هل يقطع انحدار الليرة طريق أردوغان المفتوح للفوز بالانتخابات؟

هل يقطع انحدار الليرة طريق أردوغان المفتوح للفوز بالانتخابات؟

يضع الهبوط الحاد والمستمر في قيمة الليرة مقابل الدولار، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مواجهة تحدّ جدي من وجوه المعارضة التي ستسلط الضوء بالتأكيد على سجله، الذي تزداد الشكوك من حوله في إدارة اقتصاد البلاد.

ويرى الخبير الاقتصادي تيم آش، المتخصص في الأسواق الناشئة بشركة بلو باي آسيت مانجمنت في لندن، أن انحدار الليرة بنحو 10 بالمئة منذ بداية العام، يمكن أن يمثل خطرا حقيقيا بالنسبة لأردوغان مع سعيه للفوز بفترة ولاية ثانية.

وقال آش “إذا واصلت الليرة الهبوط، فإن الرسالة التي ستصل إلى الناخبين ستكون أن أردوغان قد فقد صوابه على الصعيد الاقتصادي. إذا شهدنا فترة من الهبوط المستمر لليرة قبل الانتخابات، فسوف تتقلص فرص أردوغان في الفوز”.

يدفع انحدار قيمة العملة التركية وتفاقم الاختلالات الاقتصادية، الرئيس رجب طيب أردوغان إلى زاوية حرجة بعيدة عن شعاراته ووعوده البراقة، رغم أنه يبدو نظريا في طريق مفتوح للفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر المقبل، بعد أن عزّز قبضته بشكل متزايد على الحياة السياسية والمدنية في البلاد

وسعيا لمفاجأة خصومه السياسيين، دعا أردوغان قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى إجراء انتخابات مبكرة في الـ24 من يونيو، وأرجع الأمر إلى عوامل اقتصادية والحرب في سوريا المجاورة.

وأدار حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الاقتصاد بنجاح نسبي منذ أن وصل إلى السلطة قبل حوالي 15 عاما، بفضل برنامج قرض مدعوم من صندوق النقد الدولي انتهى في 2008 وبفضل تدفق الأموال رخيصة التكلفة على الأسواق الناشئة عقب الأزمة المالية العالمية.

لكن الآن، تسببت إجراءات التحفيز الاقتصادي الجديدة التي أعلنها أردوغان، الذي شدد قبضته على البلاد مستعينا بقانون الطوارئ، في اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما قفز التضخم مسجلا أعلى مستوى بين الأسواق الناشئة الرئيسة.

وهوت الليرة الأسبوع الماضي، إلى مستوى منخفض جديد بلغ 4.24 مقابل الدولار بعدما ارتفع التضخم إلى 10.9 بالمئة في أبريل بعد أن كان عند 10.2 بالمئة في الشهر السابق. ويقارن مستوى التضخم في تركيا مع معدل يبلغ 2.7 بالمئة في البرازيل و4.3 بالمئة في الهند و2.1 بالمئة في الصين و2.4 بالمئة في روسيا.

وأعلنت الحكومة عن إجراءات تحفيز جديدة هذا الأسبوع دون اكتراث بتحذيرات من دخول الاقتصاد في تضخم محموم. وقالت إنها ستخصص 6 مليارات دولار إضافية لصالح أرباب معاشات التقاعد وإعفاءات ضريبية وإجراءات تتعلق بالاستغلال غير القانوني للأراضي.

ويواجه أردوغان تحديا لحكمه من ميرال أكشينار زعيمة حزب الصالح القومي اليميني، وصلاح الدين دميرداش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد المسجون حاليا.

وهناك مرشحون آخرون دخلوا السباق منهم محرم إنجة، العضو البارز في حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي، وتمل قره مُلا أوغلو زعيم حزب السعادة، ودوغو بارينجاك رئيس حزب الوطن، ووجدت أوز زعيم كمرشح لحزب العدالة.

وتشير الاستطلاعات إلى أن انتصار أردوغان ليس مضمونا. ومنح استطلاع أجرته مؤسسة بيار في الآونة الأخيرة الرئيس التركي 41.3 بالمئة من الأصوات مقابل 41.5 بالمئة لأكشينار منافسته الرئيسة.

وفيما تزيد المخاوف بشأن الاقتصاد، خفضت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تصنيف دين تركيا بالعملة الصعبة درجة واحدة إلى بي.بي سلبي، الثلاثاء الماضي، وأرجعت ذلك إلى تنامي الاختلالات الاقتصادية وتزايد سيطرة أردوغان على عملية صنع القرار الاقتصادي في ظل حالة الطوارئ، السارية منذ محاولة انقلاب عسكري فاشلة في يوليو 2016.

وخاض صندوق النقد الدولي أيضا في النقاش حول إدارة الاقتصاد التركي، ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات نقدية ومالية من أجل استقرار الاقتصاد. وتكشف مسوح لثقة المستهلكين والشركات في الآونة الأخيرة أيضا عن أنباء غير سارة للحكومة، وهو ما يزيد الضغوط على أردوغان وحزبه الحاكم في الانتخابات. ولا يستبعد الخبراء أن يقلب انهيار العملة جميع التوقعات.

وبلغت ثقة المستهلكين في البلاد نحو 71.9، علما بأن أي رقم دون 100 يشير إلى تشاؤم حول المستقبل، كما تراجعت ثقة الشركات العاملة في تركيا، في الاقتصاد إلى 98.3، وهو أدنى مستوى هذا العام. كما أظهر مسح آخر للمصنعين، أجرته غرفة صناعة إسطنبول هذا الأسبوع، حدوث أول انكماش في نشاط المصانع في أكثر من عام.

وتعاني الشركات التركية أيضا من أجل سداد قروضها بالعملات الأجنبية مع تراجع الليرة، وهذا مؤشر آخر على دخول الاقتصاد في دوامة قد يصعب الخروج منها على الأقل في المدى القريب. والشركات مدينة بأكثر من 200 مليار دولار في عمليات اقتراض مشابهة.

وقدمت مجموعات كبيرة مثل مجموعة دوغوش ويلديز القابضة، المصنعة لشوكولاتة جوديفا، طلبات بالفعل إلى بنوك لإعادة هيكلة ديون بأكثر من 10 مليارات دولار. والقيود التي فرضتها الحكومة على مثل عمليات الاقتراض تلك، هذا الأسبوع، ربما تكون ضعيفة للغاية وبعد فوات الأوان.

وقد تتعرض الليرة للمزيد من الخسائر مع اقتراب الانتخابات، ما يزيد الضرر بشعبية أردوغان. وقد تكون الخسائر الإضافية مدفوعة ببيانات ميزان المعاملات الجارية عن شهر مارس والمنتظرة في 14 مايو. ومن المقرر صدور بيانات التجارة الخارجية عن شهر أبريل في أواخر مايو الجاري، ثم تصدر بيانات التضخم عن مايو في 4 يونيو.

ورغم كل ذلك، فإن أردوغان لا يزال يملك الكثير من الأوراق، حيث يخوض سباقا مع الزمن لحقن الاقتصاد بالمنشطات لضمان الفوز بأي ثمن. ويسيطر رجال أعمال مقربون من الرئيس على حوالي 90 بالمئة من الإعلام التركي بعد سلسلة من عمليات الاستحواذ التي جرت في الآونة الأخيرة.

كما أقر حزب العدالة والتنمية تشريعا مثيرا للجدل يسمح بإحصاء بطاقات اقتراع غير مختومة كأصوات صحيحة في الانتخابات للمرة الأولى. كما سيدير مسؤولون من الحكومة، بدلا من أعضاء الأحزاب السياسية، مراكز الاقتراع أيضا، ما يثير المزيد من المخاوف من حدوث تلاعب. لكن الليرة هي المشكلة الرئيسة بالنسبة لأردوغان وحلفائه السياسيين مع اقتراب الانتخابات.

وفي حين أن الناخبين الأتراك يميلون إلى تجاهل ارتفاع التضخم، نظرا لأن البلاد قد عانت من مستويات التضخم خلال العقود السابقة، إلا أنهم أكثر حساسية تجاه تراجع الليرة، إذ أن ذلك يؤثر على قدرتهم على شراء سلع مثل الوقود والغاز الطبيعي والسلع المستوردة مثل السيارات وأجهزة التلفزيون.

العرب