لم توجه إيران أي ضربات عسكرية لإسرائيل.. نعم، إسرائيل لم تتعرّض لأي عمل عسكري إيراني. الصواريخ الإيرانية استهدفت الجولان، وهي أرض سورية محتلة. ولم تقم طهران بأي عمل عدائي ضد بقعةٍ يقطنها إسرائيليون. يلخص هذا المشهد حدود التصعيد وحقيقة المناوشات العسكرية المتبادلة بين طهران وتل أبيب.
الموقف الإسرائيلي من تدخل طهران في الأزمة السورية: منذ بداية الأزمة في سورية، التزمت إسرائيل موقف المراقب الصامت. وعلى الرغم مما يبدو من عداء ظاهري بين تل أبيب ودمشق، إلا أن الأخيرة تابعت بهدوء، وبلا أي قلق، صمود نظام بشار الأسد أمام المعارضة، ثم تقدمه الميداني الكبير على خلفية التدخل الروسي الذي قلب الموازين على الأرض.
ولم تكسر إسرائيل هذا الصمت، أو بالأحرى ذلك الرضا عن التطورات السورية، إلا في حالات استثنائية، فضربت قوافل أو مخازن أسلحة موجهة إلى حزب الله اللبناني، أي عندما استشعرت تهديداً محتملاً. ما يعني، بالمنطق العكسي، أن كل ما جرى ويجري على الأرض السورية لا يمثل خطراً بالنسبة لإسرائيل. بما في ذلك الوجود الإيراني، واستعادة بشار الأسد النفوذ والسيطرة على مناطق كثيرة.
منذ قيام الثورة الإيرانية، لم تنقطع العلاقات الإيرانية الإسرائيلية طوال العقود الأربعة الماضية. وكانت دائماً علاقة وئام وتعاون خفي، يغلفها ظاهرياً عداء وتهديد. ففي حين كانت طهران ترفع شعار الموت لإسرائيل، كانت تتلقى شحنات الأسلحة الأميركية سراً بإشراف ووساطة إسرائيلية، فيما عرف لاحقاً باسم فضيحة “إيران -غيت”. وفي مطلع التسعينيات، لم تكن طهران أو تل أبيب بعيدة عن الترتيبات اللوجستية المرتبطة بحرب الخليج الثانية. وبعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، لم تعترض إسرائيل على النفوذ الإيراني في العراق. وانخرطت هي في تعاون أمني واستخباراتي وثيق مع كردستان العراق، تحت سمع إيران وبصرها. وهكذا استمر الحال خلال السنوات التالية لاحتلال العراق: تفاهم ضمني غير معلن، بالتوازي مع تهديدات ومعارك إعلامية شكلية. لذا، لم يكن مستغرباً التزام تل أبيب الصمت أمام التدخل الإيراني الداعم لبشار الأسد عسكرياً واقتصادياً واستخباراتياً.
أوشك المسار العسكري في الأزمة السورية على الانتهاء. ويسعى كل طرف إلى توسيع نطاق نفوذه الميداني، أو سيطرته على الأرض، تمهيداً لتحويلها إلى مكاسب سياسية على مائدة التفاوض، أو اقتصادية في مسار إعادة الإعمار. فالتحركات العسكرية الأخيرة لم تقتصر على إيران وإسرائيل. فقد سبقتهما تركيا، ثم الولايات المتحدة، منفردة أولاً ثم بمشاركة بريطانية وفرنسية. ولم يهدف أي من تلك التدخلات إلى تغيير الموازين، أو قلب المعادلات العسكرية، فكلها عمليات تحمل رسائل سياسية أكثر مما تحمل من القنابل والصواريخ، وهو ما ينطبق بدوره على المناوشات المتبادلة بين طهران وتل أبيب.
وفي حالة إيران وإسرائيل تحديداً، تتضمن الرسالة الإسرائيلية الواضحة والعلنية ضرورة تحجيم نفوذ طهران، ومنعها من التغلغل في الواقع الجيواستراتيجي السوري وتجاوز الحدود المسموح بها. أي ضمان حصر الدور الإيراني باتجاه الأعداء المشتركين (الفصائل الإسلامية المسلحة). بينما قصفت إيران الجولان لاختبار رد الفعل الإسرائيلي، وقياس المدى الذي يمكن لواشنطن الذهاب إليه، بعد خروجها من الاتفاق النووي.
في ظل هذه الحسابات، منطقي أن ينتهي ذلك التصعيد المحكوم سريعاً. وأن تؤول التهديدات الكلامية المتبادلة إلى تهدئة فعلية وإعلامية أيضاً. أكدها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بقوله “إن بلاده لا ترحب بتعزيز التوتر في المنطقة”، ليرد عليه وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، مُرحباً “إذا ترجمت هذه الرسالة لسياسة عملية، فسيكون ممكناً القول إن شيئاً جيداً صدر من هناك”.
تتوج هذه التصريحات المتراجعة ما أكدته الشواهد والمعطيات أن ما جرى ليس سوى تشاحن عابر أشبه بعتاب الأصدقاء، أو مناظرة بين شركاء لا أعداء. فقد أخطرت إسرائيل روسيا مسبقاً بنيتها قصف أهداف إيرانية في سورية، وهي تدرك بالطبع أن روسيا ربما تُبلغ بدورها طهران. وفي المقابل، لم تجد إيران في القصف الإسرائيلي ما يستحق رداً عسكرياً حقيقياً. وإلا لما التزم حزب الله اللبناني صمت القبور كأن الأمر كله لا يستحق التدخل، بل ولا التعليق عليه.