في توقيت مفاجئ، أعلن الإعلام الروسي عن لقاء جرى بين الرئيس فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، بمنتجع “سوتشي”، على ضفاف البحر الأسود جنوب غربي روسيا.
المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، وصف المحادثات بين بوتين والأسد، بـ”المعمقة”، مضيفا أن الأخير أبلغ نظيره الروسي بأن الوضع في سوريا يتجه بشكل أكبر نحو الاستقرار، وأن الرئيسين ناقشا الخطوات الثنائية القادمة.
وخلال اللقاء نفسه، قال بوتين: “اتفقنا على خطوات مشتركة في مكافحة الإرهاب”، مضيفا أن قوات الأسد تمكنت من “تحقيق انتصارات هامة، ما وفّر ظروفاً جيدة لإطلاق العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية”.
الرئيس الروسي لفت إلى أنه سينقل رسالة الأسد بشأن الأسد استعداده لتسوية سياسية سلمية بسوريا، إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما شدد بوتين على أن الوضع في سوريا “ملائم لتفعيل العملية السياسية”، معتبرا أن هذه العملية ستساعد في انسحاب “القوات المسلحة الأجنبية” من سوريا.
كما نقل بيان أصدره الكرملين عن بوتين قول الأخير: “مع بداية العملية السياسية في أكثر مراحلها نشاطا، ستنسحب القوات المسلحة الأجنبية من سوريا”.
وربط بوتين العملية السياسية بخروج القوات الأجنبية من سوريا أمر لافت للغاية، ما يجعل من المفيد الوقوف عنده من أكثر من ناحية: من المقصود بـ”القوات الأجنبية”؟ وكيف ستخرج هذه القوات؟ وما هي الآلية لإخراجها في حال رفضها المغادرة؟
المسؤولين الروس يرون أن جميع القوات الموجودة في سوريا -باستثناء قوات بلادهم- غير شرعية، لأنها لم تأت بدعوة من نظام الأسد.
لكن المعلوم هو أن الروس لا يملكون لا الآلية ولا القدرة التي تمكنهم من إخراج القوات الأميركية وحلفائها من سوريا.
في المقابل، يدرك الروس جيدا أن واشنطن وحلفاءها الغربيين -فرنسا وبريطانيا، لن يطيلوا المكوث في سوريا، لأسباب عديدة، منها الضغوط الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
يضاف إلى ذلك التعاون التركي الروسي النشط في الأيام الأخيرة، وخصوصا في إدلب وبقية مناطق الشمال الغربي السوري.
كما أن تركيا هي الطرف الضامن للمعارضة السورية في مسار أستانا، ولذلك، فإنه سيكون من غير المنطقي وغير المعقول أن يطلب بوتين من أنقرة سحب قواتها التي دخلت سوريا بتنسيق سياسي وعسكري تام مع روسيا.
الإيرانيون و”حزب الله” اللبناني، من جهتهم، حاولوا نفي التهمة بأن يكونوا هم المقصودين بكلام بوتين حول القوات الأجنبية، لكن المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية في سوريا، ألكسندر لافرينتيف، أوضح أن تصريح بوتين يشمل جميع القوات الموجودة في سوريا، بما فيها حزب الله والقوات الإيرانية.
وعموما، فإن قراءة ما بين سطور تصريحات القادة الروس، توضح جليا أن القوات الإيرانية وتوابعها، هي القوات الأجنبية الوحيدة المشار إليها في تصريحات الرئيس الروسي بوتين.
تأكيد يستند إلى أن توجهات الإدارة الأميركية الحالية، والتي يقودها أشخاص معروفون بمواقفهم المتشددة تجاه لإيران، حيث يأتي الرئيس ترامب ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي، في طليعة المناوئين لطهران.
كما أن توقيت الاستدعاء الروسي لبشار الأسد، عقب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وتركيز بوتين على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية للأراضي السورية للبدء بالعملية السياسية، لا يمكن تفسيره سوى بـ”صفقة مقايضة إيران” من طرف الروس للأميركيين.
وكما هو معلوم، فإن ترامب رجل الأعمال، تروق له مثل هذه الصفقات الكبيرة، خصوصا وأن العرض ينسجم مع رغبة دول الخليج العربي بتقليص النفوذ الإيراني، وبما يتم الحديث عنه من صفقة خليجية مع ترامب لتحجيم إيران، وإضعاف نفوذها في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وفي سوريا واليمن على وجه الخصوص.
إرهاصات المقايضة أو الصفقة الكبرى، تجلت في امتناع موسكو عن تزويد نظام دمشق بمنظومة صواريخ “أس- 300″، والتي كانت قد تعهدت بمنحها له، خشية أن يستخدمها الإيرانيون، إضافة إلى عدم تحريك أي ساكن تجاه الضربات الإسرائيلية المتكررة للمواقع والأهداف الإيرانية في سوريا.
ورغم تعرض القوات الإيرانية المنتشرة على مساحات واسعة في سوريا، لضربات إسرائيلية صاعقة ومدمرة، فإن بقاء القوات الروسية على الحياد، رغم علمها المسبق بالضربات، أمر مثير للانتباه، إذ أن سكوت حليف عن استهداف حليفه أمر غير معهود.
وبالتأكيد، لا يمكن نسيان المصالح الاقتصادية والعسكرية، والتعاون الاستراتيجي عالي المستوى الذي يربط روسيا بإيران. فما هي الصفقة التي يطلبها بوتين ثمنا لتخلي موسكو عن طهران في هذا الظرف العصيب؟
سبق لبوتين أن عرض رأس بشار الأسد للبيع، لكن الطرف الأميركي لم يبد اهتماما بالعرض الروسي في ذلك الحين.
اللقاءات بين بوتين والأسد، تتم عادة على شكل استدعاء للأسد من طرف الروس، والاستدعاء -كما هو معروف- يكون من المقام الأعلى للمقام الأدنى، ومن الرئيس لمرؤوسه، بل كثيرا ما يبالغ الروس في الحط من قيمة بشار الأسد، إذ يتعمدون إظهاره وحيداً، دون وفد ولا مرافقين، سوى المترجم الذي يكتب محضر اللقاء !.
اللقاء الأخير حضره إلى جانب بوتين، وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو.
كما أن حديث بوتين خلال لقائه الأسد، عن النصر العسكري، وضرورة تحويله (تجييره) إلى ثمن سياسي، وتأكيده على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية للأراضي السورية بحجة انتفاء الحاجة لوجودها، ما هو إلا صفقة يعرضها بوتين على الأميركان والأوربيين.
بوتين يقول إن النصر في سوريا قد تحقق، ولم تعد هناك حاجة للوجود الإيراني، وذلك من منطلق علمه بأن الطرف الوحيد الذي سيعارض الحل السياسي في سوريا هو إيران.
وصفقة المقايضة التي يعرضها بوتين على إدارة ترامب، تشمل نظاما جديدا في سوريا، ينتهي من خلاله حكم عائلة الأسد، ويتم ترحيل مليشيا نصر الله وقاسم سليماني. صفقة يتخلى من خلالها الروس عن حليفهم الاستراتيجي الإيراني، مقابل ضمان مصالح روسيا الحيوية في سوريا وربما في أماكن أخرى أيضا.
العرض الروسي لافت من حيث التوقيت أيضاً، فقد جاء بينما يستعد بوتين لاستقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الجمعة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع المقبل.
نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، يورى شفيتكين، قال إن لقاء بوتين والأسد، له أهمية رئيسية لجميع دول الشرق الأوسط ولمن لهم مصالح في هذه المنطقة.
رسالة المسؤولين الروس وفي مقدمتهم بوتين، واضحة في عرض صفقة للحل في سوريا، تبدأ بإخراج الإيرانيين الذين يشكلون العقبة الرئيسية أمام الحل، ثم التفاهم على صيغة تضمن مصالح جميع الأطراف.
العرب اللندنية