يبدو ان عودة الجنرال قاسم سليماني إلى العراق مجددا يراد منها تأكيد لادوار طهران وطموحاتها الامبراطورية طويلة الأجل. فقائد فيلق القدس الإيراني الذي سوقه الاعلام الايراني بطلا قاد المعارك ضد “داعش”، أو هكذا أريد له أن يكون،ومن وجهة نظر الكثير في العراق ومنهم رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي طالما أكد أن سليماني يشرف على المعارك في العراق، بطلب رسمي حكومي.
قاسم سليماني – الزعيم الملهم
ينسب العديد من العراقيين الفضل في “الانتصارات الحكومية” المزعومة إلى الجنرال سليماني، وعلى رأسهم أمراء الحروب من قادة الميليشيات الذين يعتبرونه “أيقونة” للفداء والاستبسال دفاعا عن المذهب والعقيدة، بل أن الأمر تعدى ذلك فمن يتابع محطات التلفزة العراقية أو العربية منها، سيجد العديد من المحللين السياسيين والاعلاميين الذين سُخروا للدفاع المستميت عن “الشهيد الحي” كما يلقبه خامنئي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فنواب التحالف الوطني، باتوا محامين متطوعين بالمجان للدفاع عن سليماني، حينما توجه شخصية معارضة لهيمنة إيران الانتقادات أو الاعتراض على هذا الدور الذي يلعبه القائد الإيراني في العراق.
ما هو السر وراء تمجيد الجنرال ؟
قد لا يختلف اثنان ممن يقتدون بسليماني من مليشيات الحشد الشعبي، أو الكتل السياسية التي تمثل هذه المليشيات، في ان الدور الذي يؤديه الجنرال الإيراني يمثل قمة “الفداء والتضحية” دفاعاً عن العراق وشعبه من الهجمة البربرية التي يشنها “داعش”، او هكذا يعلنون للرأي العام، وعلى هذا الأساس يقدمون له الثناء والعرفان.ولكن ما يدور وراء الكواليس ولا يستطيع الساسة المتمترسون خلف سليماني أن يصدحوا به، هو ان المهمة الأولى المنوط بها المندوب السامي الايراني في العراق، تتمثل في حماية الحكومة الشيعية، وتثبيت اركانها التي كانت على وشك الانهيار قبيل مجيء العبادي إلى سدة الحكم، وهنا يكمن اللغز، حين تجد قادة ما يسمى بـ “التحالف الوطني”، مهطعين الرؤوس لمبعوث “ولي أمر المسلمين” إلى العراق.
ما علاقة العبادي بسليماني؟
وربما يراود أذهان عامة الناس، ومن يدورون بعيداً عن ما يجري في فلك السياسة، بان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي يتجاهل قاسم سليماني، بل ان البعض يعتقد أن العبادي يتقاطع معه، ويريد إدارة البلد بعيداً عن سطوته ونفوذه، لكن ما ينفرد به مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية من معلومات بالغة الحساسية، تؤكد أن العبادي لا يمكن أن يقود دولة بمنأى عن رؤى سليماني، سواء أكان ذلك بالضغوط التي تمارس على رئيس مجلس الوزراء، أو ما يخفيه الرجل من بواطن الأمور التي يجري الحديث بشأنها وراء الجدران المغلقة، أو في اجتماعات التحالف الوطني، والتي ما ان ينتهي احد هذه الاجتماعات حتى يخرج بيان صحفي مكرر في كل مرة، يذكربان قادة الكتل المنضوية فيه ناقشوا المستجدات السياسية، والحرب ضد داعش ، ودعم القوات الأمنية.
اذ يغضب سليماني – ماذا دار في اجتماع “سري” للتحالف الوطني ؟
ووفقا للمعلومات الشديدة السرية التي يكشفها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فإن قائد فيلق قدس قاسم سليماني عاد مؤخراً إلى العراق، ليعقد اجتماعاً مع جميع قوى الائتلاف الوطني بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، ووصفت مصادر موثوقة للمركز بان الاجتماع كان “شديد اللهجة”، على غير العادة.
ففي الاجتماع الذي رعاه سليماني في العاصمة العراقية بغداد، نقل للعبادي تحذيرا شديد اللهجة ومباشراً له،بحضور عدد من مسؤولي وقيادي التحالف الوطني العراقي وعدد من قيادات الحشد الشعبي ، التي أيدت تحذيرات سليماني واوضحت بضرورة إزاحة العبادي عن سدة الحكم.
بماذا اجاب سليماني على اقوال العبادي في واشنطن؟
ابدى سليماني غضبا حيال انتقادات شديدة اللهجة كان العبادي قد وجهها في ندوة بمعهد واشنطن، عندما قال ان وجود قائد فيلق القدس الإيراني في العراق كان فكرة سيئة.
ووفقا لمصادر مركز “الروابط”، فان قاسم سليماني، حذررئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من محاولة التخلص من القيود الايرانية ووصاية المالكي على الدولة, مؤكدا على شرعيتهالواقعية والتي هي اقوى من شرعية العبادي، وبالتالي فان الاخير لا يملك إلا أن يذعن للإرادة الإيرانية ويوافق على جميع طلباتها.
ورغم الادراك الايراني باستحالة تحرك رئيس الوزراء العراقي خارج الارادة الايرانية ومصالحها، وان ما صرح به امام الامريكيين لجهة رفضه تدخلات طهران، انما هو امر ينطوي على تطمينات ليس الا ولن تفضي إلى واقع ملموس.ومن ناحية اخرى فان هذه الزيارة تدلل على التزام إيراني بدور المالكي السياسي والامني، وتأكيد تزعّمه لميليشيات الحشد الشعبي، بالنظر لسياسته التي افضت الى مزيد من النفوذ الايراني على المستوى العملي والسياسي.
ماذا “حمل” سليماني معه من طهران ؟
وفي هذا السياق ووفقا لمعلومات سرية تسربت، فان زيارة سليماني لبغداد، تأتي ضمن جهود ايرانية حثيثة لمنع سقوط نظام الاسد بعد التطورات الميدانية الاخيرة التي حققتها المعارضة السورية حاملا معه خطة يراد تنفذها على مراحل عدة؛ تبدأ من تأمين محيط العاصمة بغداد بفرض طوق من ميليشيات الحشدعليها، يتبعهاتنفيد هذه الميليشياتوباشراف المستشارين الإيرانين عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة الكرمة، لتمتد فيما بعد إلى مدينة الرمادي، التي يراد تأمينها بشكل كامل، ومن ثم التقدم صوب المناطق النائية حيث الحدود مع الأردن وسوريا، وصولاً إلى منطقة عرعر، حيث نقاط التماس مع المملكة العربية السعودية. كما تقوم الخطة الجديدة التي بدأ تنفيذها، بتأمين الطريق من منطقة الكرمة وصولاً إلى سامراء،ومرورا بمناطق مجاورة، لبلوغ قضاء تلعفر، الذي يتبع محافظة نينوى، وبمحاذاة الحدود مع سوريا.ما الهدف من خطة سليماني ؟
تؤكد المعلومات التي حصل عليها المركز من مصادر رسمية،فان الخطة الإيرانية ترتكز في جلها على تأمين خطوط الامداد لنظام بشار الأسد عبر الأراضي العراقية، بعدما حال تنظيم “داعش” من بلوغهم النقاط الحدودية، والتي كانت تمثل شريان الحياة للأسد على مدى سنوات.
سليماني يحوّل تركيزه على سوريا ؟
لاشك في ان إيران بدأت تستشعر الخطر المحدق بحليفها الاستراتيجي في المنطقة بشار الأسد، في ظل انشغالها بما يدور في العراق، وبات التقدم الذي يحققه الثوار في سوريا على أكثر من جبهة امرا مقلقا بالنسبة لنفوذها الممتد الى شرقي المتوسط.
وبحسب ما نشرته صحيفة الـ”واشنطن بوست” في تحقيق موسع عمَّا أصبحت عليه أوضاع نظام بشار الأسد، استندت في جانب منه إلى معلومات نسبتها إلى السفير الأميركي (السابق) في دمشق روبرت فورد، ومما قالته في هذا التحقيق إنَّ قبضة الرئيس السوري بدأت تهتز، وإنَّ نهايته أصبحت قريبة، وإن الخلافات باتت تحتدم داخل عائلته.وبعبارة اخرىفان نظام الأسد، بات يعيش حالة من الاضطراب لم يشهدها منذ بدء الثورة،بعد ان اصبحت المعارضة السورية المسلحة على مشارف اللاذقية، ما دفع النظام لإيفاد وزير دفاعه فهد جاسم الفريج إلى طهران للاستنجاد وطلب الدعم.
استراتيجية إيرانية تقابل التغييرات في السعودية
اثبتت عملية “عاصفة الحزم” نجاح التحالف العربي في أقل من 24 ساعة من توجيه ضربة قاصمة لجهاز الاستخبارات الإيراني، الذي لم يكن لديه أي علمٍ بتشكيل تحالف عربي إقليمي، إذ نجحت المملكة في تشكيله بجهود الملك سلمان لمواجهة المد الإيراني في المنطقة.
وكان مركز “الدراسات العربية الإيرانية في لندن، قد وصف رد فعل إيران على الضربة الجوية لقوات الحوثي الموالية لها بـ”المفجعة”، في ظل حالة الفوضى والتخبط التي سيطرت على مجلس الدفاع الإيراني في أول اجتماع له بعد ساعات من العملية العسكرية “عاصفة الحزم”.
وكشفت المعلومات عن ما اصاب المسؤوليين الايرانيين من انزعاج اثر تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم، وهو ما دفع البعض منهم في الآونة الأخيرة إلى تكثيف الانتقادات اللاذعة للرياض.ولعل ما شكل الدافع لتحركات لسليماني الأخيرة، هي التغييرات التي اجراها الملك سلمان، بعد أن عين وليا أولاً وثانيا للعهد، فضلاً عن وزير للخارجية، وهو من المناهضين لإيران، ناهيك عن تكثيف الدعم السعودي للفصائل المعارضة التي تقاتل الأسد و”داعش” على حد سواء، الامر الذي طهران تسابق الزمن أملاً في تدارك الأمور التي بدأت تخرج شيئاً فشيئاً عن قبضتها في سوريا، وقد مثلت الأراضي العراقية المستباحة، ونظام بغداد الذي يقود دفته سليماني، خير عون ومنطلق لنجدة بشارالذي تقول المعارضة السورية ان ساعته قد أزفت.
*جميع المعلومات الواردة في التقرير أعلاه محفوظة “لمركز الروابط للبحوث والدراسات والاستراتيجية”، حق الاقتباس مكفول بشرط الاشارة إلى المصدر.
عمر الحمداني
واشنطن – مركز الروابط للبحوث والدراسات والاستراتيجية