن تجرى في 12 مايو/أيار الحالي، يبدو المشهد الكردي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، في وقت تدور فيه رحى صراع محموم بين الصقور، الذين يطلق عليهم بعض سياسيي بغداد تسمية “الانفصاليين”، والحمائم الذين يبدون مرونة في التعامل مع الحكومة العراقية.
وعلى الرغم من المحاولات المتكررة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس السابق لإقليم كردستان، مسعود البارزاني، لإقناع الأحزاب الكردية، التي تتمتع بعلاقة جيدة مع بغداد للانضواء تحت رايته، فإن جميع هذه المحاولات فشلت وفقاً لعضو في الحزب قال، لـ”العربي الجديد”، إن غاية حزب البارزاني من الوحدة هي المحافظة على حقوق ومكتسبات الأكراد التي فقد كثير منها بعد استفتاء الانفصال الذي أجري العام الماضي. وأضاف أن “البيت الكردي يعاني من انقسام غير مسبوق”، موضحاً أن فريق مسعود البارزاني متمسك بجميع الحقوق الكردية، بضمنها ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان، أما المعسكر المناوئ، المتمثل بحركة التغيير وأحزاب أخرى تعمل في محافظة السليمانية، فيميل إلى فتح المزيد من أبواب الحوار والتفاهم مع بغداد.
وأعربت عضو البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أشواق الجاف، عن اعتقادها أن الأكراد دفعوا ضريبة باهظة نتيجة لعدم وحدتهم، مطالبة، في حديث لـ”العربي الجديد”، الكتل السياسية التي كانت تعمل خارج الصف الكردي خلال المرحلة الماضية بالانضواء ضمن تحالف كردي واحد لأنها مسؤولة أمام جماهيرها. وأشارت إلى امتلاك حزبها تصوراً واضحاً بشأن المرحلة المقبلة، مبينة أن الخطوة الأولى يجب أن تكون باتفاق القوى الكردية ضمن تحالف واحد قبل الذهاب إلى بغداد. وأوضحت أن حزبها مستعد للاتفاق مع أية شخصية تطبق الدستور العراقي بحذافيره من دون انتقائية، لافتة إلى وجود محاولات لتوحيد الصف الكردي. وأضافت “بالنسبة لنا في الحزب الديمقراطي الكردستاني لا تعنينا المناصب لأننا في انتخابات 2014 حصدنا أكبر عدد من المقاعد قبل أن نتفق على توزيع المناصب بالتوافق”. وفي المقابل، ينظر برلمانيون عراقيون بعين الريبة إلى رغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني بالسيطرة على الساحة السياسية الكردية، على الرغم من مواقفه السابقة تجاه بغداد والتي تعتبر سلبية بنظرهم. وأكد النائب إسكندر وتوت أن مسعود البارزاني تسبب بشكل شخصي بتوتر العلاقة بين بغداد وأربيل خلال المرحلة الماضية، موضحاً، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحكومة العراقية كانت مقصرة في تعاملها مع سياسات البارزاني التي أضرت بالعراق، والتي وصلت حد تقديم الدعم لتنظيم “داعش” الإرهابي.
في هذه الأثناء، حذر رئيس حكومة إقليم كردستان، ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، نيجرفان البارزاني، من وجود بعض الجهات التي تمارس إرهاباً فكرياً في محافظة السليمانية، مبيناً أن هذه الجهات تحاول فصل المحافظة عن إقليم كردستان. وأضاف “توجد جهات تمارس إرهاباً فكرياً ضد أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية”، مبيناً، خلال كلمة بحفل انتخابي أمام أنصاره بالسليمانية، أن هذا الإرهاب ضعيف ويسير نحو الفناء. وأشار إلى أن “هذه الجهات تريد أن تقود سكان السليمانية نحو غاياتها السياسية والحزبية، وفصل المحافظة وتسليمها إلى سلطات غير كردية”، في إشارة إلى التقارب بين بعض الأحزاب الكردية والحكومة العراقية في بغداد. ولفت إلى أن هدف حزبه من المشاركة في الانتخابات، ومن ثم الذهاب إلى البرلمان في بغداد، هو الحفاظ على الحقوق الدستورية للشعب الكردي، وليس الحصول على المناصب والكراسي.
إلى ذلك، وجهت الحكومة العراقية انتقادات لاذعة لجهات حكومية كردية تحاول إرغام الناخبين في إقليم كردستان على التصويت لصالحها. وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، تعهد بمحاسبة أي حزب كردي أو جهة حكومية تتورط بإرغام منتسبي القوات الأمنية والموظفين على التصويت باتجاه معين. وقال “تتوارد أنباء عن وجود ضغوط يتعرض لها منتسبو القوات الأمنية وموظفو الدولة في إقليم كردستان من قبل أطراف في الأحزاب الحاكمة، من خلال تخويفهم بإنزال عقوبات بحقهم، كالنقل والفصل، لإرغامهم على التصويت باتجاه معين”، موضحاً، في بيان، أن هذه الإجراءات، إن صحت، فإنها تمثل مخالفة خطيرة للقوانين، وأن القائمين عليها سيتعرضون إلى المساءلة القانونية. وتابع “ندعو المواطنين إلى عدم الاكتراث لمثل هذه التهديدات، وإننا سنقف معهم ونساندهم في ممارسة حقهم الانتخابي بكل حرية وحسب قناعة كل منهم”.
سياسيون أكراد أكدوا، من جانبهم، وجود ضغوط على الناخبين من قبل أحزاب مقربة من حكومة إقليم كردستان. وقال عضو تحالف الديمقراطية والعدالة الكردي، أحمد رضا، إن بعض أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني شنوا حملة على الدعاية الانتخابية لمرشحي القوائم الأخرى في محافظتي أربيل ودهوك، مبيناً، لـ”العربي الجديد”، أن شباباً، مدفوعين من حزب البارزاني، مزقوا صوراً لتحالف الديمقراطية وحركة التغيير في المحافظتين. وأوضح أن بعض الأحزاب في السليمانية تدفع ثمن تقاربها مع بغداد، مؤكداً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يريد أن يلقي بالأكراد وطموحاتهم في التهلكة بسبب الإصرار على السياسات المتشنجة التي تسببت بالتفريط بحقوق الشعب الكردي. وشدد على ضرورة التعامل بواقعية مع نتائج الانتخابات المقبلة بعيداً عن التزمت الذي يصر عليه حزب البارزاني.
إلا أن وجود أصوات كردية معارضة لم تثنِ قيادات حزب البارزاني عن مواقفها السابقة. وأكد وزير المالية العراقي السابق، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، أن “استفتاء الانفصال كان بداية لإعلان الدولة الكردية، وأن يوم الاستقلال قادم لا محالة”، مضيفاً، في حفل انتخابي على أطراف محافظة نينوى المتاخمة لحدود إقليم كردستان، “لسنا نادمين على إجراء الاستفتاء الذي يعد وثيقة تاريخية مقدسة ستبقى إلى الأبد”. وتابع “لسنا ضيوفاً في العراق”، موضحاً أن “للأكراد حصة في هذا الوطن القائم على الشراكة”. يشار إلى أن حزب البارزاني، الذي قاطع الانتخابات في كركوك بذريعة أنها محتلة، أكد، في أكثر من مناسبة، أن المعركة الانتخابية في المحافظة ستكون خاسرة بالنسبة للأكراد، كما أن الكتلة الكردية في البرلمان العراقي ستكون أقل من الدورة السابقة.
براء الشمري
صحيفة العربي الجديد