صراع الأجنحة يشتد داخل الحزب الحاكم في الجزائر

صراع الأجنحة يشتد داخل الحزب الحاكم في الجزائر

الجزائر – انعكس الغموض الذي يسيطر على مستقبل الرئاسة الجزائرية في ضوء الوضع الصحي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الوضع الذي يعيشه الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، الذي يشهد صراعا كبيرا بين مختلف الأجنحة وخاصة بين فريقي الأمين العام الحالي جمال ولد عباس وسلفه عمار سعداني، وهو ما ظهر جليا في إقالة 15 قياديا في أعلى هيكل بالحزب.

ووصف مراقبون الخطوة التي أقدم عليها الأمين العام للحزب الحاكم في الجزائر جمال ولد عباس، القاضية بتنحية نحو ثلاثة أرباع أعضاء هيئة المكتب السياسي للحزب بـ”المجازفة” التي قد تضمن للرجل السيطرة على الحزب لغاية المؤتمر القادم، كما يمكن أن تكون بداية سقوط له بسبب ردود الفعل المنتظرة من طرف هؤلاء القيادات، وتوسع دائرة الناقمين عليه.

وذكر مصدر قيادي في الحزب ونائب برلماني سابق، رفض الكشف عن هويته لـ”العرب”، أن قرار تنحية ثلاثة أرباع المكتب السياسي، كان منتظرا منذ مدة، خاصة بعد توتر العلاقة بين الطرفين، على اعتبار أن المكتب المذكور هو من إفرازات المؤتمر الأخير للحزب الذي زكى عمار سعداني أمينا عاما له، وأن ولد عباس، الذي قفزت به التطورات الداخلية إلى الأمانة العامة، ظل يتحين الفرصة للإطاحة بكل من يمكن أن يزعجه داخل الحزب.

وأضاف المصدر أن “الأمين العام الحالي الطامح للاستمرار في قيادة الحزب إلى غاية المؤتمر القادم في 2022، يريد الاستفادة من الوضع السياسي الحالي للبقاء في موقعه، فهو لن يتوانى عن تسخير الحزب لخدمة أغراض السلطة بما فيها الاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد عام، أي مساندة ولاية جديدة لبوتفليقة مقابل البقاء في منصبه”.

وتتشكل هيئة المكتب السياسي من 19 عضوا يتم اختيارهم خلال المؤتمر. وتعتبر التغييرات التي أجراها ولد عباس، غير مسبوقة في مسار مؤسسات الحزب خارج نتائج المؤتمرات، حيث أطاح بـ15 عضوا من بين 19.

وكان الرجل الذي خلف الأمين العام السابق عمار سعداني في أكتوبر 2016، قد حاول استقطاب الأجنحة المعارضة لتوجهات الحزب والسياسات التي تبناها تجاه التورط في صراع الرئاسة وجهاز الاستخبارات منذ العام 2013، وذلك عبر تقريب بعض الوجوه لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية الماضية، لا سيما بالنسبة للحليف في الموالاة والغريم في الطموحات حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى.

ويرى متابعون لشؤون أقوى الأحزاب في الجزائر، وصاحب الأغلبية في المؤسسات المنتخبة (البرلمانية والمحلية)، أن “رسائل عباس لخصومه في المكتب السياسي بدأت مع مبادرته بتشكيل هيئة الخبراء والمستشارين، لتضطلع بمهمة إعداد ووضع سياسات واستراتجيات الحزب المستقبلية، تحسبا لخوض مختلف الاستحقاقات السياسية والانتخابية”.

وكان ولد عباس، قد قام بعد تعيينه خلفا لعمار سعداني، بتشكيل لجنة الخبراء والمستشارين، وتضم عددا من الوزراء والكوادر والأكاديميين، بدعوى إثراء برنامج الحزب، لكن الخطوة انطوت على رغبة في سحب البساط من تحت أعضاء المكتب السياسي، الذين يحسبون كموالين لسلفه سعداني.

ويناور ولد عباس بالتأجيل المتكرر لدورة اللجنة المركزية للحزب، وهي المؤسسة الحزبية المسؤولة بين مؤتمرين، من أجل تجنب الصدام مع خصومه وتلافي أي سيناريو قد يؤدي إلى الإطاحة به من على رأس الحزب، حيث تمكن من تأجيل الموعد لثلاث مرات متتالية منذ خلافته لسعداني في 2016، وستمكنه إعادة تشكيل هيئة المكتب السياسي، من تسويق موقعه القوي لدى دوائر القرار، لدى مؤسسات وأجنحة الحزب وكوادره.

ولم يتردد الأمين العام الحالي للحزب الحاكم، في الاستقواء على خصومه ومنافسيه في الحزب، بزعم القرب من مؤسسة الرئاسة، وبالاستناد في قراراته الحزبية إلى توجيهات بوتفليقة، بوصفه المسؤول الأول عن الحزب، وهي الرسائل التي استند عليها بقوة في التصريحات التي أدلى بها على هامش الكشف عن التركيبة الجديدة للمكتب السياسي للحزب.

وقال للصحافيين إن “التغييرات التي طرأت على المكتب السياسي للحزب، جاءت بموافقة السلطات العليا للبلاد، تنفيذا لشعار التجديد والتشبيب، وإن المكتب السياسي الجديد حافظ على أربعة أعضاء من المكتب السابق، وعلى التوازنات الجهوية، وعلى الثقل السياسي والنضالي داخل الحزب”.

ومن أجل احتواء غضب الأعضاء المقالين، وإمكانية التصرف بما يعكر سيطرته على قيادة الحزب، دعا ولد عباس القياديين الذين تم إنهاء مهامهم إلى “عدم الغضب والتسرع، لأن التغييرات الحاصلة كانت متوقعة وهذه هي سنة الحياة، خاصة وأن هناك من كان وزيرا وأصبح رئيس مكتب سياسي. وهنالك من كان محافظا فأصبح وزيرا.. المسؤولية لا تدوم”.

وتلقى جناح الأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم التغييرات التي أجراها ولد عباس على المكتب السياسي باستغراب شديد، لا سيما في ما يتعلق بما أسماه ببعض الأسماء التي وصفها بـ”المشبوهة والضالعة في الفساد السياسي والإداري”، وحث على وقف ما أسماه بـ”مجازر ولد عباس في حق جبهة التحرير الوطني”.

العرب