أنهى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي يرعى تحالف سائرون، الذي حقق المرتبة الأولى في الانتخابات العراقية العامة، التي جرت في 12 من الشهر الجاري، سلسلة من المشاورات في العاصمة بغداد، عائدا إلى مقره في الكوفة بمدينة النجف العراقية، حيث من المنتظر أن يعرض حصيلة مشاوراته على المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وفقا لما أعلنه شخصيا.
وقال مراقبون عراقيون إن الصدر يحتمي بالمرجعية في محاولة لقطع الطريق على محاولات إيران لعرقلة تحركاته ولقاءاته مع مختلف الكتل لتشكيل الحكومة.
وكان الصدر اتخذ من منزل في منطقة الكاظمية ببغداد مقرا مؤقتا له، استقبل فيه أهم الزعماء والساسة العراقيين طيلة 3 أيام، يتقدمهم رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يتزعم تحالف “النصر”، وهادي العامري زعيم تحالف “الفتح” المدعوم من إيران، وإياد علاوي زعيم القائمة الوطنية، وأسامة النجيفي زعيم تحالف القرار، فضلا عن ثلاثة وفود تمثل القوى الكردية الرئيسية.
ويوصف الصدر، بعد فوز قائمته، بأنه قبلة الساسة ومحور تشكيل الحكومة المقبلة في ظل رغبة إيرانية قوية في عزله.
ولدى عودته من بغداد إلى النجف أعلن الصدر أنه سيواصل مشاوراته مع “المرجعية العليا والعشائر العراقية الأبية والطبقات الاجتماعية الكبيرة”، في إشارة واضحة إلى عزمه على أن يكون -على حد تعبير سياسي بارز في بغداد- “قرار تشكيل الحكومة عراقيا، تحميه مراكز الثقل الأساسية في المجتمع العراقي لمواجهة الضغوط الإيرانية المتزايدة”، وأبلغ هذا السياسي “العرب”، مفضلا عدم كشف اسمه لحساسية المعلومات التي يدلي بها، بأن “وجود الصدر في بغداد خلال الأيام القليلة الماضية شكل تحديا لنفوذ الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الإيراني، الذي يصول ويجول في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية منذ أيام، ويعقد الاجتماعات على أمل حشد أغلبية في البرلمان القادم تبطل فوز قائمة الصدر في الانتخابات”.
وقال الصدر في بيان له “اليوم أكملت لكم الصورة وأتممت لكم اللمسات الأخيرة بعد أن أكملت المشورة ورضيت لكم الحكومة، والتي ستكون لا سنية ولا شيعية ولا عربية ولا كردية ولا قومية ولا طائفية، بل حكومة عراقية أصيلة ومعارضة بناءة أبية سياسية سلمية”.
ويعتقد مراقبون بأن الصدر يسعى لتحصين تفوقه على الإيرانيين في سباق تشكيل الحكومة، بثقل المرجعية الدينية والعشائر العراقية، التي لن تتردد في الوقوف إلى جانب الصدر في حال تحوّل سجاله السياسي مع الإيرانيين إلى مواجهة.
ويرى مراقب عراقي أنه إذا نجح الصدر في تأليف حكومة بمقاييس الكفاءة والوطنية فإن ذلك يعني وقوع انقلاب على العملية السياسية من خارج المنطقة الخضراء. وهو ما يتطلب نوعا من الحماية يمكن أن يوفرها غطاء المرجعية.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “إن ذهاب الصدر للمرجعية قد يساعد في قطع الطريق على وجوه الكتل المحسوبة على إيران والتي قد تلجأ إلى المرجعية مسوغة سلوكها النفعي بالدفاع عن المذهب ومشروع الدولة الدينية في مواجهة ما يعرضه الصدر من مشروع الدولة العابرة للطوائف وهو ما يعني تأليف حكومة مدنية تخفف من غلواء التنافس الطائفي على المناصب وتنهي ولو نسبيا هيمنة مبدأ المحاصصة”.
وسبق لمرجعية السيستاني أن تدخلت العام 2014، لتضع حدا لطموحات المالكي في ولاية ثالثة، داعمة خيار تولي العبادي مسؤولية الحكومة.
وبعد كسبه عمار الحكيم والعبادي والنجيفي وجانبا واسعا من القوى الكردية، يبدو الصدر قريبا من اجتذاب زعيم منظمة بدر هادي العامري إلى صفه، في ظل تسريبات غير مؤكدة عن نية الأخير مغادرة تحالف الفتح والالتحاق بركب الكتلة التي يشكلها الصدر.
وتقول مصادر إنه “في حال شكل الصدر الحكومة الجديدة، فإن منظمة بدر لن تجد وسيلة للحفاظ على حقيبة الداخلية التي تتولاها في حكومة العبادي إلا بالخروج من الفتح والالتحاق بتحالف سائرون”. ولكن المساعي الإيرانية لم تتوقف برغم تقدم مشاورات الصدر مع عدد كبير من الشركاء المحتملين.
وتقول المصادر إن طهران تشجع تقاربا سريعا بين ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح بزعامة العامري، وتحالف الوطنية بزعامة علاوي، من أجل ضمان تأييد أطراف سنية وكردية لا يمكن أن تدعم حكومة يشكلها المالكي أو العامري.
وتحاول قائمة الصدر أن تبدو متوازنة في مواجهة الضغط الإيراني المستمر لعزلها عن مسار تشكيل الحكومة.
ويقول الأمين العام لتحالف سائرون حسن العاقولي إنه “لا توجد مشكلات بين سائرون وإيران ونؤمن بمبدأ الحوار وحسن الجوار معها وهناك علاقات طيبة تربطنا بالجمهورية الإسلامية”.
وفيما يشدد المراقب العراقي على أنه وفي ظل غياب قدرة إيران على أن تمارس ضغوطا على الصدر بالتزامن مع الإعلان عن وجود إشارات أميركية مرحبة ببروز الصدر قوة سياسية تتصدر المشهد السياسي العراقي، فإن مرجعية النجف لن تشكل عقبة في طريق رجل الدين الشاب وبالأخص ما بدا واضحا من تطابق طروحات الطرفين في ما يتعلق بمحاربة الفساد والفاسدين وعدم الخضوع لإملاءات أي طرف خارجي بما يحقق استقلال القرار السياسي العراقي.
ويخلص إلى التأكيد على أن رعاية السيستاني للانقلاب الناعم الذي يتزعمه الصدر ستحدد كيفية التعامل مع مسألة الحد من نفوذ ساكني المنطقة الخضراء بما يمكن أن يقود إلى إنهاء دور الدولة الخفية التي يحرك المالكي خيوطها، وهو الهدف الذي لم يصل إليه العبادي في سنوات حكمه الأربع.
العرب اللندنية