اسرائيل لن تقبل الوفاق بين الولايات المتحدة وإيران

اسرائيل لن تقبل الوفاق بين الولايات المتحدة وإيران

مم

مما لاشك فيه ان اسرائيل لن تقبل بالاتفاق بين مجموعة 5+1 و إيران، الذي يسمح لطهران بالحفاظ على دورة وقود نووي كاملة، وليس بالامكان التسليم بان نظام الرصد يمكن أن يحدد زمن الانتهاكات الإيرانية. او أن الولايات المتحدة ستعمل بهمة عالية إذا تم تحديد خرق ايراني للاتفاق. وليس بمقدر اسرائيل  التأكد حقاً من ان العالم سوف يردع إيران عن طريق التهديدات الامريكية. ومن شأن هذا الاتفاق ان يكون أسوأ بكثير من أي اتفاق، ويمكن أن يجبر إسرائيل على الاستجابة بشكل مستقل لمطالب ايران.

وظاهرياً، فان السياسة الرسمية الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني واضحة، ولن تسمح لايران بانتاج قنبلة نووية. يقول الرئيس باراك أوباما بهذا الصدد: “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” في إشارة إلى الخيار العسكري أيضا.

وبالاضافة الى ما تقدم يمكن تقديم دليل آخر على جدية الرئيس الامريكي، ووفقا لتقرير نشر في العديد من الصحف الأمريكية، أمر اوباما بتطوير القدرات العسكرية المتنوعة، استعداداً لحال تطلب الامر مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وعلى نحو أبعد مما اعتمدته الإدارة السابقة، لكن الكثير من الناس لا يفهمون المعنى وراء البيان الغامض، “ونحن لن نسمح لايران بتصنيع قنبلة نووية.” ومتى يحدث هذا؟ ومن الذي سيقرر ان ‘هذا’ هو الوقت المناسب للعمل؟ وكيف؟ وماذا تعني عبارة “صنع” ؟

يجيب روبرت اينهورن عن هذه الأسئلة في ورقة شاملة من 56 صفحة نشرت حديثا من قبل معهد بروكينغز حول (منع إيران النووية المسلحة: متطلبات الاتفاق الشامل حول التجارب النووية). ولا يمكن تجاهل هذه الورقة، إذ شغل كاتبها

اينهورن منصب وزير الدولة والمستشار الخاص لمنع الانتشار النووي والحد من التسلح خلال إدارة كلينتون، ويعدّ الان أحد كبار المسؤولين في إدارة أوباما المتخصصين بالشؤون الايرانية، وعلى دراية ومعرفة تامة بها .

 وبالإضافة لتحليل نوايا ايران تجاه الاسلحة النووية ومناقشة القضايا الرئيسة في المفاوضات، حدد اينهورن المتطلبات الرئيسة لاتفاق شامل مقبول ، في رأيه، “من شأنه أن يمنع إيران من امتلاك قدرة الاختراق النووية السريعة ومنع بناء الأسلحة النووية “.

ووفقا لاينهورن، فان جوهر الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+ 1 يمكن أن يكون على النحو التالي: إن إيران تحتفظ بالقدرة على انتاج المواد اللازمة لصنع قنبلة (دورة الوقود الكاملة)، ولذلك فانها من الناحية النظرية ستكون قادرة على انتاج قنبلة إذا قررت أن تفعل ذلك.

ويتطلب الاتفاق من الولايات المتحدة التوصل الى الضوابط الأكثر تطورا والاشد صرامة ومراقبة، والتي تمنع أي اختراق في البرنامج النووي الايراني. وسيجري خفض قدرة إيران بموجب الاتفاق على نحو كبير، مقارنة مع قدرتها الحالية (على سبيل المثال، أقل بكثير من أجهزة الطرد المركزي)، بحيث سيكون للولايات المتحدة ما يكفي من الوقت للرد مع فرض عقوبات صارمة وقوية، إذا لزم الأمرفي لحظة الاختراق .

ومن أجل ثني الإيرانيين من التقدم نحو صنع القنبلة، سوف يكون واضحا لهم بشتى الوسائل أن إيران ستدفع ثمنا باهظا لانتهاكها الاتفاق، وأن الولايات المتحدة سوف تتخذ اجراءات سريعة في حالة حدوث انتهاك لمنع الايرانيين من جني ثمار المخالفة.

ويقترح اينهورن بناء عالم جديد من “الردع” يكون ضد انتاج الاسلحة النووية وليس ضد استخدامها، الامر الذي من شأنه أن يسمح للإيرانيين بالحفاظ على القدرة على إنتاج سلاح نووي، دون تصنيعة. وبالتالي على الغرب واسرائيل أن يتعايشا مع هذه القدرة الإنتاجية الإيرانية، والحقيقة التي لا يمكن تغييرها بحسب ما قال  اينهورن، هي : ان انتهاك الاتفاق سيكون سببا لمعاقبة إيران، وليس بسبب قدرتها على إنتاج سلاح نووي.”

ومن هنا، يجب على إسرائيل معارضة مثل هذا الاتفاق لثلاثة أسباب:

الافتراض بامكانية التوصل الى اتفاق لبناء نظام مراقبة ورصد، لن يسمح للإيرانيين بممارسة الخداع. وسيتم بناء هذا النظام جزئيا على أساس ترتيبات الرصد التي وافق عليها الإيرانيون، لتكون أكثر صرامة مما كانت تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ويستند جزئيا الى جهود الاستخبارات السرية التي كانت في المكان لسنوات عديدة.

ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أنه لا يوجد مثل نظام الرصد هذا، سواء في أماكن أخرى او في إيران ذاتها. ولا توجد وسيلة لضمان أن العالم سوف يكشف غش النظام الايراني؛ إذ اعترف مسؤولون استخباراتيون أميركيون علنا أنه لا يمكن ضمان تحديد وقت الاختراق الإيراني وخطواته لإنتاج سلاح نووي.

نذكر هنا نجاح العراقيين والسوريين والليبيين، وكوريا الشمالية، تماما مثل الإيرانيين، في خداع العالم وإخفاء أجزاء كبيرة من برامجهم النووية لفترات طويلة جداً. والتي فشلت إسرائيل أيضا في كشفها. في كل من هذه الحالات، هناك أسباب محددة عن كيف ولماذا لا يرى الغرب ما يحدث؟ لكن تراكم الحالات وتقييم الوضع يدفعنا الى الاستنتاج أن إيران ستكون قادرة على خداع الغرب حتى بعد توقيع اتفاقية مراقبة، ومن المرجح بدرجة عالية أن تفعل ذلك.

 –الافتراض بأن انتهاك الاتفاق النووي سيتم تحديده، وهنا على الولايات المتحدة الاستجابة فورا، أو ان تبدأ الادارة الامريكية متثاقلة وتركن إلى الحصول على مزيد من التوضيح والتحقق، وتأكيد الانتهاك المزعوم؟ وبعد ذلك، ستتجه  منفردة او مع شركائها في مجموعة 5 + 1 للدخول في مفاوضات مع إيران حول الوضع؟ وذلك تمشياً مع الممارسات الدولية والوصول الى حل وسط، بينما سيكون التقدم بطيئاً وثابتاً على مستوى الجهد النووي الإيراني، اذ من المستحيل تماما وقف برنامج ايران.

ولعل الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية ستستجيب فورا لانتهاك الاتفاق من قبل ايران، دون مفاوضات انما هو خداع للنفس. ولا يمكن أن تقبل إسرائيل تهديداً وجودياً ناجماً عن هذا الوهم، فلدينا خبرة في هذه المسألة واضحة وقاطعة.

و كيف لنا أن نعرف مثل هذا الضعف  في تقرير مجموعة 1+5 للحد من قدرات الإيرانيين في المستقبل؟ فالجميع لا يريدون منع إيران من أن تصبح قوة نووية؟ فقد بدأت المفاوضات مع ايران قبل 15 عاما، ومع مرور الوقت، خفض الأوروبيون، والامريكيون، مطالبهم من إيران.

ويتعذر المفاوضون الغربيون بان إيران لم تصل بعد الى القدرة الكافية لصنع سلاح نووي، مؤكدين “ان إيران لن توافق على شروط أعلى وأكثر صرامة”، وهذا البيان يكشف عن عقلية انهزامية غربية. وبعبارة أخرى، بالنسبة للغرب هذا الاتفاق أكثر أهمية من المحتوى؛ ومن أجل تأمين هذا الاتفاق المنشود، يجدر التنازل أو تخفبف الضغط على إيران. وهكذا، بدلا من العمل على جلب الإيرانيين إلى اتفاق جيد، فان العالم يخفض من سقف مطالبه باستمرار.

لقد فهم الايرانيون هذا الامر، ما حملهم على المماطلة في المفاوضات لأطول فترة ممكنة، مع تكثيف جهودهم للحصول على القنبلة في اقرب وقت ممكن، وحصلوا في السنوات الفائتة على تنازلات كبيرة حتى قبل بدء مناقشات جادة بشأن التوصل إلى اتفاق.

   ووفقا لوزير الخارجية الامريكية جون كيري، فان امام الايرانيين شهرين فقط تبعدهم عن انتاج قنبلة، وهذا هو الواقع والنتيجة النهائية لسنوات من المفاوضات.

المحطة الثالثة تعتمد النهج التصالحي: حيث تستند ايران الى الردع النووي، وافتراض أنها ستدرك مخاطره، وحال تم التعرف الى خرق، فسيكون الرد الامريكي قاسياً وشديداً، وربما يصل إلى استخدام القوة ضد إيران.

هناك تساؤلات عدة تتعلق بهذا الافتراض؛ هل هذا الافتراض صحيح في العالم المعاصر؟ الا يعتقد أحد أن استخدام القوة هو الخيار الممكن للولايات المتحدة؟ ما هي فرص الولايات المتحدة في الحصول على دعم مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد إيران؟ ما هي فرص واشنطن في حال تحركت من دون دعم الأمم المتحدة؟ هل هناك أي سبب للاعتقاد أنه في لحظة الحقيقة ايران لن تخشى حقا عملا عسكريا أميركيا لانتهاكها اتفاقا بطريقة لا يتضمن عملاً حربياً أو انتهاكا لسيادة دولة مجاورة؟

وما إذا كانت الظروف التي ستختارها ايران لانتهاكها الاتفاق ستكون عندما تشارك الولايات المتحدة في أزمة دولية أخرى؟ وفي هذه الحالة، فإن الإدارة لها الحق في تطبيق القوة العسكرية؟

اليوم، يدرك الإيرانيين جيداً ان وقوع عمل عسكري أميركي ضد برنامجهم النووي امر بعيد الوقوع. كما لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن العالم يتعامل مع إيران رغم سيئاتها، فنظامها “ثوري” طائفي يمارس القتل، ويرعى الإرهاب الدولي ويسعى للهيمنة الإقليمية وحتى العالمية، ويقف وراء الذبح في سوريا داعماً لنظام بشار الأسد. وقد اعتمد الخداع واطالة التفاوض بشأن برنامجه النووي؛ وبالتالي لا يمكن الوثوق به وحمله على الالتزام بأي اتفاق مع الغرب.

وبالتالي، فإن حل الأزمة الإيرانية المقترح في ورقة معهد بروكينغز- التي تمثل التيار الرئيسي لتفكير الإدارة الامريكية  غير سليم في أي من الافتراضات التي يمكن استخدامها كأساس جيد للاتفاق؛ اذ لا افتراض لنظام مراقبة يمكن أن يضمن وقت الانتهاكات الإيرانية. ولا افتراض بأن الولايات المتحدة سوف تعمل ناشطة إذا تم تحديد الخرق. ولا صدقية حول افتراض قدرة العالم على ردع إيران عن طريق التهديدات الامريكية.

مقترحات اينهورن لاتفاق مع إيران مهمة بسبب خبرته، لكنها مثيرة للقلق لأنها ربما تمثل التفكير السائد في واشنطن اليوم. وعلى اية حال، فإن هذه المقترحات بعيدة عن تلبية احتياجات إسرائيل بصدد هذه المسألة الوجودية. ومن شأن اتفاق على غرار الخطوط المقترحة في ورقة بروكينغز، ان يكون أسوأ بكثير من عدم وجود اتفاق، ومن غير الصحيح الركون الى التهدئة والسماح باقامة علاقات تجارية كاملة مع إيران.

وفي حال الوصول الى مثل هذا الاتفاق، فالتساؤل الجدير بالطرح هنا ما الذي سيحققه الالتزام الغربي لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي؟ وستضطر إسرائيل إلى استخلاص استنتاجاتها الخاصة.

اللواء (احتياط) يعقوب عميدرور شغل منصب مستشار الأمن القومي لرئيس وزراء إسرائيل ورئيس مجلس الأمن القومي حتى نهاية عام 2013، وكان قائد الكليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، والسكرتير العسكري لوزير الدفاع، ومدير شعبة تحليل الاستخبارات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

http://besacenter.org/perspectives-papers/israel-accept-emerging-according-us-iran/

الميجر جنرال (احتياط) يعقوب عميدرور نشر في 24 نيسان/ أبريل 2014

مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية