صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية على مشروع قرار لصالح توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
رقم المصوّتين بالموافقة: 120 دولة (وكذلك المصوتين بالرفض: 8 دول)، شديد التعبير عن وزن فلسطين في الوجدان الجمعي لشعوب البسيطة، ومعبّر أيضاً صدوره عن تركيا، التي صارت رأس حربة في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي العربي لوأد القضية الفلسطينية تحت مسمى «صفقة القرن»، وكذلك عن الجزائر، التي ما زالت، رغم العقود الطويلة التي مرّت على استقلالها عن فرنسا، ترتبط بصلة قربى بفلسطين، عبر دلالة التحرير الدامي والمعاناة المتماثلة مع مشروع استعماري استيطاني طال كثيراً ولكنه رحل في النهاية مخلفا آثار أقدامه السوداء. الجديد في القرار الجديد كان مطالبته بإنشاء آلية دولية لحماية الشعب الفلسطيني، وهو يظهّر الحقيقة المؤلمة لكون الشعب الفلسطيني، رغم الإجماع الأممي المذهل على تأييده، لا يملك حماية يغطّيه عالميّاً، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل، وحال روسيا مع النظام السوري، كما أنه لا يملك غطاء إقليميّاً أو عربيّاً قادراً على الدفاع عنه من المخالب النووية لإسرائيل وترسانتها العسكرية الهائلة وأخطبوطها المنتشر في مراكز القوّة السياسية والمالية والإعلامية في العالم.
السلطة الفلسطينية حاولت نقل المحمول الرمزي للقرار إلى سكّة ممكنة للتنفيذ عبر الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تقديم مقترح خلال 60 يوما يحمل آليات عملية لتنفيذ القرار، وهو أمر لو حصل، فإنه سيضع دولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءها الكبار في مواجهة الأمم المتحدة.
غير أن الابتهاج من هذا القرار لا يجب أن يمنعنا من رؤية الإشكاليات السياسية الكبرى للمشروع الفلسطيني المنقسم سياسيا وجغرافيا بين رام الله وغزة، كما لا يمنعنا من رؤية الإشكالات الداخلية التي تعاني منها السلطتان، بالعلاقة مع بعضهما، وبالعلاقة مع جماهيرهما. يثير الأسى هنا أن يتناظر صدور القرار المهم المذكور مع العنف الذي قوبلت به مظاهرات «الحملة الشعبية لرفع العقوبات عن قطاع غزة» من قبل قوات الأمن الفلسطينية، وقد أثارت هذه التظاهرات أسئلة عديدة بين كتاب فلسطينيين حول انفصال العلاقة بين قيمتي التحرير والحرية، وحول إضرار الإجراءات العقابية التي تستهدف «حماس» بعموم الغزيين. وكما يمكننا مساءلة الحكومة الفلسطينية كذلك يمكن مساءلة السلطات في غزة عن الكثير من أفعالها، وقد حصلت انتقادات لربط «حماس» ما يحصل من أعمال بطولية هائلة لفلسطينيي غزة في مواجهة إسرائيل، مع إعادة الترويج للعلاقات مع إيران، وصب رصيد الفعاليات في إطار ترسمه إيران، لتتناظر فعاليات «يوم القدس» في غزة مع فعاليات مشابهة لـ«حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، و«الحرس الثوري» في إيران.
القرار الأممي الذي جاء قبل عيد الفطر هو انتصار سياسي في معركة طويلة جدا، ولكن المعارك السياسية في أروقة الأمم المتحدة ليست منفصلة عن باقي المعارك السياسية التي تدور في رام الله وغزة وباقي بلدان المنافي الفلسطينية، والحماية المطلوبة من المنظومة الأممية، لا يمكن تطبيقها لو لم يتمكن الفلسطينيون من حماية مشروعهم الداخلي.