مقتدى الصدر من “سائرون”.. إلى “سائرون” مع الحشد نحو إيران

مقتدى الصدر من “سائرون”.. إلى “سائرون” مع الحشد نحو إيران

 

أهدى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتحالفه مع هادي العامري كبير قياديي الحشد الشعبي، الأصوات المنادية بمدنية الدولة إلى دعاة الدولة الدينية المرتبطة بولاية الفقيه الإيراني.

وهي خطوة سيتأكد العراقيون من خلالها أن أي محاولة لإصلاح الأوضاع في بلادهم لن يُكتب لها النجاح في ظل وجود الطبقة السياسية الحالية المتمسكة بطائفيتها بعدما ربطت مصيرها بالمصير الإيراني.

وستكون إيران الرابح الأكبر من الانتخابات العراقية لو تم لها استكمال اللعبة في فرض هذا التحالف، بعد أن أفرزت الانتخابات شيئا من الأمل لدى العراقيين من التخلص من سطوتها على العراق.

وينهي التحالف الجديد عمليا حكم حزب الدعوة في العراق إلا إذا اختار حيدر العبادي لعب نفس الدور الذي لعبه نوري المالكي قبل أكثر من 10 سنوات كمرشح ضعيف بين المتصارعين على المنصب.

وجاء تحالف الصدر والعامري ليصعّد من مسلسل المفاجآت السياسية في العراق، محققا مستويات عالية من الإثارة، بدءا من نتائج الاقتراع العام التي شهدت صعودا غير متوقع لبعض القوائم، مرورا بالجدل الذي يكاد يطيح بالعملية الانتخابية كلها، وأخيرا الإعلان “المثير للدهشة” عن تحالف القائمة التي يدعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مع القائمة التي تضم أبرز حلفاء إيران داخل العراق.

ولم تمض ساعات على تسرب أنباء عن لقاء في النجف جمع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حتى شاعت معلومات عن التوصل إلى اتفاق بين قائمة “سائرون” التي يدعمها الصدر وقائمة الفتح التي يرعاها “سليماني”.

وكان هذا التحالف مستبعدا في ما مضى بسبب تنامي خلافات الصدر مع إيران وأبرز حلفائها في العراق.

وتضم قائمة الفتح فصيلين رئيسيين؛ هما منظمة بدر بزعامة هادي العامري بثلاثة وعشرين مقعدا، وحركة عصائب أهل الحق، التي يتزعمها قيس الخزعلي بخمسة عشر مقعدا.

والخزعلي أحد مساعدي الصدر السابقين، وكان قياديا ميدانيا بارزا في جيش المهدي الذي أسسه زعيم التيار الصدري في 2004 لمقاومة الوجود الأميركي في العراق، قبل أن يقع تجميده في 2007 إثر اتهامه بارتكاب أعمال عنف طائفية ضد السنة.

وبخروج الخزعلي على الصدر، تحولا إلى عدوين لدودين، وتبادلا اتهامات غير مباشرة طيلة عشرة أعوام.

وبينما جنح الصدر نحو الوسطية الدينية واتخذ خطوات جريئة للتقارب مع السنة والعلمانيين وانفتح على المحيط العربي، ولا سيما دول الخليج، تزعم الخزعلي جناح التشدد الشيعي في العراق ووثق صلاته بالإيرانيين وصار أبرز حلفائهم.

وعززت نتائج الاقتراع العام الذي جرى في مايو، فرضية “استحالة” التقاء قائمتي الفتح وسائرون، بعدما قدمت بدائل لكل منهما، إذ هيمنت قوائم شيعية على المراكز الأربعة الأولى.

وتوقع مراقبون أن يذهب الصدر نحو تحالف مع رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي حلت قائمته في المرتبة الثالثة، مدفوعا برغبة سنية داخل العراق وتأييد خليجي من الخارج، على أن تذهب قائمة الفتح التي حلت في المركز الثاني إلى التحالف مع ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي حل رابعا، تنفيذا للإرادة الإيرانية.

وفي أول تأكيد مباشر منه لهذه المعلومات، علق الصدر قائلا إن تحالف الفتح مع سائرون يقع ضمن “الفضاء الوطني مع المحافظة على التحالف الثلاثي”.

وفهم من هذا الإعلان أن القائمة المدعومة من إيران التحقت عمليا بتفاهم سابق بين الصدر وكل من عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة وإياد علاوي زعيم القائمة الوطنية، على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي تملك الحق الدستوري في ترشيح رئيس الوزراء الجديد.

إلا أنّ سياسيا عراقيا اعتبر التحالف الجديد أشبه باستجابة الصدر لمطلب إلغاء الانتخابات ضمنيا من خلال العودة إلى البيت الشيعي.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “إن التحالف بين الكيانات التي تختلف في برامجها السياسية بعد ظهور نتائج الانتخابات يعتبر قفزا على تلك النتائج أو أن الصدر خضع لضغوط إيرانية ركزت على إمكانية أن يفلت حكم العراق من قبضة الشيعة إذا ما قفز العلمانيون إلى السلطة وهي فرضية أراد من خلالها الإيرانيون إبقاء العراق خط دفاع أول عن مشروعهم بعد أن صار واضحا أن العقوبات الأميركية قادمة لا محالة”.

وارتكب الصدر في الحالتين خطأ فادحا سيكون من الصعب تلافي أضراره في المستقبل القريب. فالحكومة التي تنتج عن تحالف مع كيان سياسي متشدد في طائفيته ومفرط في تبعيته لإيران مثل ائتلاف الفتح الذي يقوده العامري، وهو مقاتل سابق في صفوف الحرس الثوري الإيراني، لا بد أن يقود إلى تشكيل حكومة طائفية، وهو ما يعني بالضرورة فشل المشروع السياسي العابر للطوائف الذي اعتمده الصدر في برنامجه الانتخابي ومن أجله نال ائتلافه “سائرون” المرتبة الأولى في تسلسل الكتل الفائزة.

ويقول مقربون من الصدر إن تحالفه مع الفتح محكوم بشروط، أولها أن “يكون منصب رئاسة الوزراء لسائرون أو شخصية مستقلة”، مؤكدين أن من بين أهم أسباب هذا التحالف هو “قطع الطريق أمام دولة القانون بزعامة المالكي، الذي تحرك بقوة لتشكيل الكتلة الأكبر ووعد السنة والأكراد بتنازلات ضخمة في حال دعموا مشروعه”.

وكشف هؤلاء عن المزيد من الشروط التي قالوا إن الصدر قيد تحالفه مع الفتح بها، ومنها “إقرار منهاج حكومي يخدم جميع مناطق البلاد، وتشكيل حكومة كفاءات تمثل جميع العراقيين، وليست ولاءات حزبية ضيقة، وتطبيق مشروع حصر السلاح بيد الدولة”.

ويقول الصدريون إن السنة والأكراد شجعوا الصدر على الذهاب نحو القائمة المدعومة إيرانيا بشكل غير مباشر، “بعدما حاصروه خلال مفاوضات الأسابيع القليلة الماضية بمطالب تحاصصية، ورفضوا فكرته لتشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط غير السياسيين”.

ويقر هؤلاء بأن هذه الصيغة هي نتيجة تكاد تكون حتمية للنتائج المتقاربة التي أفرزتها الانتخابات، ما يفرض “اللجوء إلى خيارات صعبة”، تضمن تشكيل الحكومة بسرعة.

ويرى بعض المراقبين أن الشروط التي وضعها الصدريون على الفتح مثالية لو التزمت الأطراف بتطبيقها، لكن التجارب العراقية تؤكد أن “الانقلاب” هو الحصيلة المؤكدة لمعظم الاتفاقات التي قيدت تشكيل الحكومات السابقة.

من جهته، أعلن المتحدث الرسمي باسم قائمة الفتح، أحمد الأسدي، أن قائمتي “الفتح وسائرون تعلنان تشكيل نواة الكتلة الأكبر وتدعوان جميع الكتل الفائزة إلى المشاركة في هذا التحالف وفق برنامج حكومي يتفق عليه يكون مناسبا لمواجهة التحديات والأزمات والمشكلات التي يمر بها العراق في هذه المرحلة والمراحل القادمة وتُبنى على أساسه حكومة الخدمة الوطنية”.

وقال الأسدي إن “هذا التحالف لا يستبعد أحدا من الكتل الفائزة”، مشيرا إلى أن “الدعوة موجهة إلى الجميع ولكن من لا ينسجم مع البرنامج ومن لا يرى من هذه الكتل أن البرنامج الحكومي لا ينسجم مع برنامجه أو لا يرى فيه برنامجا ناجحا، بالتأكيد من حقه التوجه إلى المعارضة وبناء حكومة قوية تستطيع أن تقدم لكل الشعب العراقي ما ينتظره من إنجاز وخدمات”.

ويقول القيادي في منظمة بدر، كريم النوري، إن تحالف سائرون والفتح يعني “تحالف الكبار والأقوياء لتشكيل الحكومة”.

ويضيف أن هذا التحالف “رفع الاحتقان والتوتر وأبعد شبح الحرب الأهلية”، كما ضمن “استبعاد المجلس العسكري وحكومة الطوارئ”، ومغادرة “خيار إعادة الانتخابات”، في إشارة إلى الأجواء المشحونة التي رافقت إعلان النتائج، والشكوك في نزاهتها التي قادت إلى حد طرح خيار إلغائها كليا، وتشكيل حكومة عسكرية مؤقتة.

وتابع أن هذا التحالف ينسجم مع “التناغم الإيراني الأميركي، باعتبار أن الولايات المتحدة ترفض إعادة الانتخابات في العراق”، كما يحظى “بإمضاء ورضا المرجعية” الشيعية في العراق.

وزاد، أن هذا الاتفاق يعني “تحالف كتلتين تملكان قوة لا أحد يستطيع خلافهما تأزيم الأوضاع″.

العرب اللندنية