يكتسي الاجتماع الثلاثي المزمع عقده الأسبوع الجاري على مستوى نواب وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والأردن حول سوريا أهمية استثنائية في ظل الغموض الذي يلف مصير المفاوضات بخصوص منطقة الجنوب.
وتضاربت الأنباء في الأيام الأخيرة بشأن التوصل إلى اتفاق حول الجنوب يسمح للجيش السوري باستعادة المنطقة شريطة ضمان عدم انتشار قوات إيرانية أو ميليشيات موالية لطهران وخاصة حزب الله اللبناني في هذا الجزء.
ويعتبر محللون جنوب سوريا أحد مفاتيح الأزمة، بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي الذي يحد كلا من إسرائيل والأردن، ما يجعله في مرمى أهداف التوسع الإيراني.
حراك أميركي لتكريس سيطرة إسرائيل على الجولان
دمشق – يعكف أعضاء في الكونغرس الأميركي على وضع خطط لتكريس سيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وفق صحيفة “يسرائيل هيوم”. وتحتل إسرائيل حوالي 1200 كيلومتر مربع من الجولان منذ حرب يونيو 1967، وأعلنت في 1981 ضمها إليها، بينما لا تزال حوالي 510 كيلومترات مربعة تحت السيادة السورية. وتقضي خطة عُرضت، الأسبوع الماضي، على مسؤولين إسرائيليين وأميركيين بتطبيق الاتفاقيات التجارية بين إسرائيل والولايات المتحدة على الجولان، مع الاعتراف بالتغييرات التي فرضتها إسرائيل على أرض الواقع. وتلك الخطة هي جزء من جهود واسعة يقوم بها أعضاء في الكونغرس، بقيادة السيناتور الجمهوري، تيد كروز، والعضو الجمهوري في مجلس النواب، رون ديسانتس، للزعم بسيادة إسرائيل على الجولان. ويسعى القائمون على الخطة إلى تحرك مماثل لاعتراف الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرئيل شارون، عام 2004، حول الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة. وتقوم الخطة الراهنة في الكونغرس على توفير ميزانية لمشاريع أميركية إسرائيلية مشتركة في الجولان، وتوسيع الاتفاقيات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتشمل الجولان، مثل اتفاقية التجارة الحرة، ووسم المنتجات المصنوعة في الجولان بأنها “صنعت في إسرائيل”. كما تتضمن الخطة صياغة وثائق من الكونغرس يقول فيها إن هضبة الجولان لن تعود إلى سوريا، ويزعم سيادة إسرائيل عليها. ويرى مراقبون أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل ذريعة لإسرائيل لفرض احتفاظها بالجولان بداعي ضمان وجود جبهة متقدمة في حال حصل استهداف لها.
ونفى مسؤول إسرائيلي توصل بلاده إلى تفاهمات مع روسيا بشأن جنوب سوريا، ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية عن المسؤول قوله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكد خلال محادثاته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو الأسبوع الماضي، ومع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ضرورة انسحاب القوات الإيرانية من كافة أنحاء سوريا، وليس فقط من الجنوب.
وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، قد أعلن الجمعة التوصل إلى اتفاق حول سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سوريا، وتوقع تطبيقه خلال أيام قريبة.
وترى إسرائيل أن أي وجود إيراني في سوريا يشكل تهديدا كبيرا على أمنها القومي، وقد صعدت في الأشهر الأخيرة من استهدافها لمواقع وقواعد عسكرية يشتبه بأنها تابعة لإيران في أكثر من منطقة سورية وخاصة في ريف دمشق.
وكادت الأمور تخرج عن السيطرة في مايو الماضي بعد استهداف مواقع للجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل، حملت إسرائيل إيران آنذاك مسؤوليته، وقد تدخلت حينها روسيا لإعادة احتواء الأمر وضبط التوتر العالي بين الجانبين، لتخوّفها من أن يقود الوضع إلى انفجار يجهز على كل مكاسبها على الأرض السورية.
وتستغل إسرائيل حاجة روسيا إلى عدم إطالة الأزمة في سوريا أكثر من ذلك للضغط من أجل إنهاء أي وجود إيراني ليس في الجنوب فقط بل في كل أنحاء البلاد، وأيضا الاحتفاظ بالسيطرة على الجولان المحتل، وتؤازرها في ذلك الولايات المتحدة.
وتحاول موسكو جاهدة التوصل إلى اتفاق مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي يقضي بعودة سيطرة النظام على كامل منطقة الجنوب، وتشن موسكو حملة ضغط واسعة على طهران لدعم هذا الاتفاق، الأمر الذي جعلها محل استهداف من وسائل الإعلام الإيرانية التي ذهبت إحداها الأحد إلى حد وصف الرئيس فلاديمير بوتين بـ”المخادع″.
ويرى مراقبون أن الاجتماع الثلاثي المزمع عقده خلال أيام والذي ستكون فيه إسرائيل الحاضر الغائب يشكل فرصة قوية لتثبيت اتفاق التسوية في الجنوب، لافتين إلى أن الأمر لن يكون بالسهولة التي يحاول أن يشيعها الجانب الروسي.
خاصة مع رفض إسرائيلي لحصر مسألة إنهاء الوجود الإيراني في تلك المنطقة، فضلا عن معضلة القوات الأميركية الحاضرة هناك حيث أن واشنطن لن تقدم على سحب هذه القوات مجانا، وقد تربط ذلك بتفاهمات بشأن شمال شرق البلاد.
وقال وزير الخارجية وليد المعلم السبت “لا تصدقوا التصريحات التي تتحدث عن اتفاق بشأن جنوب سوريا، ما لم تنسحب القوات الأميركية من منطقة التنف”.
وتابع “هذه أرض سورية والسيادة السورية عليها ليست موضع شك”. وأضاف “عندما تنسحب الولايات المتحدة من التنف، ويجب عليها أن تنسحب من التنف، نقول إن هناك اتفاقا حول الجنوب”. وعملت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة على تكريس موطئ قدم لها في الجنوب بتأسيس قاعدة عسكرية في منطقة التنف، وتدريب فصائل معارضة، لاستهداف تنظيم داعش وأيضا لمواجهة التمدد الإيراني.
وتضع الإدارة الأميركية الحالية في صلب أولوياتها احتواء الوجود الإيراني في المنطقة وخاصة في سوريا، لأن بقاء طهران هناك لا يستهدف شركاءها فقط بل يستهدف أيضا مصالحها بشكل مباشر.
ويشير مراقبون إلى أن الأردن قد يكون المتحمس الوحيد للطرح الروسي بشأن منطقة الجنوب، بالنظر إلى ما سببته له الأزمة من تداعيات خطيرة على أمنه واقتصاده، وهو ما تترجمه الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.
ويعتبر المراقبون أن التوصل إلى حل لمعضلة الجنوب قد يكون بداية الطريق نحو تسوية شاملة للأزمة السورية.
العرب اللندنية