أثارت تصريحات أدلى بها مؤخراً وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسىون، موضحا رفض بلاده تغيير نظام الجمهورية الإسلامية، ردود أفعال متفاوتة بين المعارضة وإيرانيين مؤيدين للنظام فقد أجمع معارضون على القول إن هذه التصريحات «محبطة».
وبينما قال جونسون إن تغيير النظام في إيران لن يكون سياسة تنتهجها بريطانيا وإن أي تغيير لا يعني بالضرورة أنه سيكون للأفضل، قال المعارض والباحث الإيراني المقيم في بروكسل سعيد بشير تاش في برنامج حواري على قناة «منوتو» الإيرانية المعارضة التي تبث من لندن «إن تغيير النظام من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ليس مطروحاً على الأجندة لأنه مشروع لا يمكن تحقيقه».
وأدلى جونسون بهذه التصريحات أمام البرلمان الثلاثاء الماضي رداً على سؤال بشأن ما إذا كان يعتقد أن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي يسعى لتغيير النظام في إيران. وقال «ينبغي أن أخبركم أنني لا أعتقد أن تغيير النظام في طهران هو الهدف الذي يجب أن نسعى لتحقيقه».
وأضاف «قد نسعى لتغيير النظام عن قناعة بذلك في مرحلة ما في المستقبل القريب لكن لا يمكنني القول بأي نوع من الاقتناع إنه سيكون تغييرا للأفضل. لأنه يمكنني تصور أن قاسم سليماني قد يضع نفسه في مكانة جيدة جداً ليحل محل آية الله خامنئي على سبيل المثال».
ويعتقد معارض إيراني آخر أن توقيت تصريحات جونسون له صلة بقمة قادة دول الاتحاد الأوروبي في صوفيا لمواجهة قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بالملف النووي الإيراني وانسحاب واشنطن من الاتفاق الدولي مع طهران.
لكن من وجهة نظر طهران فإن موضوع تغيير النظام ليس جديداً إذ يعتقد مسؤولون وأكاديميون أنه دائماً في أجندة كل الإدارات الأمريكية منذ قيام الثورة الإيرانية، إلا أنه يتعرض للانتكاس بسبب «استحالة» تحقيقه!
وفي هذا السياق ترى طهران أن تغيير النظام هو المشروع الحاضر الغائب الذي طالما ذُكر في خطابات الساسة الأمريكيين، وأنه لم يكن غائباً عن واشنطن منذ أربعة عقود حتى الآن سواءً كانت الإدارة بيد الديمقراطيين أم الجمهوريين، أو عبر حلفائهم في المنطقة الذين لم يخفوا رغبتهم في الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، تارةً بشكل علني وأخرى في الاجتماعات السرية.
لكن ما أثار جدلاً حول جدية السعي نحو تغيير النظام في إيران هو النبرة الحادة في تصريحات الأمريكيين منذ تولي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض في العام الماضي، وتشكيله ما سمي «حكومة حرب» والسعي إلى تشكيل تحالف دولي ضد إيران، يوحي كل ذلك أن لدى واشنطن رغبة جامحة أن يجري تغيير النظام في إيران من الداخل، مع العمل على إضعافه بواسطة العقوبات وتثبيت حلفاء واشنطن في المنطقة (السعودية والعراق تحديداً) بدل العمل العسكري من الخارج.
وبدا هذا الهدف واضحاً منذ البداية عندما أعلن ترامب في أغلب خطاباته دعمه للمحتجين الإيرانيين في المظاهرات التي اندلعت نهاية كانون الثاني/ديسمبر الماضي احتجاجاً على الفساد والتضخم وسوء الأوضاع الاقتصادية، وطالب مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة من أجل مناقشة الطريقة التي اتخذتها الحكومة في إيران لقمع المتظاهرين.
وعقدت جلسة مجلس الأمن بناء على رغبة واشنطن في الوقت الذي ينص قانون الأمم المتحدة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.
وبعد ترامب كان وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون صرح في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ الأمريكي أن إدارة ترامب تدعم عناصر داخل إيران لتغيير النظام السياسي، الأمر الذي دفع بطهران إلى الرد على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف بقوله «على الإدارة الأمريكية دراسة التأريخ قبل العودة إلى نظام تغيير السياسة غير القانوني والوهمي ضد إيران». وكتب ظريف أن «على ساسة أمريكا أن يقلقوا على نظامهم بدلاً من تغيير النظام في إيران، فإيران شهدت مؤخراً مشاركة شعبية بالانتخابات بلغت 75 في المئة».
ولا يستبعد حكوميون في طهران ومنهم وزير الخارجية ظريف أن يستمر الحديث في واشنطن خصوصاً، عن «تغيير النظام» في إيران في إطار سياسة الضغط لتحقيق مكاسب سياسية والحصول على تنازلات من طهران في ملفات عدة متورطة فيها، وهم يَرَوْن أيضاً أن التهويل بالخطر الإيراني يأتي لابتزاز المنطقة، ولذلك طرحوا فكرة إيجاد نظام أمن إقليمي بمشاركة دول المنطقة، لدرء ما يسمونه «الخطر الخارجي». ولَم يمنع هذا الرأي من الحديث في طهران عن وجود رغبة أمريكية «جدية» في تغيير النظام، إذ يقول المتشددون المعترضون على سياسة الرئيس حسن روحاني إن «تقديم تنازلات في الملف النووي، يتبعها تقديم تنازلات في ملف الصواريخ الباليستية» بما يعني أن مسألة تغيير النظام السياسي ستكون في مرحلة لاحقة!
نجاح محمد علي
القدس العربي