صادق مجلس الوزراء العراقي على توصيات لجنة حكومية لتدقيق الخروق في الانتخابات، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اليوم الثلاثاء إن “خروقا جسيمة” وقعت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي، كما صادقت الحكومة على توصيات اللجنة الوزارية العليا بخصوص هذه الخروق، بالتزامن مع تأكيد مجلس القضاء الأعلى أنه لا يمكن إلغاء النتائج. وأكد العبادي في مؤتمر صحفي أن بعض أعضاء مفوضية الانتخابات سيمنعون من السفر إلى الخارج دون إذنه.وأضاف أنه كان يؤيد في بادئ الأمر المضي قدما في العملية السياسية بعد الانتخابات “لأن كل سنة أو كل انتخابات تُسجل خروق ونمضي ونترك الشأن لمفوضية الانتخابات أن تحقق في الخروق والشكاوى”. لكنه قال إنه شعر بالقلق بعد الاطلاع على نتائج تقرير اللجنة الوزارية. وقال أيضًا ” أن التحقيقات الجارية في دعاوي تزوير الانتخابات قد تؤدي قريبا إلى صدور أوامر بحق مسؤولين في المفوضية”.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي -في بيان- إن المصادقة على الخروق شملت توصيات الآتية:
أولًا- عدم استخدام نظام الاقتراع والعد والفرز الإلكتروني في العملية الانتخابية مستقبلًا، من خلال وضع آليات ومقترحات إبان عملية التصويت المستقبلية، إضافة إلى وضع كامرات لتسجيل العملية الانتخابية للرجوع إليها عند التشكي بوجود تزوير أو حدوث خرق ما.
ثانيًّا- اقتراح تدخل تشريعي لتعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بما يضمن أناطة الإشراف وإدارة العملية الانتخابية إلى قضاة.
ثالثَا- الغاء نتائج الانتخابات في الخارج لثبوت وجود خروقات وعمليات تزوير جسيم ومتعمد وتواطؤ فيها.
رابعًا- الغاء نتائج التصويت في المراكز والمحطات الانتخابية الخاصة بتصويت النازحين التي شهدت عمليات تزوير وشابتها خروقات وتجاوزات واسعة في كل من نينوى والأنبار.
خامسًا- طلب اتخاذ الجراءات القانونية بحق المفوضين في الخارج والمدراء المفوضين للمراكز الانتخابية في الداخل ممن ثبت تلاعبهم بعملية التصويت والنتائج والطلب من رئاسة الادعاء العام بتحريك الشكوى الجزائية بعد استحصال الأذن من مجلس القضاء الأعلى استنادًا إلى احكام المادة 3/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971م المعدل لمن هم في الخارج.
سادسًا- اجراء العد والفرز اليدوي بنسبة لا تقل عن 5% لكل المراكز الانتخابية في عموم المحافظات وذلك لاجراء التدقيق والتقاطع.
ولا تقتصر اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المفوضين والمدراء في الداخل والخارج العراق بل تشمل كل المتورطين بالتزوير كالسياسيين أو سماسرة أو نواب ورفع الحصانة عنهم ومنعهم من السفر وإحالتهم إلى المحاكم الجنائية. ونظرًا لأهمية محضر اللجنة العليا قام مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية بنشر محضر اللجنة في أسفل التقرير.
وفد رحب مكتب رئيس البرلمان سليم الجبوري، بقرارات مجلس الوزراء بشأن الانتخابات.وقال المكتب الاعلامي لرئيس البرلمان في بيان ان ظروف الانتخابات وما شابها من عمليات تزوير وتلاعب انعكست سلبا على الوضع العام للبلاد وخلقت ازمات جديدة معتبرا ان كل الاجراءات المتخذة للكشف عن التزوير والتلاعب تصب في مصلحة البلد ويحفظ امنه ومستقبل اجياله.واضاف البيان ان قرارات مجلس الوزراء المهمة التي تعد تدعيما للقرارات التي اتخذها مجلس النواب بهذا الخصوص يمكن ان تمثل انعطافة كبيرة وتحولا بارزا يمكن ان يسهم بالإسراع في تشكيل الحكومة واستقرار الاوضاع.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: ما معنى أن يصادق رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي على توصيات اللجنة حكومية لتدقيق الخروق في الانتخابات ،علمًا بأن قائمته حصلت على الترتيب الثالث بين القوائم الانتخابية الفائزة في انتخابات النيابية؟
هذا يدل على أن حيدر العبادي ليس مجرد رجل سياسي يسعى فقط لتعزيز مكاسبه الشخصية، لو كان ينظر إلى عراق من ذلك المنظور كان بوسعه أن يتغاضى عن تلك الخروقات طالما ضمن وجوده في العملية السياسية، ولكن رفضه لتلك الخروقات والمهزلة التي وقعت في أثناء عملية الانتخابات إنما تدل على أنه رجل دولة يسعى للحفاظ على مصالح الدولة العراقية، لأن يدرك من خلال تجربته في حكم العراق منذ عام 2014 ولغاية الآن، وهي تجربة لم تكن سهلة على الاطلاق، فقد توصل من خلال حكمة إلى قناعة مفادها أن السلطات الدستورية في العراق إذا كانت لا تعبر عن إرادة الشعب وأن شرعيتها مشكوك فيها نتيجة تزوير إرادة شعبها، فإنها ليس بوسعا أن تحمل أمانة الحكم وتبعاته، وبالتالي فإن النتيجة تكون عراق ضعيف لا يستطيع مواجهة الأزمات والتحديات التي قد يتعرض لها في الداخل والخارج. فإنه ليس مصلحة دولة محورية في البيئة العربية والإقليمية كالعراق أن تدار أو تحكم من قبل “سياسيين” خدمتهم ظروف العراق الراهنة كي يتصدروا ويتحكموا في السلطة التشريعية التي تعد أهم السلطة في في النظام الجمهوري النيابي الديمقراطي والتي تنبثق عنها السلطة التنفيذية، فكيف يُمكن أن تدار تلك السلطتين بناء على نتائج انتخابات نيابية مزورة؟ فهذه الكارثة بعينها لذلك اتخذ حيدر العبادي موقفه الشجاع والجريء للتصدي لهذه النتائج التي قد تؤثر بشكل سلبي- إذا تركت- على حاضر ومستقبل العراق وهذا ما لا يقبله رجل دولة كحيدر العبادي. فلن يقبل أن تتكسر الانجازات التي حققتها حكومته في السنوات الماضية على صخرة نتائج الانتخابات النيابية المزورة، لان تلك الانجازات تصب في مصلحة نهوض الدولة العراقية من العثرات التي ألمت بها منذ سنوات مضت.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية