لندن – توقفت إيران عن إطلاق التصريحات الروتينية التي تقول فيها إنه لا أحد بإمكانه إجبارها على الخروج من سوريا إلى إعلان دعم صريح وواضح لخطة روسيا في إخلاء الجنوب السوري من أي وجود أجنبي تمهيدا لمساعدة القوات السورية على بسط نفوذها في المنطقة.
ونقلت صحيفة محلية عن علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قوله السبت إن إيران تدعم مسعى تقوده روسيا لفرض سيطرة الحكومة السورية على جنوب سوريا وسط تقارير تتحدث عن اتفاق روسي إسرائيلي يقضي بالضغط على إيران وميليشيا حزب الله اللبناني لترك المنطقة.
واعتبر محللون أن “التهدئة” الإيرانية المفاجئة تجاه الدعوات، التي تطالب طهران وحزب الله بسحب مقاتليهما من المناطق القريبة من إسرائيل، تعود بالأساس إلى ضغوط روسية على القيادة الإيرانية، بالإضافة إلى عجزها عن الرد على الاستهداف الإسرائيلي المستمر على تمركز قواتها ومستشاريها، وأن هذا قد يكون مقدمة لتقليص إيران لتواجدها في سوريا بشكل اختياري تجنبا لمواجهة ليست مستعدة لها.
ونقلت صحيفة شرق الإيرانية عن علي شمخاني قوله السبت “ندعم بشدة الجهود الروسية لطرد الإرهابيين من منطقة الحدود السورية الأردنية وجعل المنطقة تحت سيطرة الجيش السوري”.
وكرر أيضا نفي إيران وجود مستشارين عسكريين لها في هذه المنطقة. وتقول إسرائيل إن إيرانيين يعملون في المنطقة قرب حدودها ودعت موسكو إلى إبقاء القوات الإيرانية وحلفائها بعيدا عن الحدود.
وأضاف شمخاني للصحيفة “قلنا من قبل إنه ليس هناك وجود لمستشارين عسكريين إيرانيين في جنوب سوريا ولم نشارك في عمليات في الآونة الأخيرة”.
وقالت روسيا الأسبوع الماضي إن قوات الجيش السوري فقط هي التي يجب أن تكون موجودة على الحدود الجنوبية للبلاد مع الأردن وإسرائيل.
وكشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية عن ضغوط كبيرة تواجهها إيران من قبل روسيا وإسرائيل لدفعها إلى الانسحاب من سوريا، في وقت تحاول فيه طهران أن تستثمر النجاحات التي تحققت في سوريا لتمتين تمركزها في المنطقة.
وتناقش وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو مع نظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الخميس، في موسكو بشأن ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا حيث يُطبق وقف لإطلاق النار برعاية الولايات المتحدة وروسيا.
وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قد أدرج شرط انسحاب إيران من سوريا كواحد من الشروط الـ12 التي قدّمتها أميركا لإلغاء العقوبات عليها.
ولا تملك إيران البنية التحتية العسكرية الكافية للدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل على الأراضي السورية، إذ لا تملك التفوق الجوي أو البحري، كما أنها تحتمي بتكنولوجيا دفاع جوي سورية متهالكة.
وقد يصبح الوجود الإيراني أمرا غير مرغوب فيه حتى بالنسبة إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يبدو أنه حسم أمره بالاحتماء بروسيا التي ترتب الآن لتمكين قواته من الانتشار على أغلب الأراضي السورية عبر اتفاقيات إخلاء المدن مع مسلحي المعارضة.
ويشير المحللون إلى أن التصريحات التي يطلقها مسؤولون سوريون بشأن بقاء إيران لا تعدو أن تكون نوعا من المجاملة للنظام الإيراني الذي ساعدهم في هزيمة المسلحين تحت شعارات طائفية مثل حماية المراقد الشيعية في دمشق.
وربط وزير الخارجية السوري وليد المعلم، السبت، دخول حكومته في مفاوضات حول جنوب البلاد الذي تسيطر الفصائل المعارضة على أجزاء منه بانسحاب القوات الأميركية من منطقة التنف القريبة من الحدود العراقية والأردنية.
وأرسل الجيش السوري خلال الأسابيع الماضية تعزيزات عسكرية إلى الجنوب، وألقى منشورات دعت الفصائل المعارضة إلى الموافقة على تسوية أو مواجهة عملية عسكرية.
وتزامنت التطورات مع دعوة روسيا كلا من الأردن والولايات المتحدة إلى لقاء قريب لبحث مستقبل جنوب سوريا، كما تشاورت في المسألة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وقال المعلم في مؤتمر صحافي عقده في دمشق “نحن لم ننخرط بعد في مفاوضات تتعلق بجبهة الجنوب. لذلك قلت إن المؤشر هو انسحاب الولايات المتحدة من أراضينا في التنف”.
وأضاف “لا تصدقوا كل التصريحات التي تتحدث عن اتفاق بشأن الجنوب ما لم تروا أن الولايات المتحدة سحبت قواتها من قاعدة التنف ويجب أن تسحب قواتها من القاعدة”، موضحا “عندما تنسحب الولايات المتحدة، نقول إن هناك اتفاقا”.
وتابع “نحن نسعى في البداية لحل هذه المسألة بالطرق التي تعودنا أن نعمل بها وهي المصالحات، وإذا لم تكن مجدية، لكل حادث حديث”.
ويرى متابعون للشأن السوري أن نفي المعلم وجود اتفاق بشأن الجنوب السوري لا يعدو أن يكون امتدادا للأسلوب القديم الذي يتبعه النظام في نفي كل شيء، مع أن تقارير متعددة وتصريحات مسؤولين روس وإسرائيليين قد أخرجت الاتفاق للعلن، وأن وزير الخارجية السوري قد يكون هدف إلى تخفيف الضغوط عن إيران.
وتستخدم الولايات المتحدة قاعدة في منطقة التنف لتنفيذ عمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وكانت استخدمتها سابقا لتدريب مقاتلين سوريين معارضين. وشهدت المنطقة العام الماضي مواجهات محدودة بين القوات السورية وتلك المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وحذرت الولايات المتحدة الشهر الماضي دمشق من القيام بأي نشاط يهدد “وقف إطلاق النار” في جنوب سوريا.
وأدان المعلم الاتفاق على “خارطة الطريق” الذي أعلنته واشنطن وأنقرة الشهر الماضي بشأن مدينة منبج (شمال) التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، فصائل كردية وعربية مدعومة أميركيا.
وقال المعلم “ليس في منبج فقط بل عفرين وكل شبر من الأراضي السورية نحن نعتبر تركيا عدوانا غازيا لأراضينا، بالتالي لا يحق للولايات المتحدة ولا لتركيا أن تتفاوض حول مدينة سورية”، مضيفا أن “أي اتفاق أميركي تركي (…) هو اتفاق مدان وعدوان على السيادة السورية”.
العرب