بعد الانتصار الأمني والعسكري الذي استطاع العراق تحقيقه بعد دحره تنظيم داعش، توقع المراقبون للشأن العراقي سواء أكانوا دولًا إقليمية أو دولية أو تحليلات سياسية أن يعزز العراق ذلك الانتصار بانتصار السياسي حينما يجري انتخاباته التشريعية في 12 آيار/مايو الفائت، حيث كان من المرجو أن تُصان إرادة الشعب العراقي حينما يدلي بصوته في صناديق الاقتراع، لكن الرجاء شيء والواقع شيء آخر. إذ كانت عمليات التزوير والتلاعب بإرادة الشعب هي العنوان الأبرز في تلك الانتخابات، وهذا ما تم توثيقه عراقيا ودوليا. ومع إعلان النتائج، ارتفعت أصوات المشككين بشأن نزاهة العملية الانتخابية لا سيما في الدوائر السنية والكردية. وتحرّك المشككون في نزاهة الانتخابات في أربعة اتجاهات رئيسية؛ الأول عبر التواصل مع الأمم المتحدة وتزويدها بالأدلة التي تدعم ادعاءاتهم، والثاني عبر اللجوء إلى القضاء العراقي وتقديم الأدلة اللاّزمة، والثالث عبر وسائل الإعلام لتغذية الجمهور بمعلومات تفصيلية عن ظروف التلاعب، والرابع عبر تحريك البرلمان، ضد النتائج. ويقول المشككون إنّ العد اليدوي سيرضي الجميع، لكنّ مراقبين يقولون إنّ نتائجه ربما تغضب بعض الكتل الكبيرة، وتطيح ببعض من أعلنت المفوضية عن فوزهم.
وقد تنوعت أساليب التزوير والتلاعب منها شراء بطاقات الانتخاب من قبل الأحزاب والمرشحين والتلاعب بعملية الفرز والعد التي جرت داخل المحطات والمراكز الانتخابية في المحافظات وبغداد. أما التزوير الجديد الذي ظهر في هذه الانتخابات هو النظام الإلكتروني الذي تعرض للإختراق والتعطل. وقد حذر مختصون من استخدام الطريقة الإلكترونية في الانتخابات العراقية، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن عملية العد والفرز اليدوية هي أكثر شفافية ومصداقية من تلك التي تتم إلكترونيًا، مضيفين أنه على الرغم من أنه يتم في غضون ساعات قليلة إلا أنه يسهل عملية التزوير، فمثلًا لا يمكن لمراقبي الكيانات السياسية أو ممثليها الاطلاع على عملية العد والفرز لأنها تتم داخل صندوق الانتخابات الإلكتروني، بالإضافة إلى أن التصويت الإلكتروني لا يضمن عدم حدوث تلاعب في نتائح العد والفرز، وبذلك افتقرت الانتخابات إلى الشفافية وأن التزوير فيها أصبح أمرًا واقعًا.
أمام هذا التلاعب الكبير في إرادة الشعب العراقي تُساق عدة أسئلة في هذا الإطار: هل العراق في وضعه الراهن بوسعه أن يتحمل هذا التلاعب، وكيف يمكن للمواطن العراقي البسيط أن يثق بسلطاته الدستورية ومنها السلطة التشريعية وهي فاقدة الشرعية، وكيف يُمكن أن يقبل حكومة سواء كانت حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف حزبي أو محاصصة أو تكنوقراط تنبثق عن تلك السلطة،وهل لها أي قيمة تذكر لدى المجتمع العراقي، وهل الحديث عن قيم المواطنة وتعزيزها لدى المواطن العراقي أضحت ذات قيمة يُمكن أن يضحي من أجلها، وهل هذا التزوير الذي يعد سابقة في تاريخ الانتخابات المعاصرة هي المكافأة التي تمنح لشعب عانى ما عاناه من ويلات عسكرية واقتصادية وأمنية وسياسية ونفسية؟
من خلال الاضطلاع على تجارب الأمم بالنهوض بشعوبها في مرحلة الحرب العالمية الثانية لم تخبرنا تلك التجارب سواء كانت التجربة الألمانية واليابانية والسنغافورية والماليزية والجنوب إفريقية والتركية أنها بنت تجربتها على تزوير إرادة شعوبها بل استلهمت من تلك الإرادة النهوض والمسير قدمًا نحو تحقيق أهداف شعوبها لم نسمع ولم نقرأ في تلك التجارب عن عمليات تزوير “بشعة” كما حدث في الانتخابات العراقية، هل يُعقل في عالم ما بعد الحداثة أن تزور إرادة شعب بالطريقة التي زور بها إرادة الشعب العراقي؟!
الكُل يتذكر مؤتمر المانحين الذي عُقد في دولة الكويت في شباط/فبراير الماضي وأن العراق بنى عليه آمالًا كثيرة في الخروج منه بمبالغ مالية لا تقل عن 88 مليار دولار أمريكي وكانت محصلة المؤتمر أن العراق لم يحصل على مبتغاه كما أراد علمًا بأن حكومة حيدر العبادي كانت تحظى بدعم عربي وإقليمي ودولي. والآن أمام مجلس نواب مشكوك في شرعيته وعلى عاتقه تُشكل الحكومة السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سيتلقى العراق دعمًا ماليا من الدول العربية والإقليمية والدولية ، وهل سيغامر رجال الأعمال في فتح مشاريع اقتصادية في العراق مع علمهم المسبق في سلطة تشريعية مشكوك في شرعيتها؟
في الختام بدّد الجدل الذي أحاط نتائج الانتخابات النيابية في العراق، الآمال بمرحلة من الاستقرار تشكل امتدادا لجهود إعادة بسط الأمن على كامل تراب البلاد التي قادها رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ توليه الحكم في آب/أغسطس 2014. أين مصلحة الوطن والمواطن من تزوير الانتخابات العراقية؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية