الولايات المتحدة تعود إلى الملف الليبي للحفاظ على مصالحها

الولايات المتحدة تعود إلى الملف الليبي للحفاظ على مصالحها

تونس – لم تنتظر الولايات المتحدة طويلا للرد على المبادرة الفرنسية بشأن ليبيا، لتتحرك في مسعى لاستعادة دورها الريادي في الأزمة الليبية، والحفاظ على مصالحها الآنية والاستراتيجية، عبر توجيه رسائل سياسية بآليات أمنية وعسكرية إلى فرنسا ومن خلفها أوروبا، بما يفتح مزاد المشاريع السياسية التي تستهدف الملف الليبي الذي مازال مفتوحا على مختلف الاحتمالات.

وفي تحرك مفاجئ بدا لافتا في توقيته، الذي يأتي فيما لم يجف بعد حبر المبادرة الفرنسية التي أقلقت إيطاليا، وأربكت حسابات بريطانيا، اختارت واشنطن قائد القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، الجنرال توماس وولدهاوسر، لتوجيه تلك الرسائل من خلال زيارته للعاصمة الليبية، طرابلس.

وعقد الجنرال وولدهاوسر اجتماعا وُصف بالهام مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، بحضور ستيفاني وليامز القائم بأعمال السفارة الأميركية بطرابلس، وعدد من المسؤولين والضباط العسكريين الأميركيين.

وقبل ذلك، اجتمع الوفد الأميركي مع وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية، العميد عبدالسلام عاشور، ورئيس الأركان العامة المكلف، اللواء ركن عبدالرحمن الطويل، وآمر الحرس الرئاسي، اللواء نجمي الناكوع، وآمر المنطقة العسكرية الوسطى، اللواء محمد الحداد، وعدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين.

وتم خلال هذا الاجتماع الأمني التطرق إلى سبل دعم واشنطن لجهود حكومة الوفاق الوطني لتحقيق الأمن والاستقرار، حيث أعربت القيادات العسكرية الليبية عن أملها في أن تساهم الولايات المتحدة في تطوير القدرات الدفاعية للقوات المسلحة الليبية، وتطوير التعاون العسكري ليشمل التدريب وتبادل المعلومات.

ودعت حكومة الوفاق في أعقاب هذه الاجتماعات، إلى “توسيع التعاون” مع واشنطن، ثم أشادت في بيان نشرته في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، بدعم “أفريكوم” للحرس الرئاسي، وحرس السواحل، وأجهزة وزارة الداخلية.

ودعت أيضا إلى “توسيع مجالات التعاون لتشمل الاقتصاد والتنمية”، ما أثار الكثير من التساؤلات حول الاستهدافات السياسية وراء هذا التحرك الأميركي الذي جاء بلباس عسكري، ليأخذ المشهد الليبي في اتجاهات إقليمية ودولية عكست قراءات متباينة لجملة الخيارات القادمة.‏ ‏

ولم يتردد المراقبون في الربط بين هذا التحرك الأميركي، وإعلان باريس حول الملف الليبي، وما صاحبه من قراءات سياسية تفرض التلازم في العلاقة بين الموضوعين، حتى أن البعض ذهب إلى حد وصف التحرك الأميركي بأنه رسالة واضحة المعالم مفادها أنه إذا لم تتمكن أوروبا عبر البوابة الفرنسية من ترتيب الأمر، فإن أميركا ستقوم بدورها في الحفاظ على مصالحها.

ورغم أن أبعاد هذه الرسالة تبقى مع ذلك شديدة الارتباط بحسابات ومعادلات المشهد الليبي، بأبعاده الداخلية المركبة وسياقاته الإقليمية والدولية المعقدة، فإن ثمة من المراقبين من يرى في الزيارة مقدمة لمواجهة سياسية فرنسية-أميركية ستكون لها انعكاسات مباشرة على مجمل الأوضاع في ليبيا.

ولن تتمحور هذه المواجهة حول الخلافات على مراكز النفوذ السياسي في ليبيا، وإنما تتجاوز ذلك إلى صراع حقيقي حول من يسيطر على خيرات ليبيا النفطية، لا سيما في هذه الفترة التي تتجه فيها ليبيا إلى مزيد من التأزم نتيجة غياب أي مخرج للأزمة السياسية التي تعيشها.

ويرى المحلل السياسي الليبي، عزالدين عقيل، أن هذه القراءة تبقى واحدة من جملة الرسائل التي أرادت واشنطن توجيهها إلى مختلف المعنيين بالملف الليبي، ذلك أن أميركا لديها مسارها الخاص بالنسبة إلى ليبيا، وهو الاستحواذ على الحالة الليبية بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وفق خطة مرسومة سلفا.

وقال عقيل لـ”العرب” إن أميركا التي تدرك أن إعلان باريس حول الأزمة الليبية قد لا ينفذ منه شيء، ليست في وارد التسليم لفرنسا وأوروبا عموما بأي دور جوهري في ليبيا، وبالتالي فإن تحركها يأتي في مسعى لإيجاد موطئ قدم لقوات “أفريكوم” في ليبيا، ولضمان مصالحها، خاصة وأنها ترى أنها أنفقت الكثير من الأموال أثناء الحملة لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

وتجد هذه القراءة صدى لها في بيان وزعته السفيرة ستيفاني وليامز في أعقاب تلك الاجتماعات، أشارت فيه إلى أن واشنطن أنفقت 635 مليون دولار لدعم ليبيا بعد إطاحة نظام معمر القذافي.

وأضافت السفيرة في بيانها أنه “خلال العام الماضي، زادت أميركا المساعدات لليبيا لتحسين أمن المطارات والحدود والحفاظ على النظام وإدارة السجون وبناء القدرات الليبية في مجال إزالة الألغام”.

وعلى عكس هذه القراءة التي تحاكي واقع الصراع حول ليبيا بشقيه الإقليمي والدولي، وما يماثله من صراع يحتدم بين الفرقاء الليبيين، استبعد صالح البكوش المستشار السياسي لعبدالرحمن السويحلي، رئيس حزب الاتحاد من أجل الوطن والرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة بليبيا، وجود رابط بين التحرك الأميركي، وتواتر عوامل صراع المصالح بين العواصم الأوروبية وواشنطن.

ولفت البكوش في تصريح لـ”العرب” إلى أن زيارة الوفد العسكري الأميركي لطرابلس، كانت مبرمجة منذ وقت سابق، وهي تندرج في سياق المشاورات بين البلدين، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة.

وأعرب عن اعتقاده بأنه لا وجود لصراع أميركي- فرنسي، أو أميركي-أوروبي حول ليبيا، باعتبار أن “قلق أميركا الحقيقي في هذه الفترة مرده ليس التحركات الفرنسية أو الأوروبية، وإنما التمدد الروسي في ليبيا، وهو قلق جدي يترافق مع قلق آخر يتعلق بتوسع مناطق الإرهابيين، وخاصة في الجنوب الليبي، وخطر ذلك على دول المنطقة”.

ورغم ذلك، ينظر المراقبون إلى أن توقيت التحرك الأميركي، وما حمله بين طياته من رسائل سياسية وأخرى أمنية وعسكرية، ستكون له تداعيات على مجمل الحسابات والمعادلات في ظل المشهد الليبي الذي يتناوب فيه الفرنسي والأميركي لرسم حدود ملامح أبعاده الاستراتيجية وسط مناخ مازالت فيه المقاربات السياسية لم تخرج من دائرة التناقض الذي يصعب التكهن باحتمالاته.

العرب