تتّجه الأزمة السياسية التي تفجّرت في العراق بسبب ما شاب العملية الانتخابية الأخيرة من شبهات تزوير واسع النطاق ورفض عدد من القوى السياسية التسليم بنتائجها، نحو الحلّ على أساس فرض الأمر الواقع وإقرار النتائج وتشكيل الحكومة في ضوئها رغم ما سيطالها من تشكيك في شرعيتها.
وأوكل مصير الانتخابات للمحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في العراق، للبت بقرار إعادتها. وقال رئيس الوزراء حيدر العبادي إنّ هذه المحكمة هي صاحبة القول الفصل بشأن قرار الإعادة من عدمه.
وبحسب أطراف سياسية عراقية، فإنّ ذلك يعني أنّه سيتم التمادي في التعامل مع مخرجات العملية الانتخابية، حتى وإن دخلت تغييرات جزئية على النتائج بفعل العدّ اليدوي، على اعتبار أنّ المحكمة المذكورة من الصعب جدّا أن تتخذ قرارا بإعادة الانتخابات. وقال نائب عراقي سابق طلب عدم التصريح باسمه، إنّ هناك إرادة سياسية داخلية وأيضا إقليمية، بتطويق الأزمة الناتجة عن الانتخابات وتجنّب إلغاء النتائج وإعادة الاقتراع، مؤكّدا أن المحكمة الاتحادية التي كانت دائما مسايرة للإرادة السياسية لن تخالفها هذه المرّة في إرادتها للملمة قضية الانتخابات، رغم وضوح حجج المطالبين بالإلغاء وكثرة الأدلّة المادية الدامغة على اتساع نطاق التزوير وعدم سلامة العملية برمّتها.
المحكمة الاتحادية العليا ذات السوابق الكثيرة في مسايرة السلطة السياسية وتوفير الغطاء القانوني لقراراتها
وشرح ذات النائب أن لرئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي مدحت المحمود سوابق كثيرة في مسايرة السلطة السياسية ودعم قراراتها وتوفير الغطاء القانوني لها حين تكون بحاجة إلى ذلك.
وأضاف موضّحا أنّ المطلوب من المحمود هذه المرّة استخدام السلطة المطلقة لمحكمته للخروج من المأزق الذي آلت إليه قضية الانتخابات وما يمكن أن يترتّب عليها من مخاطر قد تصل حدّ اندلاع العنف بين الأطراف المتصارعة على النتائج.
وختم النائب قائلا إنّ إيران صاحبة مصلحة كبيرة في تجاوز أزمة الانتخابات مخافة أن تؤدّي إلى خلخلة نفوذها الذي بنته في العراق طيلة الـ15 سنة الماضية، خصوصا وأنّها وجدت في الأخير صيغة لإعادة حلفائها إلى حكم العراق، من خلال دفع الائتلاف المدعوم من التيار الصدري إلى التحالف مع ائتلاف الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري الذي سيكون رقيبا صارما على الحكومة القادمة بغض النظر عن الشخص الذي سيقودها، وربّما يكون العبادي نفسه الذي يرجّح أن يلتحق بتحالف الصدر- العامري.
وفي مقابل منع إلغاء نتائج الانتخابات وإعادة الاقتراع، لن تمانع المحكمة الاتحادية في حدوث تغييرات جزئية على النتائج من خلال العدّ اليدوي للأصوات، إرضاء للأطراف الرافضة لنتائج الانتخابات.
ورفضت المحكمة، الأربعاء، طلبا تقدمت به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، للطعن على تعديلات أجراها البرلمان على القانون الانتخابي ألغى بموجبها الفرز الإلكتروني واعتمد اليدوي. وقرّر البرلمان العراقي، الأربعاء الماضي، تعديل قانون الانتخابات المتضمن اعتماد نظام العد والفرز اليدويين لنتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو الماضي.
وقال المتحدث باسم المحكمة إياس الساموك، في بيان، إن “المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها الأربعاء برئاسة القاضي مدحت المحمود، وحضور القضاة الأعضاء كافة، ونظرت خمسة طلبات بإصدار قرار ولائي بوقف تنفيذ أحكام (قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل)”.
وأضاف الساموك “بعد المداولة وجدت المحكمة الاتحادية العليا أن البت بالطلبات وإصدار القرار بشأنها قبل الوقوف على أقوال الطرف الآخر في الدعاوى المقامة بالطعن بأحكام قانون التعديل الثالث المشار إليه آنفا، سلبا أو إيجابيا من شأنه أن يعطي إحساسا برأي المحكمة في الدعوى الأصلية مسبقا”.
وتابع المتحدث “المحكمة الاتحادية العليا أكدت أن الأعراف القضائية المستقرة تحظر على المحكمة إبداء الرأي تصريحا أو تلميحا، في موضوع الدعوى الأصلية المعروضة عليها إلا حين إصدار الحكم الفاصل فيها”.
فيما لفت إلى أن المحكمة “قررت بالإجماع رد طلب إصدار القرار الولائي بوقف تنفيذ أحكام قانون تعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب”.
وكان مجلس القضاء الأعلى سمّى، الاثنين، تسعة قضاة جدد لعضوية مجلس المفوضين (أعلى سلطة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)، بعد أن جمد البرلمان عمل عضوية الأعضاء السابقين للمجلس على خلفية اتهامات بالفشل في إدارة عملية الاقتراع والتواطؤ في ارتكاب عمليات تزوير وتلاعب.
ووفق النتائج المعلنة، فقد حل تحالف سائرون، المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في المرتبة الأولى بـ54 مقعدا من أصل 329، يليه تحالف الفتح، المكون من أذرع سياسية لفصائل الحشد الشعبي، بزعامة هادي العامري، بـ47 مقعدا.
وبعدهما حل ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ42 مقعدا، بينما حصل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على 26 مقعدا.
وبعد أن رفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عاليا شعارات الإصلاح وتجاوز الطائفية وتحقيق استقلالية القرار العراقي، فاجأ الملاحظين بإعلان تحالفه مع هادي العامري الذي يوصف بأنّه رجل إيران القوي في العراق، ما يعني نسف شعارات الصدر بشأن السيادة الوطنية واستقلالية القرار.