علاقة فريدة من نوعها ربطت بين السعودية وشركة بكتل، التي تعد واحدة من أكبر شركات الهندسة والبناء والمشاريع العالمية في الولايات المتحدة. نشأت هذه العلاقة وترسخت عبر ما يزيد على سبعة عقود. بدأت منذ أربعينات القرن الماضي عندما زار الملك فيصل الولايات المتحدة للمرة الأولى، والتقى خلالها بمسؤولي شركة بكتل، ودعاهم لبناء خط أنابيب عبر شبه الجزيرة العربية. كانت هذه هي البذرة الحقيقية التي أثمرت حقولا من الثقة والشراكة والمنافع المشتركة على مدى خمسة وسبعين عاما. خلال هذه السنوات رسخ اسم شركة بكتل في أذهان المواطنين السعوديين حتى إنه كان مرادفا في وقت ما لكلمة «كهرباء» بعد أن قامت الشركة بتوصيل الكهرباء للمدن السعودية في منتصف القرن الماضي.
على الجانب الآخر، لم تكن السعودية مجرد عميل ضمن عملاء شركة بكتل الكُثر، بل كانت دائما شريكا قويا وتحتل جزءا كبيرا من استراتيجية وخطط الشركة. وفي حوار مع بريندان بيترز بكتل، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة بكتل العالمية، بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عاما على عمل الشركة في المملكة، يكشف النقاب عن خطط الشركة خلال الفترة المقبلة ونظرته للاقتصاد السعودي، ورؤية 2030. والعلاقة الخاصة مع المملكة، ودور الشركة في منطقة الشرق الأوسط وشروط عودتها للعراق مرة أخرى، وغيرها من الأمور التي تتعلق بنشاط الشركة في المنطقة.
وإلى نص الحوار…
> بداية ما هي أبرز المشروعات التي تنفذها بكتل في السعودية ودول الشرق الأوسط حاليا؟
– أولاً، أود أن أقول إن منطقة الشرق الأوسط بمفهومها الواسع هي واحدة من أكثر المناطق التي يزداد فيها نشاط شركتنا. نحن نشطون بشكل خاص في السعودية والإمارات ومصر. هذه الدول الثلاث تعد بمثابة مناطق التركيز الرئيسية لشركتنا في المنطقة. فيما يتعلق بالمملكة، سيكون مشروع مترو الرياض على رأس مشروعاتنا الكبيرة النشطة خلال الفترة المقبلة بالتعاون مع المكتب الوطني لإدارة المشروعات السعودي، ويتركز دورنا بشكل كبير في إدارة البرنامج وبناء القدرات. كما أننا مستمرون، على مدى أكثر من أربعين عاماً، في المساعدة في إدارة البرامج الخاصة بمدينة الجبيل الصناعية، خاصة مع استمرارها في التوسع. وبالطبع لدينا اهتمام شديد في برنامج الطاقة النووية المدنية. لكنني أعتبر أن المشروعات الثلاثة الكبرى التي نركز عليها بشكل خاص هي مترو الرياض ومدينة الجبيل الصناعية ومشروع مكتب إدارة المشروعات الوطنية.
> كم تبلغ تكلفة الاستثمارات في هذه المشروعات الثلاثة الكبرى؟
– بصورة إجمالية، هذا سؤال صعب للإجابة عليه. هناك اختلاف بين الاستثمار وتقديم الخدمات. حيث إننا لسنا مستثمرا مباشرا في المشاريع التي نقوم بتنفيذها. وبالتالي يصبح تحديد قيمة الأعمال مهمة صعبة. أما إذا كنّا نتحدث عن إجمالي القيم التي نديرها نيابة عن عملائنا، فإن هذه هي الطريقة التي يمكنني بها الإجابة على السؤال. على سبيل المثال، بلغت إجمالي قيمة الأعمال في مدينة الجبيل السعودية عشرات المليارات من الدولارات على مدار الـ42 سنة الماضية. فيما يتعلق ببرنامج مترو الرياض، تتعدى القيمة الكلية للأعمال عدة مليارات من الدولارات، الطريقة التي أفكر بها في قياس استثماراتنا هي عدد الأشخاص الذين نستخدمهم في كل مشروع أو النسبة المئوية من إجمالي الإنفاق على المشروع. في جميع الأحوال، يمكنني القول إننا ندير أعمالا ومشروعات بما يزيد على 10 مليارات دولار في السعودية.
> ذكرت أنكم مهتمون برؤية 2030 للمملكة، ما هي الأجزاء التي تخططون للقيام بها في إطار هذه الاستراتيجية؟ وهل هناك مشروعات محددة تبحثون عنها؟
– نعم، نحن نعمل على تسليم المشروعات. ونرغب في مشاركة عملائنا ومساعدتهم في الوصول لأهدافهم وتحقيق النجاح. لذا عندما نفكر في رؤية 2030 على نطاق أوسع، فإن الدور الذي نسعى للقيام به هو مساعدة جميع الوزارات الحكومية في بناء قدراتها وزيادة مهارات العاملين في إدارة المشروعات والبرامج المحلية. نحن نعمل على تسهيل رفع مستوى تلك الوزارات لإدارة جميع المشروعات والبرامج التي تخرج من رؤية 2030 والتي تتحمل هذه الكيانات الحكومية مسؤولية تنفيذها.
على جانب آخر، يأتي مشروع تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية المدنية على رأس أولوياتنا في الفترة المقبلة. نحن مهتمون جداً بهذا المشروع لأسباب واضحة مبنية على خلفياتنا وخبراتنا بهذه البرامج. كما يوجد لدينا اهتمام بشكل خاص بقطاع المياه على نطاق واسع، بما في ذلك المعالجة الصناعية وإمدادات المياه، وهي قضية رئيسية تواجه المملكة. كما يحتل مشروع مترو الرياض مكانة كبيرة من خططنا في المملكة، وسيساهم في تحقيق نقلة نوعية في قطاع النقل بالمملكة. وبالطبع لدينا اهتمام رئيسي في مشروع نيوم الشهير وهناك مباحثات جارية حاليا حول شكل الدور الذي يمكن أن نقوم به.
> أحد جوانب رؤية 2030 هو تمكين الشباب السعودي من الالتحاق بالشركات الكبرى، كيف تساهم بكتل في تحقيق ذلك الهدف للحكومة السعودية؟
– أنا فخور جدا بحقيقة أن نسبة الموظفين السعوديين من مجموع الموظفين الفنيين والتقنيين في معظم مشروعاتنا بالمملكة في زيادة مستمرة وتصل حاليا إلى نحو 20 في المائة من إجمالي موظفينا بالمملكة. وتصل إلى 30 في المائة في بعض القطاعات وهي نسبة جيدة جدا. لقد كانت لدينا تجربة رائعة حقاً في توظيف المهندسين السعوديين الناشئين، ونطمح حاليا لتوظيف وتدريب الجيل القادم من المهندسين السعوديين، ومديري المشاريع، والبنائين، والقادة، ليس فقط لعملنا في السعودية ولكن نأمل أن يسافروا معنا حول العالم ليكونوا جزءا من المشروعات التي نقوم بها في جميع أنحاء العالم. ولدى الحكومة أهداف محددة لزيادة هذه النسبة بشكل مستمر ونحن مستجيبون لذلك. وأتطلع إلى أن تصل النسبة المئوية للسعوديين العاملين في مشروعاتنا بالمملكة إلى أكثر من 30 في المائة بمرور الوقت.
> ذكرت أنكم مهتمون بمشروع نيوم وهو من المشروعات الكبرى، ما الذي يمكن أن تقدمه بكتل في هذا المشروع وما هي رؤيتكم تجاهه؟
– لدينا رؤية طموحة للغاية للمشروع ككل، فهو نقلة نوعية للمملكة ونبحث مع الحكومة حاليا كيفية تطبيق هذه الرؤية وتحويلها إلى مشاريع. أعتقد أن هناك مجموعة واسعة من الأدوار التي يمكن أن نقوم بها في إطار هذه الرؤية، بدءا من إدارة البرنامج بشكل عام حتى القيام بمهام محددة في إطار أجزاء معينة من البرنامج. على سبيل المثال، هناك مجموعة واسعة من التكنولوجيا العالية، والمراكز الحضرية، والمناطق التأهيلية، والمدن الصناعية التي تتضمنها رؤية المشروع ويمكننا المشاركة في تنفيذ ذلك.
> هل لديكم خطة للمشاركة في مشروع بناء 16 مفاعلاً نووياً لتوليد الطاقة في السعودية؟
– هناك بعض المناقشات السياسية المستمرة حاليا بين الولايات المتحدة والمملكة للتوصل إلى حل في إطار ما يعرف بـ«اتفاقية 1 – 2 – 3» التي يمكن من خلالها نقل التكنولوجيا النووية للمملكة. نأمل أن تنجح المناقشات في نهاية المطاف حتى تستطيع المملكة بناء المفاعلات النووية للأغراض المدنية لتوليد الطاقة.
> هل لديكم أي خطط للمشاركة في عملية إعادة إعمار العراق؟
– أولاً، أود أن أقول إن إعادة الدفء للعلاقات بين المملكة والعراق خلال العام الماضي كان مفيدا للغاية وله جوانب إيجابية كثيرة من وجهة نظرنا. وساعد ذلك بشكل كبير على تحسين مناخ الأعمال في العراق. بالنسبة لنا لكي نعود كشركة إلى العراق، فإن هناك ثلاثة أمور مهمة نضعها نصب أعيننا عند التفكير في هذا الأمر: أولا التأكد من أننا يمكننا إضافة قيمة وتقديم مساهمة مجدية للمشروعات التي سنقوم بها لتحقيق التنمية في العراق؛ ثانيا، أن نضمن الأمان للعاملين في المشروعات التي نقوم بتنفيذها هناك؛ ثالثا، أن نشعر بالثقة في أننا يمكننا العمل بطريقة تتوافق مع رؤيتنا وقيمنا وأخلاقياتنا. ولكن أود أن أقول إن التفكير في العودة إلى العراق بدأ يتجه إلى نطاق أوسع بعد انخراط السعودية في العراق والمساهمة في تحسين بيئة الأعمال هناك. وأعتقد أن الفرص الموجودة بالعراق واعدة بشكل كبير.
> ما هو عدد الزيارات التي قمت بها للمملكة ومنطقة الشرق الأوسط؟
– أقوم بالكثير من الزيارات سنويا إلى المنطقة بصفة عامة على الأقل مرة كل ثلاثة أشهر بما يعادل أربع زيارات سنوية أو أكثر.
> في إطار خبرتكم في منطقة الشرق الأوسط، ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة التي شاهدتموها في الدول التي تعاملتم معها؟
– كل مكان له طبيعة مختلفة، لذلك سأتحدث أكثر عن نقاط القوة في الأماكن التي نتعرض لها. فيما يخص المملكة، أعتقد أن هناك تصميما حقيقيا وتركيزا على رؤية 2030 وكل الأشياء التي تخرج منها. وهذا يعطينا الكثير من الثقة والاعتقاد بأن هناك خطا جيداً من المشاريع المستقبلية يمكننا من إضافة قيمة حقيقية للمشروعات التي نشارك فيها. كما أن بعض الإصلاحات الاجتماعية التي حدثت في المملكة، والتي تزداد وتيرتها بمرور الوقت، تساعد في تحسين المناخ الذي تعمل فيه الشركات وهو شيء إيجابي للغاية.
> بعد 75 عاما من الشراكة والثقة بين السعودية وشركة بكتل، كيف ترون آفاقها ومستقبلها؟
– الشراكة بين بكتل والسعودية بدأت في أربعينات القرن العشرين في قطاعات النفط والغاز، ثم تطورت فيما بعد إلى قطاع البنية التحتية المدنية. خلال هذه المدة شاركنا عملية التطوير التنموي التي شهدتها المملكة في العقود الماضية، وذلك عبر ثلاثة أجيال متواصلة من عائلتي والتي قامت بالعمل مع حكومة السعودية في الكثير من المشروعات المشتركة. أما الجيل الحالي من عائلة بكتل فهو الجيل الرابع الذي يتعاون مع المملكة في مسيرة التنمية الاقتصادية. عندما ذهبت للرياض للاحتفال بمرور 75 عاما على شراكتنا مع المملكة، ذكرت أنني أشعر بسعادة غامرة للاحتفال بـ«أول 75 عاماً» من الشراكة في المملكة، وكنت أعني ذلك حقاً. إنه شيء يجعلني أشعر بالامتنان الشديد لأننا مُنحنا الفرصة لنكون جزءاً من تاريخ المملكة. لقد كان امتيازاً عظيما ومسؤولية كبيرة… هذا هو الشكل الحقيقي الذي ننظر من خلاله إلى عملنا في السعودية. نحن لسنا مجرد مقاولين أو بناة مشروعات، إننا نبني تراثا في المملكة. لا يمكنني التنبؤ بما سيكون عليه إرثنا على مدار الـ25 عاماً القادمة. آمل وأتوقع أنه سيكون كافة الأشياء التي تحدثنا عنها.
الشرق الاوسط