بغداد – اختار العراقيون التصويت ضد محاولات فرض مشروع إيران في العراق، إذ مني رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقائمة زعيم الميليشيات المقربة من إيران هادي العامري بخسارة كبيرة، وفقا لنتائج أولية أظهرت تقدم قائمتي رئيس الوزراء حيدر العبادي ورجل الدين الذي يحظى بشعبية كبيرة مقتدى الصدر.
ويعكس تقدم قائمة النصر التي يتزعمها العبادي تصويتا عقابيا لائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، ولأجندته المرتبطة بإيران، وسياساته الطائفية التي يلقي الكثير من العراقيين عليها باللائمة في صعود تنظيم داعش واحتلاله مناطق شاسعة من العراق عام 2014.
واحتدمت المنافسة في الانتخابات العراقية العامة التي أجريت، السبت، إذ تشير النتائج الأولية التي حصلت عليها “العرب”، إلى تقارب شديد بين عدد من القوائم في مختلف الدوائر الانتخابية.
ووفقا لقانون الانتخابات العراقي، تتكون البلاد من 18 دائرة انتخابية، كل واحدة منها تشمل محافظة واحدة. ولكل محافظة، حسب كثافتها السكانية، عدد محدد من المقاعد في البرلمان العراقي، المكون من 329 مقعدا.
وتشير النتائج الأولية إلى تصدّر قائمة “النصر”، التي يتزعمها رئيس الوزراء حيدر العبادي في عموم الدوائر.
وفي الدوائر الشيعية، حل تحالف “سائرون” المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ثانيا، يليه تحالف “الفتح” المدعوم من إيران. أما في الدوائر السنية، فقد تصدر العبادي في الموصل وحل ثالثا في الأنبار.
وتقول مصادر مطلعة في مفوضية الانتخابات إن قائمة العبادي ستحصل على أكثر من 50 مقعدا في البرلمان العراقي الجديد، يليها تحالف “سائرون” بأكثر من أربعين مقعدا.
ويتشكل كلا التحالفين من شخصيات شيعية وسنية وعلمانية. ويقول مراقبون إن تصدر هذين التحالفين نتائج الانتخابات العراقية، يعكس تغيرا واضحا في مزاج الناخب الذي كان يصوت في ما مضى انطلاقا من دوافع طائفية، ولم يكن ممكنا في الانتخابات السابقة، فوز مرشح سني على لائحة شيعية، لكن هذه القاعدة كسرت بوضوح في هذه الانتخابات.
وجاء الاختراق الأكبر في الموصل، أكبر معقل بشري للسنة في العراق، حيث حصل مرشح لائحة العبادي، وهو وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، على أعلى الأصوات بنحو ثمانين ألفا، وفقا لنتائج غير رسمية.
وبذلك، حلت قائمة النصر ذات القيادة الشيعية بالمركز الأول في أهم معقل للسنة بالعراق. ولم يقتصر الأمر على الموصل، إذ نافست قائمة العبادي بقوة في محافظتي صلاح الدين والأنبار، وهما معقلان سنيان أيضا، فحلت ثانية في المحافظة الأولى وثالثة في المحافظة الثانية.
لكن في أماكن أخرى، وخصوصا في بغداد حيث بلغت نسبة المشاركة 32 في المئة، بحسب مصادر في المفوضية العليا للانتخابات، “شعر العراقيون بأن اللعبة انتهت والانتخابات معدة مسبقا”، بحسب ما قال كريم بيطار الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
وحيال الامتناع الواسع للشبان، الذين يشكلون 60 في المئة من نسبة السكان في العراق، أوضح بيطار أن ذلك سببه “أن النظامين الطائفي والمحسوبية أنتجا عقبات أمام دخول قوى حقيقية جديدة للتغيير، ما أدى إلى إحباط لدى الناخبين”.
وقال محلل سياسي عراقي، فضل عدم ذكر اسمه لـ”العرب”، إنه “لو لم ينجح المقاطعون في مسعاهم الذي أدى إلى تدني نسبة المصوتين لكانت هزيمة نوري المالكي أكثر وضوحا”.
وقدمت قائمة العبادي في بغداد أداء قويا، وحلت في المرتبة الأولى، فيما ترجح مصادر “العرب” حصولها على نحو 20 مقعدا، من أصل مقاعد العاصمة، البالغة 71 مقعدا.
وفي البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، حقق العبادي فوزا معنويا مهما بحصوله على 8 مقاعد من أصل 24 هي حصة المحافظة في البرلمان القادم، متفوقا على قائمة “الفتح” المدعومة إيرانيا، التي حازت على 5 مقاعد، ثم التحالف المدعوم من الصدر الذي حصل على 4 مقاعد.
وتمثل البصرة ثقلا سياسيا رمزيا في الأوساط الشيعية، واعتادت أن توفر دعما مهما للمرشح إلى منصب رئيس الوزراء بغض النظر عن اسمه.
وفي معظم محافظات الوسط والجنوب، التي يغلب الشيعة على سكانها، تنافست قوائم النصر وسائرون والفتح بقوة، وتبادلت السيطرة على المراكز الثلاثة الأولى. لكن مقاعد العبادي في المناطق السنية رجحت كفته، إذ قد تبلغ 10 مقاعد، وفقا لنتائج أولية.
ويقول مراقبون للشأن العراقي إن أبرز نتائج هذه الانتخابات تتمثل في الهزيمة الساحقة التي مني بها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي راوح بين المركز الرابع والخامس في معظم الدوائر الشيعية. وفي الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2014، حقق المالكي انتصارا ساحقا، بحصوله على 92 مقعدا نيابيا، لكنه خسر منصب رئيس الوزراء لصالح حيدر العبادي. ووفقا للنتائج غير الرسمية فإن ائتلاف دولة القانون خسر في 2018 نحو 75 بالمئة من مقاعده التي حققها في 2014.
ولم تخل الانتخابات من اعتراضات كبيرة قادت إلى إطلاق مطالب تراوحت بين العودة إلى العد اليدوي، بدلا من الإلكتروني المعتمد حاليا، وإلغاء النتائج كليا، وتشكيل حكومة تصريف أعمال لتحديد موعد جديد للانتخابات.
وأثار تسريب نتائج أولية حققها حزب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في معاقله بمدينتي كركوك والسليمانية، جدلا واسعا في الأوساط الكردية. وبدا أن الاتحاد الوطني الكردستاني يتجه إلى تحقيق انتصار كبير في معاقله بكركوك والسليمانية على قوائم كردية منافسة.
وطالبت 5 أحزاب كردية بالعودة إلى العدّ اليدوي، مؤكدة أن حزب الطالباني زوّر النتائج في كركوك والسليمانية. وتقول المفوضية العليا للانتخابات إنها ستحقق في هذه الادعاءات.
وبالرغم من تحقيقه نتائج مهمة في بغداد و4 محافظات سنية، طالب تحالف الوطنية الذي يقوده إياد علاوي بـ”إعادة إجراء الانتخابات مع إبقاء الحكومة الحالية لتصريف الأعمال، إلى حين توفير الظروف الملائمة لإجراء انتخابات تعبر عن تطلعات شعبنا الكريم”. وعلل طلبه هذا بـ”عزوف الشعب العراقي الكريم عن المشاركة في الانتخابات بشكل واسع، وانتشار أعمال العنف والتزوير والتضليل وشراء الأصوات واستغلال ظروف النازحين والمهجرين”، بالإضافة إلى “ضبابية الإجراءات التي اتخذتها مفوضية الانتخابات في التصويت الإلكتروني بعد أن اعتاد المواطن على إجراءات مختلفة في كل الانتخابات السابقة”.
وقال المحلل السياسي العراقي لـ”العرب”، إن “النتائج الأولية للانتخابات لا تؤكد هزيمة المالكي وحده فإياد علاوي هو الآخر سيلفّه النسيان. الرجلان اللذان تنافسا عام 2010 على منصب رئاسة الوزراء بعد أن حازت كتلتاهما على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب فشلا في اجتياز الاختبار هذه المرة”.
وأضاف “هذه إشارة إلى تغيير مهم قد يطرأ على المشهد السياسي العراقي، لولا ذلك الملحق المتمثل بقائمة الفتح المدعومة إيرانيا. ولو لم تذهب أصوات الناخبين المقيمين في إيران إلى تلك القائمة لأمكننا التفاؤل بوقوع ذلك التغيير في وقت قياسي”.
وقبل أن تعلن مفوضية الانتخابات رسميا نسبة المشاركة في الاقتراع، تضاربت التقديرات بشأنها من قبل المراقبين ووسائل الإعلام المحلية. ولم يتوقع أفضل المتفائلين أن تتجاوز نسبة المشاركة 35 بالمئة. لكن إعلان المفوضية أن النسبة قاربت 45 بالمئة شكل مفاجأة للمراقبين، الذين ألمحوا إلى إمكانية وجود تلاعب من قبل المفوضية.
وتداول نشطاء معلومات غير موثقة عن ذهاب المفوضية نحو رفع نسبة المشاركة، وتوزيع الفارق المضاف إلى نسبة المشاركة الحقيقية، على الأحزاب الكبيرة، وهو ما يفسر سبب تأخر الإعلان عن النتائج، بالرغم من اعتماد نظام العد الإلكتروني، الذي سبق أن أعلنت المفوضية أنه سيوفر الأرقام الأولية خلال ساعات.
ووفقا لهذه النتائج الأولية، لن تتمكن أي قائمة من التقدم بمرشح لمنصب رئيس الوزراء بمفردها، بل عليها البحث عن حلفاء تحت قبة البرلمان لتشكيل الكتلة الأكبر.
ويسمح القانون العراقي للكتل الفائزة بالتباحث من أجل التحالف قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، إذ ستشهد الإعلان عن الكتلة الأكبر، التي يحق لها تسمية المرشح لمنصب رئيس الوزراء.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، فإن القائمتين الفائزتين، وهما النصر بزعامة العبادي وسائرون المدعومة من الصدر، هما الأقرب للتحالف في الوسط الشيعي، لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، فيما يرجح التحاق كتل سنية وكردية عديدة بهما.
العرب