شذى خليل
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في يوم 8\5\2018 الانسحاب من الاتفاق النووي ،المبرم مع إيران في 2015 على الرغم من أنه ليس اتفاقا ثنائيا ، هو اتفاق جماعي شاركت فيه خمس دول كبرى أخرى. والذي وافقت بمقتضاه إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها.
واعتبرت واشنطن القرار الذي اتخذه ترمب تطورا جذريا، ليس فقط في علاقة واشنطن بطهران بل بالنظام الدولي برمته، وانه يهدم قرار “الإنجاز” الابرز في السياسة الخارجية الذي حققه سلفه باراك أوباما”.
فقد كان الاتفاق الضمانة الوحيدة لعدم شن حرب غربية على طهران، لكن انسحاب الولايات المتحدة منه قد يجعل الأمر وارداً، خاصةً إذا ما أعلنت إيران أنها ستعود إلى تخصيب اليورانيوم.
الاتفاق النووي:
عقد الاتفاق بين إيران والدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مفاوضات، من اجل التوصل إلى تسوية شاملة للبرنامج النووي الإيراني في مدينة لوزان السويسرية ، من اجل اعطائه الطابع السلمي، مقابل الغاء العقوبات المفروضة على إيران ،اذ تم التوصل إلى الاتفاق في يوليو/ تموز 2015 المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” أي الاتفاق النووي .
وبموجب الخطة اتفقت إيران والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا المعروفة باسم (مجموعة 5 + 1) والاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني مقابل تفكيك طهران لبرنامجها النووي.
ودخلت الخطة حيز التنفيذ في كانون الثاني / يناير 2016 تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تتمتع بصلاحيات مراقبة واسعة وأدى ذلك إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران والمتعلقة بتطوير الطاقة النووية، بما في ذلك العقوبات المتعلقة بالمعاملات المالية والتجارة والطاقة. وكجزء من الاتفاق، تم الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات من أصول إيران المالية المجمّدة، إلا أنه من الممكن إعادة فرض العقوبات إذا انتهكت إيران الاتفاق.
وكانت خطة العمل المشتركة تسمح لإيران بأن تتابع برنامجها النووي السلمي لأغراض تجارية وطبية وصناعية بما يتماشى مع المعايير الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية، والأهم من ذلك أن خطة العمل المشتركة تتعلق ببرنامج إيران النووي فقط، هذا يعني ان الاتفاقية لا تتناول مسائل أخرى مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان ودعم المنظمات الإرهابية والأنشطة المزعومة الرامية إلى “زعزعة الاستقرار” في الشرق الأوسط، على هذا الصعيد هناك عقوبات وقيود تجارية مفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي وأخرى من قبل الولايات المتحدة. كما أن هناك قرار منفصل لمجلس الأمن الدولي يتناول برنامج إيران للصواريخ الباليستية.
ووصف ترمب الاتفاق النووي الإيراني بانه كارثي، وان ايران «تكذب» في شأن ملفها النووي واكد العمل بأكبر قدر من العقوبات الاقتصادية ، وحذر ترمب الى ان «كل بلد يساعد ايران في سعيها الى الاسلحة النووية يمكن ان تفرض عليه الولايات المتحدة ايضا عقوبات شديدة.
واكد ترمب إن النظام الإيراني مول “منظومة إرهاب أهدر فيها ثروات شعبه”، و أن الاتفاق النووي سمح لطهران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، وبطريقه لامتلاك سلاح نووي.
واضاف ترمب “هذا الاتفاق الكارثي أعطى النظام الإيراني الإرهابي ملايين الدولارات”، و”لو سمحت لهذا الاتفاق أن يستمر فسيصبح هناك سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط”وان ايران لن تتوقف عن طموحها بامتلاك سلاح نووي.
اثار الانسحاب على الاقتصاد الإيراني
• فور اعلان ترمب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وتوقيع مذكرة رئاسية بفرض عقوبات على النظام الإيراني، انعكس وبشكل مباشر على العملة الإيرانية اذ سجلت انخفاضاً أمام الدولار الأمريكي اذ قام بعض الإيرانيين بسحب مدخراتهم من البنوك حتى من قبل إعلان الانسحاب مما فرض ضغوطا على النظام المصرفي الذي يعاني بالفعل من القروض المتعثرة وسنوات العزلة.
• وان غياب الثقة بين المواطنين والحكومة الإيرانية اسهم في توسيع المشكلات التي تهدد الرئيس الإيراني حسن روحاني في المؤسسة الدينية حيث شحت الاستثمارات مع فرض البنوك حد أقصى للإقراض بينما يتباطأ النمو ويبلغ معدل البطالة مستوى قياسيا مرتفعا، مما يعرض روحاني لانتقادات متزايدة من المتشددين.
• فقد الريال الإيراني ما يقرب من نصف قيمته خلال ستة شهور حتى أبريل نيسان، بسبب تبني الولايات المتحدة موقفا أكثر صرامة، مما جعل طهران تفرض حظرا على تداول العملات الأجنبية محليا وفرض سقف لحيازة العملة الأجنبية عند 12 ألف دولار.
• لن تتمكن من تصدير أو استيراد الأسلحة، كما ستظهر قوائم سوداء تضم أسماء أفراد وشركات وبنوك كانت متهمة في السابق بانتهاك القوانين الأميركية.
• لن تتمكن من استيراد قطع غيار للطائرات والسفن لتحديث أسطولها الجوي والبحري، وستُحرَم من صفقات تجارية خارجية ضخمة كانت تعوّل عليها لإنعاش اقتصادها الذي يعاني بالفعل من مشاكل عدة تسببت مؤخراً في خروج تظاهرات كثيرة إلى الشوارع.
• اما قطاع النفط الإيراني والذي يشكل أبرز مصدر للدخل في ايران سيعاني من فرض العقوبات عليه، وكان بحاجة ملحة لدعم من شركات أجنبية لتطويره من أجل زيادة إنتاجه، عدا أن دولاً كثيرة ستتوقف عن استيراد النفط الإيراني.
• خسر الريال الإيراني الذي نحو 22 % من قيمته أمام الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي ينعكس على ارتفاع الأسعار وتفاقم حجم البطالة وزيادة الفقر وتدهور الوضع الاقتصادي الايراني .
أزمات اقتصادية أكثر في انتظار طهران، فقد أعلن اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية أن شركات أوروبية قد تواجه عقوبات في الولايات المتحدة إذا وُضع شركاؤها الإيرانيون في الأعمال على قوائم العقوبات الأمريكية.
اما بالنسبة للاستثمارات فلن تتمكن إيران من جذب استثمارات أجنبية، وستتوقف معظم الاتفاقيات هذا يعني تجميد أموال طهران في الخارج، خصوصاً في الولايات المتحدة، ومن اهم الاتفاقيات التي ستتأثر بالانسحاب:
– اتفاقيات بين طهران وشركتين بوينغ واير باص، اذ تعد من أكبر الصفقات وأضخمها ، حيث قالت شركة ايرباص في بيان لها تعقيبا على قرار ترامب: “ندرس الإعلان ونقوم بتقدير أنسب الخطوات التي تتماشى مع سياساتنا الداخلية وتتناسب مع أنظمة العقوبات وقوانينها.”
– صفقات مع كبرى الشركات الدولية على صعيد النفط، والأجهزة الإلكترونية، مثل صفقات عقدتها طهران مع شركة توتال النفطية وشركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات وجنيرال الكتريك للأجهزة والمعدات الإلكترونية.
– رحلات جوية ومجموعات الفنادق، حيث استفادت الشركات العاملة في هذا القطاع من رفع العقوبات عن طهران والترويج لإيران كوجهة سياحية، مثل تسيير شركات مثل الخطوط الجوية البريطانية وشركة لوفتهانزا الألمانية ، في رحلات مباشرة من برلين ولندن إلى طهران، في حين تتأثر سلسلة فنادق عالمية مثل Accor التي كانت أول من يفتح في إيران في عام 2015 بالإضافة إلى مجموعات فندقية أخرى مثل روتانا وميليا.
التداعيات الانسحاب على الدول الاوربية
لم تخفي الشركات الاوربية مخاوفها من اعلان الانسحاب والذي يكبدها خسائر اقتصادية باهظة ، وهذا ما دفع مسؤول من الرئاسة الفرنسية في (التاسع من مايو/ أيار 2018) إلى الإعلان أن المسؤولين الاوروبيين سيبذلون “كل جهد” ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في إيران “من خلال التدخل لدى الادارة الأمريكية.”
وهددت واشنطن عند اعلانها الانسحاب بفرض عقوبات على كل الشركات الاجنبية المتعاونة مع إيران وأمهلتها 180 يوما للالتزام، وهو ما عبر عنه سفير الأمريكي الجديد في برلين ريتشارد جرينيل حيث طالب في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي بانسحاب الشركات الألمانية من إيران فورا.
واشار جرينيل ، إن على الشركات الألمانية التي تعمل في إيران يجب أن “توقف فورا” ، كما أعلن مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون أن اعادة العمل بالعقوبات الاميركية المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني ستسري فورا على العقود الجديدة، موضحا أن امام الشركات الاجنبية بضعة اشهر “للخروج” من إيران.
ونشرت مجلة فوكوس الألمانية مقالا تطالب فيه الحكومة الألمانية بإنقاذ المصالح الاقتصادية الألمانية.
وحسب المجلة تقدر حجم الصادرات الألمانية لإيران بلغ بـ ثلاثة مليارات يورو في عام 2017 ، وهو ما يبلغ 0.2 %من مجموع الصادرات الألمانية بشكل عام.
وقالت المجلة إن نسبة الصادرات الألمانية ارتفعت ما مقداره 16 % عن العام السابق إلا أن قرار ترمب قد يؤدي إلى تجميد للعلاقات الاقتصادية بين البلدين ويكبد ألمانيا خسائر فادحة.
كما عبرت الشركات الألمانية عن تخوفها من خسائر مالية مفترضة حيث قالت شركة فولكسفاغن إنها بدأت العام الماضي فقط بإرسال سيارات إلى إيران، فالقرار الأمريكي قد يعني وقف هذا التصدير، كذلك أبدت شركة هينكل الرائدة في مجال صناعة المنظفات مخاوفها من تأثير قرار ترمب على خططها التجارية المستقبلية مع إيران، بحسب مجلة فوكوس.
وتعهدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بقيام برلين وباريس ولندن “بكل ما يلزم” لضمان بقاء إيران في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 غداة انسحاب الولايات المتحدة منه.
وصرح رئيس السياسات الدولية في حزب ميركل نوربرت رويتغن لمجلة شبيغل الألمانية ، إنه سيكون من الصعب الالتزام بالاتفاق دون الولايات المتحدة نظرا إلى أن الشركات الأوروبية التي تواصل تعاملاتها التجارية مع الجانب الإيراني قد تتعرض لعقوبات أميركية قاسية.
وقال نوربرت إن أي جهة “تستثمر في إيران ستواجه عقوبات قاسية من قبل الولايات المتحدة، ولا يمكن تعويض ثمن ذلك”. وحذر قائلا “لذلك فإن الشركات المتأثرة ستتراجع على الأرجح سريعا عن استثماراتها أو تنسحب من البلد تماما.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية