قبيل 9 أيام فقط من موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية «التاريخية والحاسمة» في تركيا، ما زلت استطلاعات الرأي تشير إلى فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية سواء من الجولة الأولى أو الثانية، وذلك في ظل شكوك كبيرة حول قدرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية التي يمتلكها منذ 16 عاماً وهو السيناريو الذي يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات كبيرة حول استحقاقات وطبيعة المرحلة المقبلة.
وفي حال خرجت الانتخابات فعلياً بهذه اللوحة المعقدة فإن المشهد السياسي التركي سيكون قد دخل في مرحلة جديدة تختلف تماماً عن المرحلة السابقة التي سادت فيها سيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على الرئاسة والحكومة والبرلمان وهو ما شكل أرضية قوية للانسجام بين جميع السلطات في البلاد وولد حالة من الاستقرار السياسي الداخلي.
وتتفق استطلاعات الرأي على أن أردوغان سيحصل على أعلى نسبة أصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكنها تختلف في قدرته بالحصول على أكثر من 50% من هذه الأصوات وبالتالي إمكانية تأجيل الحسم إلى الجولة الثانية التي تعقد بعد أسبوعين من موعد الانتخابات المقررة في الرابع والعشرين من الشهر الحالي.
وفي حال انتقال الانتخابات الرئاسة إلى جولة ثانية، ترجح جميع الاستطلاعات والتوقعات قدرة أردوغان على حسمها بشكل أسهل وبنسبة أعلى في ظل الشكوك الواسعة حول قدرة جميع أطراف المعارضة الكردية والعلمانية والقومية والإسلامية في التوافق على دعم مرشح المعارضة الذي سيواجه أردوغان في الجولة الثانية، والمتوقع أن يكون محرم إنجي مرشح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة. وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، تبدو الأمور أصعب بكثير بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي تقول استطلاعات ومصادر من أروقته الداخلية إنه يخشى بشكل جدي عدم تمكنه من الحصول على الأغلبية البرلمانية سواء بمفرده أو من خلال إجمالي الأصوات التي سيحصل عليها «تحالف الجمهور» الذي يضم إلى جانب العدالة والتنمية حزبي الحركة القومية والوحدة الكبرى، وهو ما ينفيه الحزب رسمياً مؤكداً أن استطلاعات الرأي الخاصة به تؤكد تمكنه من الحصول بمفرده على أكثر من 300 مقعد من أصل إجمالي مقاعد البرلمان الـ600.
وبموجب الدستور التركي السابق، كان هذا السيناريو يعني بشكل واضح إعادة الانتخابات البرلمانية، واللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهو ما حصل فعلياً في الانتخابات الأخيرة عام 2015، فبعد أن فشل العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، أفشل جهود تشكيل حكومة ائتلافية وجر البلاد لانتخابات برلمانية مبكرة حصل فيها على الأغلبية بسبب الرغبة التي تتولد عند الشارع في منع دخول البلاد في فراغ سياسي والعودة لأجواء الاستقرار السياسي الداخلي. لكن هذا السيناريو بات مستبعداً الآن كون الانتخابات الحالية تجري وفق الدستور الذي أدخل عليه تعديلات جوهرية في الاستفتاء العام الذي جرى العام الماضي وتضمن تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي ومنح الرئيس صلاحيات واسعة.
وفي تفاصيل نظام الحكم الجديد الذي ما زالت الكثير من جوانبه غامضة وغير واضحة، فإن تشكيل الحكومة سيكون من صلاحيات الرئيس بشكل مباشر كما أن الوزراء سيكونون من خارج البرلمان، حيث أعلن أردوغان في السابق أن جميع الوزراء سيكونون من خارج البرلمان وأنه يخطط لأن تكون حكومته مكونة من أقل عدد ممكن من الوزراء لتقليل البيروقراطية بالبلاد. لكن الأهم، هو أن النظام الجديد لا يشترط نيل حكومة الرئيس الثقة من البرلمان كما كان في السابق، وهي النقطة الجوهرية التي كانت تجر البلاد إلى انتخابات مبكرة، وبالتالي وفي حال حصول السيناريو السابق المتمثل في فوز أردوغان بالرئاسة وخسارة حزبه بالبرلمان فإنه أردوغان- لن يجد بسهولة مسوغا قانونيا لإعادة الانتخابات البرلمانية وسيتمكن من تشكيل حكومته وإدارة البلاد من خلالها. وعلى الرغم من أن النظام الرئاسي الجديد سيمنح الرئيس صلاحيات واسعة وغير مسبوقة وسيمكنه من إدارة معظم أمور البلاد بدون العودة إلى البرلمان واتخاذ قرارات مباشرة، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء قيمة البرلمان في الحقبة الجديدة، حيث ستبقى بيده سلطات أخرى ذات أهمية وقدرة على التأثير على عمل الرئيس. ويخشى أردوغان الذي استشعر الخطر وركز في حملته الانتخابية على حث أنصاره على عدم الاكتفاء بانتخابه وإنما انتخاب العدالة والتنمية للخروج بـ»مجلس قوي» يخشى أن تخرج الانتخابات بمجلس تتمتع فيه المعارضة بأغلبية تستطيع من خلاله إعاقة عمله الرئاسي وتضيق عليه المساحة والحرية بالعمل التي سعى إليها في خطواته السابقة، إلى جانب حالة عدم التجانس في التوجهات السياسية التي ستسود العلاقة بين الرئاسة والبرلمان. وبالتالي يمكن القول إنه وفي حال حصول ذلك فإن تركيا أمام نظام سياسي مختلف عن ما كان عليه الحال طوال الـ16 عاماً الماضية، وسيكون أبرز تغيير فيه هو انتهاء حقبة السيطرة التامة لحزب العدالة والتنمية على جميع السلطات في البلاد.
إسماعيل جمال
القدس العربي