في 24 أيار/مايو، صنّف “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية تسعة كيانات وأفراد على ارتباط بتقديم خدمات إلى ست شركات طيران إيرانية ضالعة في التحريض على الأنشطة العسكرية للنظام في المنطقة. وتهدف العقوبات إلى سد الثغرات التي استخدمتها هذه الشركات على مر السنين من أجل تأمين قطع [الغيار] والخدمات المرتبطة بالطيران. كما أشارت وزارة الخزانة إلى 31 طائرة فردية شاركت بشكل مباشر في إرسال الأسلحة والأفراد إلى سوريا (انظر الجدول المبين أدناه). ومن المرجح اتخاذ المزيد من الخطوات – وخير البر عاجله نظراً إلى قدرة طهران المثبتة على التكيف مع العقوبات الجديدة.
مراجعة التصنيفات
تشمل الشركات الخاضعة للعقوبات “ماهان للطيران” و”خطوط قزوين الجوية” و”خطوط معراج” و”الخطوط الجوية دينا” و”شركة طيران بويا” و”الخطوط الجوية بلو”؛ علماً بأن هذه الأخيرة هي مجرد شركة وهمية لا تملك أسطولاً. وكان قد تمّ تصنيف كل من “معراج” و”قزوين” و”بويا” (سابقاً “ياس للطيران”) في آب/أغسطس 2014 لدعمها عمليات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في سوريا؛ وفي الواقع، إن “بويا” هي جناح الشحن الخاص بـ «وحدة الدفاع الجوي» في «الحرس الثوري الإسلامي» وتسيّر رحلات يومية عبر الجسر الجوي إلى سوريا.
وفي حزيران/يونيو 2011، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الناقلة الوطنية في البلاد “إيران للطيران” وشركتها التابعة “إيران ايرتورز” (Iran Air Tours) بسبب دعمها لـ «الحرس الثوري» ووزارة الدفاع الإيرانية “من خلال نقل و/أو تحويل السلع لهذه الكيانات أو بالنيابة عنها”. وشمل ذلك استخدام الرحلات الجوية التجارية لنقل “معدات ذات صلة عسكرية” و”شحنات يحتمل أن تكون خطرة” إلى سوريا (على سبيل المثال، مكونات الصواريخ).
وبعد أربعة أشهر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “ماهان للطيران” لتقديمها خدمات إلى “فيلق القدس” التابع لـ«الحرس الثوري» وإلى «حزب الله»، من بينها “نقل عناصر وأسلحة وأموال سراً على متن رحلاتها” إلى سوريا والعراق. ومنذ ذلك الحين، فُرضت عقوبات ثانوية على أكثر من 200 شركة وهمية وأفراد بسبب روابط تجارية مع شركة “ماهان”. وترمي مثل هذه الخطوات إلى حظر أي كيانات أمريكية “من المشاركة في معاملات تجارية أو مالية مع “ماهان للطيران”، حيث تمّ تجميد أي أصول قد تملكها وتخضع للسلطة القضائية الأمريكية”.
وفي أيار/مايو 2013، استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية شبكات شراء ودعم الطائرات الإيرانية في قيرغيزستان وأوكرانيا والإمارات العربية المتحدة وبلدان أخرى، التي ساعدت كلاً من “ماهان” و”إيران للطيران” على الالتفاف على العقوبات. كما تمّ تصنيف المدير الإداري في شركة “ماهان”حميد عرب نجاد إلى جانب “الخطوط الجوية الأوكرانية عبر المتوسط” و”بوكوفينا” و”شركة الخطوط القرغيزية” وغيرها من الشركات التابعة. وقد اتُهمت الشركات الأخيرة بتأجير مقاتلات من طراز “بريتش ايروسبيس بي إيه إي 146/أفرو أر جاي 100” وطائرة أخرى إلى “ماهان”، تمّ استخدام بعضها “للسفر إلى سوريا في عدة مناسبات”. وفي العام الماضي، استخدمت “ماهان” أسطولها من الطائرات البريطانية من طراز “بي إيه إي/أر جي” لنقل أفراد ميليشيات الشيعة من العراق إلى عبادان في إيران ومن ثم إلى دمشق، لعدم تمكنهم من السفر بالطائرة مباشرة من العراق إلى سوريا.
وتخضع “ماهان” أساساً لعقوبات متشددة منذ عام 2011، مما أسفر عن توقف نحو ثلث طائراتها – من نوع “بي إيه إي 146/أر جي” البالغ عددها 16 – عن العمل، بسبب النقص في قطع الغيار. إلّا أنّ العديد من هذه الطائرات عادت إلى الخدمة منذ العام الماضي. ويبدو أن العقوبات السابقة كانت أكثر فعالية على طائرات “بوينغ 747” الخاصة بشركة “ماهان”، التي لم تسيّر رحلات بشكل شبه كامل وكان لابد من استبدالها على المسارات الدولية بالطائرات المستعملة من طراز “إيرباص إيه 340”. وبموجب العقوبات الجديدة، تمّ تحديد 10 من طائرات الشركة العاملة بشكل منفرد، مما جعل من الصعب على نحو متزايد حصولها على الخدمات وبقاؤها صالحة للطيران. وشركة “ماهان” – التي تعتبر حالياً بشكل فعلي أكبر شركة طيران إيرانية – فستشعر تدريجياً بمزيد من الضغوط حتى على كامل أسطولها المؤلف من 36 طائرة، الأمر الذي قد يرغمها على السعي وراء خيارات مكلفة مثل تغيير الطائرات أو تغيير علامتها التجارية.
(انقر على الجدول للحصول على نسخة ذات دقة أعلى).
استهداف “الطائرة الرئاسية” الإيرانية
منذ عام 2011، كانت “خطوط معراج للطيران” العلامة التجارية للطائرات المسيّرة من “حظيرة طائرات الجمهورية”، وهي المنشأة الرئيسية في إيران لنقل كبار الشخصيات الحكومية الرسمية. وقد سمح هذا التغيير باستخدام الطائرات الحكومية في عمليات مربحة في السوق التجارية. يُذكر أن “القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” تتولى صيانة “حظيرة طائرات الجمهورية” و”معراج”.
وفي الآونة الأخيرة، تولّت شركة جديدة تدعى “الخطوط الجوية دينا” جانب العمليات الخاص بكبار الشخصيات باستخدام طائرتين: “إيرباص إيه 340-300” [سابقاً طائرات تابعة للحكومة الإيرانية تسيّرها شركة “معراج” (EP-AJA) والمسجلة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 باعتبارها تابعة لـ”الخطوط الجوية دينا” الإيرانية (EP-DAA)] و”إيرباص إيه 321-200″ [ضمن أسطول الحكومة الإيرانية (EP-AGB)]. ويستخدم المرشد الأعلى علي خامنئي كلتا الطائرتين (تحت علامة الاتصال DENA-01) لرحلات العطل التي يقوم بها إلى مسقط رأسه في مشهد ومنتجعه على بحر قزوين. كما يستخدمهما الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف لرحلاتهما إلى خارج البلاد.
وكانت “الخطوط الجوية الإيرانية – دينا” (EP-DAA) قد اشترت طائرة الإيرباص في عام 2015 من خلال الوسيط “إيشين إكسبرس إيرلاين” (Asian Express Airline) من طاجيكستان، وكانت مملوكة في ذلك الوقت للمليونير الإيراني و‘رجل الواجهة ‘الاقتصادي في حكومة أحمدي نجاد، باباك زنجاني. وفي عام 2013، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على معظم أصول زنجاني، استهدفت بشكل خاص “إيشين إكسبرس” [Asian Express] (وتردد أن كافة أسهم الشركة كانت مملوكة لـ”مصرف تونك الاستثماري” في طاجيكستان، وهي شركة أسستها شركة زنجاني القابضة “كونت كوزميتيك” [Kont Kozmetik]).
وقد أثير جدل أيضاً حول طائرة “إيرباص” في أسطول الحكومة الإيرانية (EP-AGB). وفي عام 2005، أوقفت الشركة الفرنسية “سوجرما سيرفسس” [Sogerma Services] مؤقتاً عملها الرامي إلى جعل داخل الطائرة فخماً، معللةً السبب بالعقوبات الأمريكية.
ولم تدرج وزارة الخزانة الأمريكية بعد بشكل منفرد طائرتين حكوميتين لكبار الشخصيات تابعتين لشركة “دينا” بعد ضمن لوائحها، كما لم يتمّ تصنيفهما ضمن لائحة العقوبات الثانوية الخاصة بـ”مكتب مراقبة الأصول الأجنبية“. ويقيناً، لقد جرى إدراج “دينا” نفسها على اللائحة، لذا فإن الطائرتين تخضعان للعقوبات. لكن، وكما سيرد أدناه، يبدو أن الإعلان عن لائحة لا تشمل الطائرتين الرئيسيتين للمرشد الأعلى هو بمثابة فرصة ضائعة لبعث رسالة إلى الإيرانيين وغيرهم في الخارج.
كما يستخدم «الحرس الثوري» الإيراني وشركات الطيران التابعة له مجموعة من الشركات الوهمية في أرمينيا وطاجيكستان وتايلاند وتركيا وأوكرانيا وأوزبكستان لشراء قطع [غيار] الطائرات والخدمات التقنية المحظورة. وقد تمّ إدراج بعض هذه الشركات ضمن لائحة العقوبات الأخيرة، ومن المحتمل اتخاذ المزيد من الإجراءات بحقها.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، فرض “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” عقوبات على “أجنحة الشام للطيران” السورية “لأنها قدمت مساعدة مادية أو رعاية أو دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً لـ…حكومة سوريا والخطوط الجوية العربية السورية”. غير أن الشركة المستأجِرة للطائرات الخاصة بـ”أجنحة الشام للطيران” لا تزال تسيّر رحلات إلى طهران، على الأقل خمس مرات أسبوعياً، مستخدمةً الطائرات التجارية من نوع “إيرباص إيه-320″، في حين أنها غالباً ما تحظى بمساعدة “ماهان للطيران” في أعمال الصيانة. ووفقاً لتقرير صدر في 6 نيسان/أبريل عن وكالة “رويترز”، تتولى “أجنحة الشام للطيران” أيضاً نقل المرتزقة الروس والمتعاقدين العسكريين إلى دمشق واللاذقية، باستخدامها مطار روستوف بلاتوف الدولي كمركز. وقدر التقرير أن هناك ما بين ألفين وثلاثة آلاف مرتزقة روسي يقاتلون في سوريا.
وعلى نحو مماثل، لا يزال «الحرس الثوري» الإيراني يستخدم “شركة طيران بويا” لرحلات الشحن المتكررة على متن طائرات “إليوشن” إلى المدن الروسية ودمشق. ولم تشمل اللائحة الجديدة لوزارة الخزانة الأمريكية إحدى أكثر الطائرات نشاطاً على هذه المسارات التابعة لـ”شركة طيران بويا” (EP-PUS) رغم أن رقمها التسلسلي قد تم إدراجه سابقاً في أيلول/سبتمبر 2012 تحت اسم تسجيل مختلف هو (EP-GOM). وتخضع كافة هذه الطائرات لعقوبات بسبب ورود اسم “شركة طيران بويا” على لائحة الوزارة لعام 2014، ولكن تسميتها بشكل منفرد قد تساعد شركات الطيران والشركات المالية على تطبيق هذه العقوبات بشكل أفضل.
التداعيات على السياسة الأمريكية
سيواصل «الحرس الثوري» إيجاد سبل للالتفاف على العقوبات، لذلك فمن الحكمة أن تواصل الحكومة الأمريكية الضغط حيث يكون هذا الدور أشد فعالية ويبعث رسالة أكثر قوة. وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن يستمر النظام في إعادة تسمية شركات الطيران وتأسيس شركات وهمية جديدة للحصول على طائرات وخدمات غربية؛ ويمكنه أيضاً اللجوء إلى مزودين روس أو صينيين. وقد تؤدي أحدث العقوبات على مزودي قطع [الغيار] إلى إرغام “ماهان” وشركات طيران أخرى على شراء هياكل طائرات مستعملة أو متوقفة عن العمل من نوع “إيرباص” و”بي إيه إي” لاستخدامها كمصادر لقطع الغيار.
ومع تشديد الخناق على “ماهان”، ستصبح عملياتها المحلية والدولية أكثر تكلفة وأكثر صعوبة، مما قد يدفع بطهران إلى تخصيص شركات طيران أخرى للحفاظ على الجسر الجوي لسوريا – وربما يشمل ذلك انخراطاً أكبر من قِبَل شركة “إيران للطيران”. وعليه، يجب على واشنطن أن تحذر إيران من أنها لن تتردد في إدراج الطائرات الناقلة الوطنية (التي تقوم بالفعل برحلات منتظمة إلى دمشق) على لائحتها إذا استخدمها «الحرس الثوري» الإيراني لملء طرق الإمدادات العسكرية الخاصة بـ”ماهان”. وكان قد تمّ شطب شركة “إيران للطيران” من لوائح العقوبات في إطار الاتفاق النووي الموقع عام 2015، لكن وزارة الخزانة الأمريكية قالت إنها ستعيد فرض العقوبات على جميع الكيانات المعفاة في موعد لا يتجاوز 5 تشرين الثاني/نوفمبر، لذلك قد تكون عقارب الساعة تدق أساساً بالنسبة لشركة الطيران .
أما بالنسبة للطائرتين اللتين يستخدمهما خامنئي، فقد يكون لدى وزارة الخزانة الأمريكية عدد من الأسباب التقنية لإبقائهما خارج اللائحة في الوقت الحالي. ومع ذلك، على الوزارة أن تفكر في تسميتهما بشكل منفرد، على الأقل لتعزيز موقفها بأن العقوبات الأمريكية تستهدف النظام، وليس الشعب الإيراني. ويمكن لمثل هذه الرسائل أن تمنح الإيرانيين المبرر الذي يحتاجون إليه للتعبير علناً عن شكوكهم إزاء الأنشطة العسكرية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية في المنطقة و”أهدافها الثورية”، التي تتعارض مباشرة بشكل متزايد مع المصالح الوطنية الإيرانية.
فرزين نديمي
معهد واشنطن