بينما تعبر الصواريخ الساحة الحمراء خلال استعراض يوم النصر الروسي في 9 أيار (مايو)، وقف بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، مباشرة إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين. وكان قد جاء من أجل تأمين الدعم الروسي لاحتواء إيران في سورية. وعلى طية صدر سترته، كان شريط سانت جورج البرتقالي والأسود، رمز الحرب العالمية الثانية الذي أصبح مرادفاً لنزعة الثأر التي جسدتها روسيا في أوكرانيا. ويبدو أن مقارباته نجحت: ففي الوقت الذي يذهب فيه هذا التقرير إلى المطبعة، كانت روسيا وإسرائيل تضعان اللمسات الأخيرة على اتفاق سيحاول أن يبقي القوات الإيرانية على بعد نحو 15 ميلا (24 كيلومترا) من الحدود الإسرائيلية في سورية.
يسلط هذا الاتفاق الضوء على التوازن الدقيق الذي يترتب على بوتين أن يحافظ عليه في الشرق الأوسط. ومنذ تدخلها في الحرب الأهلية السورية في العام 2015، وضعت روسيا نفسها كلاعب لا يمكن الاستغناء عنه، وقادر على التحدث مع كل الأطراف تقريباً. وقد احتفظت باتصالاتها مع تركيا، وأميركا، والدول العربية المتورطة في الصراع. وبشكل خاص، حافظت روسيا على علاقات جيدة مع إسرائيل، التي تتقاسم معها روابط ثقافية واقتصادية قوية، وكذلك مع إيران، شريكتها في الحفاظ على بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ولكن، بينما تشرع الحرب السورية في التراجع، ربما تشعر روسيا بأنها تحتاج إلى إيران بقدر أقل. وكانت في السابق قد نظرت إلى الناحية الأخرى بينما تقوم إسرائيل بقصف القوافل في سورية، والتي تقول إنها تحمل الأسلحة إلى حزب الله، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران، والتي خاضت حربا دموية مع إسرائيل في العام 2006. ويعتقد البعض بأن روسيا أصبحت معنية بقطع شوط أبعد في الوقت الراهن. فبينما تحاول إيران تأسيس قواعد دائماً لنفسها في سورية، قامت إسرائيل بمهاجمة مواقع هذه القوات. وفي نفس الليلة التي أقيم فيها العرض العسكري في موسكو، شنت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على القوات الإيرانية، من دون أن تعيقها الدفاعات الروسية الموجودة في سورية. ويعتقد بعض الإيرانيين بأن الرئيس بوتين زود نتنياهو بإحداثيات القواعد الإيرانية.
أما إذا كان بالإمكان إنفاذ اتفاق بين إسرائيل وروسيا حول نشر القوات الإيرانية، فعلينا أن ننتظر ونرى. ويقول نيكولاي كوزانوف، الدبلوماسي الروسي السابق في إيران والأستاذ في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ: “لدى روسيا وسائل محدودة للتأثير. سوف يعتمد الكثير على رغبات إيران نفسها”. وفي حين دعا الرئيس بوتين القوات الأجنبية إلى المغادرة عندما تنتهي الحرب، فإن فيلق إيران الخارجي، قوة القدس التابعة للحرس الثوري، التي تصنفها بعض الدول على أنها مجموعة إرهابية، يبدو عازماً على البقاء.
من ناحية أخرى، يبدو أن مصالح روسيا وإسرائيل تتقارب. ويقول مسؤول إسرائيلي رفيع: “لدينا تفاهم جيد مع روسيا ويمكننا أن نمنع حدوث أزمة سياسية أخرى في سورية. وبالقدر الذي يهمنا، سوف يستمر الأسد في الحكم”. وهذه أخبار سيئة لجماعات الثوار المتواجدة في القرى السورية المجاورة للحدود، والتي ساعدتها إسرائيل بالغذاء والإمدادات الطبية وشحنات الأسلحة الخفيفة من حين إلى آخر. ويقول قادة الثوار إنهم رأوا مسبقاً جنوداً من الميليشيات المدعومة من إيران وهم ينسحبون. وأصبح يبدو من المرجح أن يتلو ذلك هجوم يشنه نظام الأسد. وقال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي: فقط “ممثلو جيش الجمهورية العربية السورية (هم الذين يجب أن) يقفوا على حدود سورية مع إسرائيل”.
ربما لا تكون إسرائيل راضية حتى بذلك. فالقوات الإيرانية تواصل العمل في أجزاء أخرى من سورية. وكانت الطائرة المسيرة الإيرانية التي دخلت المجال الجوي الإسرائيلي في شباط (فبراير) قد جاءت من قاعدة تقع على بعد 150 ميلاً من الحدود. وإذا فشل الرئيس الأسد وداعموه الروس في احتواء إيران، فإن المزيد من الضربات ستكون متوقعة من إسرائيل –وليس ضد أهداف إيرانية فقط. ويلاحظ المسؤولون الإسرائيليون أن الطلعات الجوية يوم 10 أيار (مايو) ضربت أيضاً بطاريات الصواريخ السورية المضادة للطائرات، التي قدمتها روسيا. وقد يصبح الحفاظ على هذا التوازن أكثر صعوبة أيضاً بالنسبة لروسيا. ويقول السيد زوخاروف: “سوف تنهار استراتيجية ‘دعونا نتحدث مع الجميع’ عاجلاً أم آجلاً. عند نقطة ما، سوف ينشأ وضع تجب فيه مواجهة اختيار جدي”.