ترامب مزّق “النووي”.. فماذا سيفعل العالم؟

ترامب مزّق “النووي”.. فماذا سيفعل العالم؟

بعد دقائق من الزلزال الذي أحدثه إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بدا العالم -باستثناء إسرائيل والسعودية والإمارات- موحدا في إعلان التمسك بالاتفاق، لكن السؤال الذي يبدو ملحا يتعلق بقيمة المواقف الدولية أمام قرار سيد البيت الأبيض.

قرار ترامب الذي استبق موعد تجديد الاتفاق بأربعة أيام، قطع الطريق على جهود أوروبية كانت تحاول إقناع واشنطن بالبقاء في الاتفاق مقابل التفاوض على ملحق أو أي صيغة تأخذ بالاعتبار اعتراضات إدارة ترامب عليه.

لكن الرئيس الأميركي قرر المضي بقراره دون اعتبار لحج ثلاثة من أبرز حلفائه الموقعين على الاتفاق لواشنطن، وهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وجميعهم فشلوا في إقناع ترامب بالتمسك بالاتفاق أو القبول بحلول بديلة.

ومع توالي المواقف الدولية التي أعلنت التمسك بالاتفاق، بدءا من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا فالصين، بدا الأمر وكأن العالم يواجه موجة انسحابات ترامب التي انتهت بتملصه من الاتفاق النووي مع إيران.

أقرب لموسكو
واللافت أن حلفاء ترامب ظهروا هذه المرة أقرب لموسكو من واشنطن، بعد أن شكلوا معه جبهة موحدة في مواجهة روسيا وفرض العقوبات عليها وعزلها دبلوماسيا بعد الاتهامات لها بمحاولة اغتيال العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا.

أما إيران التي هاجمت ترامب وقراره بقوة، فقد فضلت اختبار قوة الفعل الدولي -وخاصة من بقية الأطراف الموقعة على الاتفاق معها- لإجراء “اختبار حياة” للاتفاق، بعد أن صرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن “الاتفاق لم يمت”.

فالرئيس الإيراني حسن روحاني تحدث عن مهلة لا تزيد على “أسابيع قليلة جدا” لبقية الأطراف الموقعة على الاتفاق لضمان استمراره، مؤكدا أن بلاده ستعلن موقفا آخر في حال فشلت هذه المساعي.

لكن مراقبين قرؤوا في إعلان ترامب أن بلاده ستفرض عقوبات اقتصادية “ستكون في أعلى درجاتها” بأنها بمثابة إعلان الحرب على أي إمكانية لاستمرار الاتفاق والعمل به من قبل بقية الأطراف، وخاصة حلفاءه في لندن وباريس وبرلين.

ومسار العقوبات الذي سلكته واشنطن طويلا مع إيران ومع غيرها من الدول أثبت بالنسبة لصانع القرار الأميركي فاعليته في الحد من تعامل الشركات والبنوك الدولية مع هذه الدول، وألحق بالأنظمة التي تعرضت للعقوبات خسائر كبيرة، وحد من التنمية في بلدانها إلى مدى كبير.
عقوبات أشد
وفور انتهاء ترامب من توقيع الانسحاب من الاتفاق، أعلن وزير خزانته ستيف منوشين عن مسار العقوبات الأميركية التي ستشمل العقود الجديدة التي أبرمت مع إيران، وتتلخص بالآتي:

– الحد من صادرات النفط الإيرانية بعد 180 يوما، وخلال هذه الفترة ستقيم الخارجية الأميركية مدى تقليص الدول لمشترياتها من النفط الإيراني.
– بعد 90 يوما، ستفرض واشنطن قيودا على بيع الدولار لإيران، وشراء الذهب والمعادن الثمينة الأخرى منها، إضافة لشراء الصلب والألومنيوم والاستثمار في السندات الإيرانية، وصفقات مع شركات صناعة السيارات الإيرانية.
– سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني بما فيها بوينغ وإيرباص.
– بعد الـ 180 يوما، ستطال العقوبات الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن، كما ستُفرض قيود على تحويلات مالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني وخدمات التأمين.

الشركات والعقوبات
وبعيدا عن المواقف السياسية التي صدرت على الرؤساء ووزراء الخارجية، فإن خبراء في العلاقات الدولية يرون أن قدرة الشركات الغربية وحتى الروسية والصينية على مقاومة العقوبات الأميركية ستكون محدودة.


كلاوسن: واشنطن تراهن على أن كثيرا من الشركات وخاصة الأوروبية ستلتزم بالعقوبات على إيران انطلاقا من تجاربها السابقة، حيث التزمت وخاصة البنوك بتطبيق العقوبات الأميركية انطلاقا من قاعدة تفادي خطر الدخول في صدام مع السلطات الأميركية
” وفي هذا الإطار، قال الخبير بشؤون الأمن القومي الأميركي باتريك كلاوسن إن الشركات الأوروبية ستحاول تفادي مخاطر العقوبات جراء تعاملاتها مع إيران، مشيرا إلى أن مهمة البنوك ستكون أصعب، وبالتالي ستكون أكثر حذرا في التعامل مع طهران.

وقال للجزيرة إن واشنطن تراهن على أن كثيرا من الشركات وخاصة الأوروبية ستلتزم بالعقوبات التي ستفرضها على إيران، انطلاقا من تجاربها السابقة، حيث التزمت هذه الشركات وخاصة البنوك بتطبيق العقوبات الأميركية انطلاقا من قاعدة تفادي خطر الدخول في صدام مع السلطات الأميركية.

وحتى بالنسبة لروسيا، فقد عبر كلاوسن عن تشككه في قدرة الشركات والبنوك الروسية على التعامل مع إيران في ظل العقوبات الأميركية.

وأشار إلى أن موسكو لم تنجح بإقناع البنوك والشركات الروسية بالمجازفة بالتعامل مع إيران فترة العقوبات عليها، لأن ذلك سيعني مواجهتها للولايات المتحدة وبالتالي وقوعها تحت العقوبات وعدم تمكنها من الحصول على الدولار.

أوروبا على المحك
بالمقابل، اعتبر الخبير في قضايا أوروبا والشرق الأوسط كريستيان هانليت أن الوحدة التي أظهرها الاتحاد الأوروبي إزاء تمسكه بالاتفاق يجب أن تنعكس في تعامله مع التهديدات والعقوبات الأميركية.


هانليت: التحدي الآن يكمن في قدرة الحكومات الأوروبية على توجيه رسالة مفادها أن الاتفاقات متعددة الأطراف يجب أن تحترم من جميع من وقعوا عليها لكي تكون هناك ثقة على المستوى الدولي
” لكنه أقر -في حديث للجزيرة- صعوبة مواجهة الشركات الأوروبية للعقوبات الأميركية، وقال إن هذه الشركات أبدت حذرا في تعاملاتها مع طهران منذ وصول ترامب للبيت الأبيض وإعلانه عزمه الخروج من الاتفاق النووي.

وتحدث الخبير عن “استثمارات أوروبية محدودة” حاليا في إيران، وقال “بعد الاتفاق توقعت الحكومة الايرانية استثمارات أوروبية كبرى، لكن ثبت أن هذه الاستثمارات كانت مترددة ومحدودة”.

ويخلص لاعتبار أن التحدي الآن يكمن في قدرة الحكومات الأوروبية على توجيه رسالة مفادها أن الاتفاقات متعددة الأطراف يجب أن تحترم من جميع من وقعوا عليها لكي تكون هناك ثقة على المستوى الدولي، وزاد “تود أوروبا أن تلتزم بالاتفاق النووي وتوجيه رسالة بأنه بإمكان العالم أن يعتمد عليها في تنفيذ الاتفاقات الدولية”.

ووسط حالة الترقب التي تسود العالم بعد تمزيق ترامب الاتفاق النووي، يشكك خبراء عدة في إمكانية صمود الاتفاق لأكثر من أسابيع أو أشهر قليلة، ويرى هؤلاء أن العالم تعود أن يعيش على إيقاع السياسة التي يفرضها سيد البيت الأبيض الذي يريد اليوم التفاوض من جديد على اتفاق “لا يكون كارثيا” وفق تعبير ترامب.

المصدر : الجزيرة + وكالات