يرى المفكر والسياسي السوري برهان غليون أن الشعب السوري، سوف يفرز في المستقبل، من رحم الهزيمة وأنقاض المعارضة التي ولدت طرحا غير قابل للحياة، لانها من بقايا حمل النظام الفاسد، مقاومة مختلفة أكثر جدية ونضوجا، تمكنه من استعادة حقوقه واستقلاله وسيادته على أرضه وطرد المحتلين منها، إنها مسألة وقت.
وأضاف غليون، خلال حوار مع «القدس العربي»: ليس المطلوب قوات تساند الثورة السورية. الثورة السورية حققت أهدافها منذ اللحظة التي قوضت فيها نظام القهر والعبودية وعرته أمام العالم، ما يطلب من هذه القوات الدولية هو أن تعيد قبل أي شيء آخر الثقة إلى الشعب السوري في المستقبل وبدعم المجتمع الدولي للسلام، وإخراج سوريا من جحيم الحرب الداخلية والإقليمية والدولية الكارثية.
وفيما يلي نص الحوار:
سوريا والمستقبل
قال غليون: لا أعتقد أن حالة سوريا سوف تسير في عام 2018 أفضل مما كانت عليه في السنوات السبع الماضية. بل إن الأمور تزداد تعقيدا بمقدار ما يغرق النزاع السوري الداخلي في محيط مواجهة دولية على إعادة تشكيل النظام الدولي ومن خلاله نظام الهيمنة الإقليمية.
وفي هذا النزاع الدولي بالكاد بدأت ملامح الاستراتيجيات المتنافسة في التكون وكذلك التكتلات التي تقف وراءها، وتقود روسيا مجموعة كبرى من الدول المعترضة على انفراد الغرب بالقرار الدولي والإقليمي في أكثر من منطقة من العالم منذ أكثر من قرنين، لكنها بالرغم من قدراتها العسكرية الكبيرة ليست القوة الأكثر تأهيلا لمواجهة الغرب، بالمقارنة مع الصين التي تصوغ استراتيجية مختلفة طويلة المدى أكثر تنوعا في المصادر ومحاور العمل والغايات.
وفي المقابل لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من تخبط سياساتها الراهنة، وانحسار قدرتها القيادية بسبب ذلك، القوة الأعظم، وقطب التنمية والإبداع التقني والعلمي الأول، أيضا، وأخشى ان يكون مصير سوريا، إذا لم نتحرك بسرعة وبقوة كسوريين، ونعبئ جزءا من العرب والرأي العام العالمي وراءنا، أن نتحول إلى كوريا المشرق الشمالية، وأن نصبح مخلب القط الذي يستخدمه الروس لـ «التنمير» على الغرب واستفزازه ارضاء لروح النقمة والإحباط وانعدام القدرة على المواجهة الشاملة.
وستكون ترجمة ذلك على الأرض وعلى مستوى النظام الإقليمي استمرار روسيا في التشبث بالتحالف مع إيران وعجزها عن فتح طريق للتفاهم مع الغرب.
هناك في نظري ضرورة لمراجعة شاملة للسياسات الدولية وخيارات القوى والتكتلات الرئيسية التي نشطت بعد نهاية الحرب الباردة في التسعينيات من القرن الماضي، وعلى رأسها السياسات الغربية، لتعديل هذه السياسات الأنانية وامتصاص قنبلة النقمة وردود الأفعال التي أحدثتها لدى الدول المهزومة أو المهمشة، والتي نعيش نحن مع العديد من الشعوب الأخرى النامية عواقبها الوخيمة اليوم. وفي التحليل الأخير أنا أعتقد أن الخط الأعوج من الثور الكبير، والثور الكبير في عالم ما بعد الحرب الباردة كان، ولا يزال إلى الآن، الولايات المتحدة وليس روسيا ولا إيران.
أما في ما يتعلق بالمعارضة السورية التي فقدت سيطرتها على مقدرات البلاد وعلى مقدراتها الذاتية نفسها، فهي لم تكن رقما مهما، ولن تكون في المستقبل.
إنما الرقم المهم والصعب هو الشعب السوري الذي ضحى بمليون شهيد ولا يزال مصرا على المقاومة ومصمما على بلوغ أهدافه في الكرامة والحرية رغم النكسات المرة وخيبات الأمل من العالم ومن نخبه الاجتماعية.
وأنا واثق من أن الشعب السوري، سوف يفرز في المستقبل، من رحم الهزيمة وأنقاض المعارضة التي ولدت طرحا غير قابل للحياة، لانها من بقايا حمل النظام الفاسد، مقاومة مختلفة أكثر جدية ونضوجا، تمكنه من استعادة حقوقه واستقلاله وسيادته على أرضه وطرد المحتلين منها، إنها مسألة وقت.
○ ما تحليلكم ورؤيتكم لإمكانية نشر قوات عربية من ثلاث دول عوضاً عن القوات الأمريكية؟
• نظريا هذا حل ممكن، لكن من الناحية العملية يخشى ان يكون ذلك فخا للعرب والمنطقة عموما يزيد من تأجيج الحرب فيها وعلى الأرض السورية. يريد الأمريكيون ان ينسحبوا من الصراع الذي أشعلوه بأيديهم منذ دعمهم الثورة الخمينية ثم احتلال العراق وتركه لولاية الفقيه ثم التخلي عن الشعب السوري، وإلقاء المسؤولية على قوى وجيوش وإدارات سياسية عربية متنازعة في ما بينها وغير قادرة على التفاهم في أرضها وداخل النظم التي تحكمها.
لكن ما هو أخطر من ذلك يخشى ان يكون الهدف من هذه الإحالة على العرب للملف السوري هو توسيع دائرة الحرب العربية الإيرانية، وربما أيضا اختراع حرب عربية تركية، ستكون نتيجة ذلك تحويل المنطقة بأكملها إلى رميم والرقص على خرائبها من إسرائيل إلى واشنطن.
أنا أفضل أن تناقش مبادرة لتسليم الملف السوري للأمم المتحدة وتشكيل قوات دولية تحت إشراف الأمين العام وتعيين حاكم دولي لمرحلة انتقالية، على أن تتكون القوات الدولية من بلدان ليس لها مصالح مباشرة وكبيرة في سوريا ولا استراتيجيات متناقضة ومتباينة. فالعرب ليسوا أقل انقساما وتناقضا من السوريين أنفسهم أو من الدول المتنازعة على السيطرة على البلاد ومن ورائها على المشرق بأكمله.
○ هل هذه القوات ستساند الثورة السورية؟
• ليس المطلوب قوات تساند الثورة السورية. الثورة السورية حققت أهدافها منذ اللحظة التي قوضت فيها نظام القهر والعبودية وعرته أمام العالم وأظهرت وجهه الحقيقي المعادي للشعب والإنسان معا. ما يحاوله الروس من إعادة تأهيل الأسد هو مناقض للتاريخ والسياسة والأخلاق، ولن يمر ولن يقبل به أحد.
نظام الأسد انتهى كما ينتهي كل نظام يقتل شعبه وفقد شرعيته بل أصبح ملفا جاهزا للدفع إلى محكمة الجنايات الدولية.
ما يطلب من هذه القوات الدولية هو أن تعيد قبل أي شيء آخر الثقة إلى الشعب السوري بالمستقبل وبدعم المجتمع الدولي للسلام، واخراج سوريا من جحيم الحرب الداخلية والإقليمية والدولية الكارثية، وأن تسهر على نشر الأمن ودعم الإدارة الدولية الجديدة في تطبيق خطة الحل السياسي كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ومبادئ جنيف، وجمع السوريين حول طاولة حوار ومفاوضات حرة وصريحة وحقيقية من دون تلاعب وتجاذبات دولية وإقليمية، وأجندات خفية. أي أن تساعد السوريين على إعادة كتابة العهد الوطني الجديد الذي ستقوم عليه سوريا الحرة ويبنى عليه تفاهم السوريين الوطني المنشود.
هذه المهام لا يمكن ان تقوم بها الحكومات العربية في حالها المتردي سياسيا وحروبها الداخلية المشابهة لما يجري داخل المجتمع السوري، ولا الدول المتصارعة على أشلاء الجسد السوري الغارق بدمائه. لا يمكن أن يقوم بها سوى نظام إدارة دولية متجردة من نزاع المصالح القومية، وبعيدة عن رهانات القوى السورية المتنازغة، وقادرة على ان تلعب دور الوسيط في إعادة الثقة والتفاهم بين أبناء الشعب الواحد.
○ ما مستقبل الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا؟
• إيران سوف تضطر في النهاية إلى التراجع وروسيا التي تدعمها كذلك، لكن بعد أن تكون قد دفعت إلى تدمير كل ما يمت بصلة إلى البنية التحتية العسكرية والاقتصادية والتقنية والعلمية في سوريا، وعندما تجتاح ثورة الفقراء الإيرانيين المدن والشوارع وتفرض على حكومة ولاية الفقيه شرب السم مرة ثانية بعد ان شربته في الحرب العراقية الإيرانية في نهاية القرن الماضي.
ويبدو أن وظيفة هذه الحكومة الكارثة هو تجرع السم وتجريع شعوب المنطقة، بما فيها الشعب الإيراني، السموم حتى آخر لحظة من حياتها. والسبب أنها قائمة على معادلة عبثية هي خلط الدين بالسياسة والخروج بمزيج انفجاري منهما لا يخضع استخدامه لأي منطق أو قانون ولا يفيد في إصلاح خرابه أي دواء.
○ هل قام المجتمع الدولي بما يتوجب عليه بعد جريمة دوما؟
• ليس للضربة التي ادعى الغرب انها موجهة لعقاب استخدام السلاح الكيميائي أي علاقة بالسوريين وضحايا الكيميائي أبدا. إن هدفها هو تذكير الروس بأن الغرب موجود ولا يمكن تمريغ كرامته في الوحل في سوريا. ولا بد من أخذ مصالحه، وأولها الدبلوماسية، في الاعتبار.
تصرف الروس في سوريا كان استفزازا للغرب واستهزاء به جعله يبدو كأنه بطة عرجاء لا تقوى على فعل شيء سوى التصريحات الفارغة منذ سبع سنوات. وجاءت الضربة لتؤكد انه بطة عرجاء بالفعل. من هنا ينبغي التشاؤم، ليس لأن روسيا تملك ما لا يملكه الغرب ولكن لأن الغرب فاقد للرؤية الواضحة بعد أن سمم نفسه وسممته دعايته الحمقاء منذ نهاية الحرب العالمية الباردة بخطر الإسلام والمسلمين وأصبح لا يرى هدفا استراتيجيا أهم من ضرب الحصار على المجتمعات الإسلامية وتجفيف ينابيع المقاومة وروح التحرر فيها وتعقيمها سياسيا تحسبا من أن تفرز في المستقبل حركات أو قوى أو توجهات معادية للغرب. وسوف يدفع الغرب غاليا ثمن تعامله مع 400 مليون عربي وأكثر من مليار مسلم كما لو كانوا تربة خصبة للتطرف بل منبعا للإرهاب ومفرخة لها ومصدرا لمخاطر محدقة ودائمة.
لو أردت المناكفة لقلت: نعم فعل الغرب كل ما يتوجب عليه من أجل مساعدة الأسد على حرق بلاده، وتحويلها إلى ساحة حرب متعددة الأطراف والأهداف والرهانات، وإجبار أبنائها على إخلاء مساكنهم ومدنهم وقراهم وتسليمها لميليشيات النهب والسلب والتشبيح والانضواء في مخيمات اللجوء والانتظار والموت البطيء.
أود أن أقول أخيرا أنه بالرغم من كل ما جرى، وهو كارثة بالمعنى العميق للكلمة، لا ينبغي ان نيأس، ولا يحق لنا أن ندخل اليأس إلى قلوبنا. فالشعوب تولد وتتكون وتتصلب وتنضج في المحن. ومحنة السوريين هي في الوقت نفسه إيذانا بولادة جديدة.
ما نحتاجه قبل الصبر على النائبات وتحمل المخاطر اليومية وإنما قبل ذلك وأهم منه الإيمان بأن قضيتنا أكثر من عادلة وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، ولن يضيع ولا يمكن ان يضيع طالما بقي هناك من يقف معه ويطالب به. والتاريخ لم ينته ولن ينتهي عند أوهام وأحلام مجرمي حرب صغار.
حسام محمد
القدس العربي