واشنطن – أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس أن بلاده ستنسحب من الاتفاق النووي، مشددا على أن هذا الاتفاق سمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، وتطوير منظومة الصواريخ الباليستية.
وقال ترامب إن الاتفاق النووي كان يفترض حماية أميركا وحلفائها، لكن لدينا أدلة على أن وعود إيران كانت كاذبة.
وأضاف أن النظام الإيراني الذي وصفه بالشرير استخدم الأموال التي جناها من رفع العقوبات في صناعة الصواريخ وإشاعة الفوضى في المنطقة ودعم الإرهاب، محذرا من أنه “إذا سمحنا باستمرار الاتفاق فإننا سنشهد سباقا نحو التسلح النووي في المنطقة”. وبعد تقديم مختلف المبررات أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق، قائلا “عندما أعد فأنا أفي بوعدي”.
ويقول محللون إنه بعد هذا القرار سيكون مصير العلاقات الغربية مع طهران قد أصبح في يد حلفاء واشنطن الأوروبيين.
وقال مسؤول أميركي كبير لرويترز إن الحلفاء الأوروبيين متفقون إلى حد بعيد مع ترامب في ما يعتبره عيوب الاتفاق، وهي الفشل في التصدي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والشروط التي يزور بموجبها المفتشون الدوليون المواقع الإيرانية المشتبه بها، والبنود الرئيسية المحددة بموعد معين ينقضي العمل بها بعده.
وسيأتي قرار ترامب متفقا تماما مع القواعد التي وضعها كمقياس محدد لتوجهه طوال الأشهر الماضية، وهو سلوك الأوروبيين وانعكاس ذلك على رد الفعل الإيراني.
وقال “السؤال الكبير الذي يدور في ذهني هو: هل يعتقد ترامب أن الأوروبيين قطعوا شوطا كافيا في إصلاح الاتفاق كي يتسنى لنا جميعا أن نكون متحدين ونعلن عن اتفاق؟ هذا خيار… أو (هل يرى هو) أن الأوروبيين لم يفعلوا ما يكفي ونقول إن علينا فعل المزيد؟”.
وسيحوّل قرار ترامب حلفاءه الأوروبيين من أطراف في المعضلة النووية الإيرانية إلى وسطاء، إذ تدخل جميع الأطراف إلى مرحلة ما بعد اتفاق 2015، الذي نسقته وأشرفت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ولم يعد أمام الأوروبيين سوى التعامل مع واقع جديد يفرض عليهم التعاطي مع إيران باعتبارهم طرفا تنحصر مهامه في تسهيل عملية قبول إيران بتقديم تنازلات، ومن ثم البدء في مفاوضات بشروط جديدة والعودة إلى المربع الأول.
ولم يكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال جلسة تثبيته في المنصب الشهر الماضي، عندما قال إن “الأشهر التي تتبع 12 مايو ستشهد جهدا دبلوماسيا كبيرا”، يعني أي شيء آخر سوى محاولة إخراج إيران من الجانب الآمن الذي وضعها الاتفاق فيه، وتمكنت من خلاله من التصرف بحرية أكبر، خصوصا في الشرق الأوسط.
وستكون هذه العملية معقدة، بينما يحاول ترامب وضع فلسفته الجديدة، التي تقوم على حصر البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ إيران الإقليمي، في حزمة واحدة ستمثل العمود الفقري لأي اتفاق جديد.
وإذا ما قرر ترامب إعادة فرض العقوبات مرة أخرى على إيران، سيتعين عليه بموجب القانون الأميركي الانتظار 180 يوما على الأقل قبل فرض عقوبات على بنوك الدول التي لم تخفض مشترياتها من النفط الإيراني.
لكن إلى حين تحقيق ذلك، ستواجه الشركات الأوروبية، التي وقعت بالفعل عقودا لدخول السوق الإيرانية أو تلك التي كانت تنوي فعل ذلك، مرحلة عدم يقين تعمد الرئيس الأميركي فرضه على الواقع الإيراني.
ولا تستطيع الشركات والبنوك الأوروبية المجازفة بالتعامل مع إيران، في وقت تتبنى فيه الولايات المتحدة موقفا متشددا منها. وحتى لو منحت الشركات الأوروبية الضوء الأخضر لاستمرار عملياتها في إيران، فستتسبب حالة القلق والاضطراب التي سيحدثها قرار ترامب في الأسواق بهروب رؤوس الأموال الأجنبية في كل الأحوال.
وسينعكس هذا الواقع الجديد حتما على حياة الإيرانيين، الذين نزل الآلاف منهم للتظاهر في أواخر العام الماضي ومطلع العام الجاري، احتجاجا على عدم ترجمة رفع العقوبات الاقتصادية في صورة تنمية مباشرة، وإنفاق المليارات على تدخلات إيران في شؤون الدول المجاورة.
وقال أمير حسين حساني، الذي يعمل في صرف العملات الأجنبية، لصحيفة نيويورك تايمز، “سنرى المزيد من المهاجرين، المزيد من البطالة، المزيد من الإفلاس، والمزيد من الفقر”، مضيفا “من الممكن أن يعتقد البعض أن ذلك سيؤدي إلى تغيير النظام، لكن المظاهرات ستقمع والحكومة ستعود لحكم البلد، كل ما في الأمر هو أننا سنصبح أفقر”.
وضحية قرار ترامب، أيا كان، هو الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي استثمر في الاتفاق كثيرا باعتباره بصمته الخاصة في السياسة الخارجية.
ويقول المحلل السياسي في طهران مجتبى موسوي إن “روحاني راهن كثيرا على الاتفاق النووي واستثمر كل رصيده السياسي فيه”. وأضاف “والآن سيخسر روحاني كل شيء؛ جميع خططه الاقتصادية والسياسية التي بناها على الاتفاق النووي”.
لذلك يبدو أن كل السيناريوهات تؤدي إلى أن إيران بلا خيارات تذكر. وبغض النظر عن التغييرات الداخلية، يتفق المحافظون والإصلاحيون على أن مصلحة إيران كانت في بقاء الولايات المتحدة كجزء من الاتفاق النووي، وستظل مصلحتها منحصرة فقط في القبول بالتفاوض على بنود جديدة للاتفاق.
وقال أبوقاسم غولباف، المحلل السياسي الإيراني المؤيد للتغيير، “أنا مع إطلاق محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، كلما كانت أقرب كلما كان أفضل”، وأضاف “يجب أن تكون هذه المحادثات علنية كي يتابعها الجميع، لأنهم عندما يتحدثون سرا يرتكبون أخطاء لا يصلحها أحد. يجب أن تجلس طهران وواشنطن وجها لوجه على طاولة التفاوض”.
العرب