شذى خليل*
على الرغم من الاضطرابات العنيفة التي شهدها الوضع التركي بعد محاولة الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان، في سنة 2016، تردى الوضع الاقتصادي فيها ، إلا أن الحكومة التركية استطاعت تدارك الأمر سريعا، لتُحقق نموا اقتصاديا كبيرا في العام نفسه.
حيث نشرت صحيفة “دير شبيغل” ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن الحكومة استقطبت العديد من الاستثمارات الأجنبية، التي وفرت المليارات لخزينة الدولة، لكن بقيت مشكلة البطالة تؤرق الحكومة التركية، وشهدت تركيا نموا سكانيا ملحوظا، بسبب ارتفاع معدلات الولادة ، وانخفاض معدل الوفيات ، لذا بقي معدل البطالة في حدود 10 بالمئة، ولم ينخفض، على الرغم من الطفرة الاقتصادية التي حققتها البلاد
وذكرت الصحيفة أن الليرة التركية فقدت 4% امام اليورو، وخلال 12 شهرا فقدت الليرة 30%، مع العلم أن قيمتها ارتفعت بشكل ملحوظ في غضون السنوات العشر الماضية، ويعزى ذلك إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي قامت بها حكومة أردوغان، الأمر الذي نتج عنه دعم شعبي كبير لحزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل خطته الاقتصادية الناجحة .
واثنى ممثلو القطاع الاقتصادي داخل تركيا وخارجها على سياستها الاقتصادية، التي تدعم بشكل واضح ثقافة إنعاش التجارة، وأكدت الصحيفة أن الاقتصاد التركي حافظ على ازدهاره، على الرغم من تعرضه لعدة هزات قوية، خاصة إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 2008-2009، ، ويعود هذا للخطط الناجحة لحزب العدالة والتنمية في الحد من معدلات التضخم الهائلة، التي بلغت 80%.
وأوضحت الصحيفة أن تركيا استفادت بشكل كبير من تحولها الديموغرافي، حيث تضاعف عدد السكان ثلاث مرات، ليبلغ 80 مليون نسمة، مقابل 28 مليون نسمة سنة 1960. وفي الأثناء، ازداد التعداد السكاني منذ سنة 2002، حوالي 14 مليون نسمة. نتيجة لذلك، ارتفعت نسبة اليد العاملة في البلاد وعدد المستهلكين في السوق التركية.
وبما ان النمو الاقتصادي السريع في تركيا يقابله زيادة سكانية كبيرة، وعلى الرغم من تأكيدات الخبراء بأن تركيا نجحت بشكل كبير في توفير ملايين فرص العمل، إلا أن معدلات البطالة بقيت على حالها. وأدت العلاقة الطردية بين زيادة السكان والنمو الاقتصادي إلى ثبات نصيب الفرد من الناتج القومي.
واكد الخبير الاقتصادي الأمريكي من أصل تركي، دارون عاصم أوغلو، ان هناك عاملا مهما تسبب في الانتعاش الاقتصادي ، وهو وجود مؤسسات تتبع سياسة اقتصادية مستقلة، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي فرضها صندوق النقد الدولي على تركيا بعد إحدى الأزمات الخانقة .
وفي سياق متصل، طالب عاصم أوغلو بإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على قطاع البنوك والاتصالات والطاقة، مؤكدا أن الإصلاح الحقيقي انطلق مع تحقق استقلالية البنك المركزي منذ سنة 2001
وأفادت الصحيفة بأن العديد من المؤسسات الاقتصادية كانت خاضعة تحت وطأة النفوذ السياسي في الماضي. فعلى سبيل المثال، لم يتخذ البنك المركزي أي إجراءات تجاه معدل التضخم، الذي زاد على 12 %.
و لن يوقف رفع سعر الفائدة ارتفاع الأسعار فحسب، وإنما سيزيد من معدلات النمو، الذي سيضمن بدوره إعادة انتخاب أردوغان في سنة 2019.
وكانت توقعات صندوق النقد الدولي الخاصة بنمو الاقتصاد التركي ؛ التي صدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وضعت سقفا للنمو عند حد 5.2%، لكن معدل النمو تجاوز تلك التوقعات اذ جاء في المرتبة الأولى من بين مجموعة العشرين، بمعدل نمو 7.4% مع نهاية 2017، وبلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي لتركيا في التاريخ نفسه 776 مليار دولار، وفيما يتعلق بمعدل النمو المرتفع لتركيا، وفي ضوء هذه البيانات الخاصة بارتفاع الناتج في 2017 عما كان عليه في 2016، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي بتركيا بنهاية 2017 ليصل إلى 9.6 آلاف دولار مقارنة بـ8.1 آلاف دولار في 2016.
وحققت السياحة التركية عوائد إيجابية بنهاية 2017 اذ بلغت 26.2 مليار دولار، وبنسبة زيادة 18.9% عما تحقق في 2016، وتميز عام 2017 سياحيا بعدم وجود تفجيرات أو اعتداءات داخل إسطنبول أو غيرها من المدن، كما كان من قبل.
وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة فقد بلغت 7.4 مليارات دولار بنهاية 2017، مقارنة بـ12.3 مليار دولار في 2016.
وشهدت الصادرات السلعية تطورا إيجابيا على مدار الفترة الماضية، اذ استفادت من خفض قيمة العملة التركية بزيادة الصادرات نظرا لما تتمتع به تركيا من قاعدة إنتاجية مرنة تمكنت من زيادة إنتاجها لتواكب الطلب المرتفع بسبب انخفاض قيمة العملة.
وتشير بيانات معهد الإحصاء التركي إلى أن أداء الصادرات السلعية التركية في فبراير/شباط 2018 بلغ 13.1 مليار دولار، ما يمثل زيادة بنسبة 9% مقارنة بأداء الصادرات السلعية في فبراير/شباط 2017، حيث كانت قيمة الصادرات 12 مليار دولار.
وبعد قرار اوردغان اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في البلاد يوم 24 يونيو/ حزيران 2018 بدلا من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 سادت حالة من التفاؤل في الأوساط الاقتصادية التركية، اذ اكد محللون اقتصاديون ان تبكير قرار الانتخابات في تركيا خطوة ايجابية للاقتصاد التركي، لتساعده على تجاوز الكثير من التحديات التي تواجهه بسبب ضبابية المشهد السياسي.
وجاء قرار اوردغان بعد اجتماع مع زعيم حزب الحركة القومية المعارض دولت بهجلي، على خلفية طلب الأخير إجراء انتخابات مبكرة في الـ 26 أغسطس/آب المقبل، الموافق لذكرى معركة ملاذكرد عام 1071، التي دحر فيها الأتراك السلجوق قوات الإمبراطورية البيزنطية وأسروا الإمبراطور رومانوس الرابع، لتلقين أعداء تركيا درسا، بحسب تعبير بهجلي.
ويتوقع بعض المحللين الاقتصاديين ، ان شهد الاقتصاد التركي المزيد من الاستقرار وإزالة أي شكوك في تنفيذ رؤيته لتركيا 2023، وذلك بناء على توقع فوزحزب العدالة والتنمية الانتخابات في البرلمان والرئاسة.
وبالتالي ستكون التحديات القائمة متمثلة بمشكلات الهبوط بمعدلات البطالة والتضخم لما دون الـ10%، وتحسين موقف العملة التركية تجاه العملات الأجنبية، وإن كان انخفاض قيمة العملة الآن مواكبا لاتجاهات الصراع الأميركي الصيني على الصعيد الاقتصادي، والتلويح بدخول العملات في أدوات الصراع.
وقد يؤدي تمكين العدالة والتنمية من الفوز إلى تبني سياسة نقدية تجاه سعر الصرف “بسعر توازني لا يقل عن 3.5 ليرات للدولار”، وبما لا يتجاوز 3.65، وهو السعر الذي ظل مستقرا خلال عام 2017.
وترجع انخفاضات العملة التركية الى عوامل سياسية، كدخول تركيا في حرب مباشرة في كل من سوريا والعراق، لحماية حدودها من جماعات العنف، ومشاريع بعض القوى الخارجية الساعية لوجود دولة كردية على الحدود التركية، كورقة ضغط على الدولة التركية، وتغير خريطة القوى الإقليمية بالمنطقة.
ومن النتائج المتوقعة أيضا استمرار سياسة العدالة والتنمية تجاه ثروات التنظيم الموازي، والكشف عن المال السياسي سواء من الداخل أو الخارج، والذي يمارس بعض الأدوار في الخفاء لمناهضة مشروع العدالة والتنمية.
وتعهد اوردغان بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة المقررة في 24 يونيو المقبل :
– بخفض أسعار الفائدة والتضخم وعجز ميزان المعاملات الجارية، وخفض تكلفة الاقتراض لتحفيز نمو القروض ودعم الاقتصاد التركي.
– خفض معدلات التضخم وأسعار الفائدة وعجز ميزان المعاملات الجارية ، وسيصبح الاقتصاد التركي أكثر قدرة على مواجه الصدمات الخارجية والهجمات المالية، وستزيد جاذبية تركيا للاستثمار.
وأوضحت بيانات أن التضخم في تركيا ارتفع إلى نحو 11 % في أبريل للعام الحالي ، بينما بلغ عجز ميزان المعاملات الجارية 4.152 مليار دولار في فبراير، ويرى محللون ان رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الأساسي في شهر ابريل – 2018 ، أكثر من المتوقع بمقدار 75 نقطة أساس، يحتاج لبذل مزيد من الجهد لمكافحة التضخم ودعم العملة التركية امام الدولار.
وبين وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، ان اقتصاد البلاد قادر على تخطي توقعات نموه لعام 2018، وانه سجل نموا بـ7.4% خلال العام الحالي ، وبذلك حلّ في المرتبة الأولى (في النمو) بين اقتصادات مجموعة العشرين التي تشكل 85% من الاقتصاد العالمي”.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية