استبعد محللون سياسيون فلسطينيون إمكانية تنفيذ إسرائيل لتهديداتها بشن حملة عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، في الفترة الحالية على الأقل، بالتزامن مع المساعي الأمريكية لتنفيذ صفقة سلام أو ما أطلق عليه إعلاميا اسم “صفقة القرن”.
ونقلت القناة الثانية العبرية عن مصادر عسكرية إسرائيلية، الأربعاء الماضي، أن “إسرائيل لن تسمح باستمرار ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة، التي يتم إطلاقها من غزة باتجاه المستوطنات، حتى لو أدّى ذلك إلى الدخول في صراع عسكري واسع″.
وتسببت الطائرات الورقية المشتعلة بموجة محدودة من التصعيد بين إسرائيل وقطاع غزة فجر الأربعاء الماضي.
وهددت مستويات سياسية وأمنية رفيعة المستوى داخل إسرائيل بتنفيذ حملة عسكرية بغزة أو اغتيال قيادات من حركة “حماس″، في حال استمّر إطلاق الطائرات الورقية باتجاه الأراضي الزراعية المحاذية للقطاع، بحسب القناة الثانية.
لكن تلك التهديدات تتناقض مع المساعي الأمريكية للتخفيف من حدّة الأزمة الإنسانية في غزة، وقد تقوّض من فرصة تطبيق “صفقة القرن”؛ التي قال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، في تصريحات له مؤخراً، إنها “ستنفّذ قريباً”.
ويجمع المحللون، أن كلا الطرفين (إسرائيل وقطاع غزة) غير معنيين بأي تصعيد عسكري.
متطلبات الحرب غير جاهزة
ويقول تيسير محيسن، الكاتب والمحلل السياسي، إن “أي عدوان جديد على قطاع غزة له متطلبات ميدانية وأخرى سياسية”.
وتابع: ” تحدث الحرب في غزة حينما تتوفر معطيات على المستوى الداخلي في إسرائيل، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وفي حال توفّرت الأجواء الأمنية التي تستلزم القيام بهذه الجولة العسكرية”.
لكن حتّى اللحظة، فإن تلك المعيطات التي من أهمها حالة الاختلال الأمني على حدود إسرائيل مع القطاع، وتحشيد الرأي العام الدولي ضد غزة، بحسب محيسن “غير جاهزة”.
ويعتقد محيسن أن المعطيات قد تصبح أكثر نضجاً، خلال الشهور القادمة، وفي حال استمرت حالة “التحشيد ضد غزة، والاختلال الأمني على حدود القطاع وخاصة في ظل تكثيف إطلاق الطائرات الورقية الحارقة”.
كما أن تطوّر حالة التصعيد المتبادل بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، أكثر مما هو عليه الآن، قد يقود إلى تلك الحملة العسكرية.
وتابع قائلاً: “باعتبار أن الطرفين وضعا سقفاً محدداً لمساحة الفعل العسكرية، حيث أن المقاومة تستخدم لردودها على الاحتلال مدى محدد لا تتجاوزه ونوعية محددة من الامكانيات العسكرية”.
في المقابل، لا يخرج الاحتلال الإسرائيلي، بحسب محيسن، عن السقف “الأدنى للرد على الطائرات الورقية الحارقة باستهداف مناطق فارغة؛ دون استهداف لأشخاص أو شن اغتيالات”.
وذلك الأمر، يعطي مؤشراً واضحاً أن المنطقة غير جاهزة لأي حملة عسكرية موسعة ضد قطاع غزة، وفق محيسن.
صفقة القرن
ولا ترغب إسرائيل، وفق محيسن، بإرباك الجهود الأمريكية الرامية لتنفيذ صفقة القرن، من خلال أي حرب عسكرية في الوقت الحالي، ضد غزة.
وقال:” إسرائيل قائمة على عمل مكوكي دبلوماسي مع الجانب الأمريكي من أجل البدء بالتنفيذ الفعلي للصفقة”.
ولا يستبعد محيسن أن تكون أي حرب عسكرية في المستقبل ضد قطاع غزة جزءاً أساسياً من “صفقة القرن”.
ويضيف قائلاً:” إذا المدخل الذي تحاول من خلاله الإدارة الأمريكية لتطويع الحالة الفلسطينية بشقيها السلطة وحماس بغزة، قد فشل، فإن البديل الأمثل أمام الأطراف هو التركيع للقبول بالصفقة”.
لكن في الفترة الحالية، لم تستنفد الإدارة الأمريكية بعد أدواتها الدبلوماسية (المساعدات الإنسانية) التي تحاول من خلالها تطويع الحالة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، من أجل القبول باشتراطات “صفقة القرن” وأدواتها.
وفي حال رفض الفلسطينيون “المساعدات الإنسانية وصمدوا أمام محاولة تطويعهم”، فإن “كسر الأذرع (مصطلح سياسي) عبر الحلول العسكرية” هو البديل الذي ستلجأ إليه من أجل تنفيذ مخطط الصفقة، بحسب محيسن.
ويتفق مع محسين الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، قائلاً : “قد ننتقل لمرحلة الحرب، في حال رفض الفلسطينيون المساعدات الإنسانية، كمرحلة التطويع، من أجل إجبارهم للقبول بصفقة القرن”.
ويرى عوكل أن المرحلة الحالية لن “تحمل أي حرب جديد لقطاع غزة”؛ خاصة في ظل المساعي الأمريكية لتنفيذ صفقتهم للسلام.
وقال: “المايسترو الأمريكي (كوشنير) يعمل في المنطقة لحل ملف غزة وعندما يأتي على إسرائيل ويقول لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نريد التخفيف عن غزة حتى لا تنفجر يكون قد أعطى تعليمات بذلك وليس نصائح”.
ويعتبر عوكل، أن إسرائيل تستخدم سياسة التهديدات كبديل عن سياسة الحرب من أجل تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وهو وقف إطلاق الطائرات والورقية المشتعلة (في هذه المرحلة).
ومنذ فترة طويلة، مارست إسرائيل أسلوب التهديد سواء باغتيال قيادات “حماس″ أو بشن حرب واسعة على قطاع غزة، لكنّها لم تنفّذ تلك التهديدات لعدم اكتمال متطلبات الحرب، وفق عوكل.
وأما مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، فقد قال إنه من “المحتمل أن تكون الحرب المقبلة جزءاً من صفقة القرن، بغرض إجبار الفلسطينيين للقبول بشروط الصفقة؛ في ظل رفضهم الواضح لها”.
ردود الفعل
لكن في الفترة الحالية، فإن أي حرب ضد قطاع غزة ستعتمد بالشكل الأساسي على ردود الفعل الفلسطينية، والردود الإسرائيلية، بحسب إبراهيم.
وحاولت إسرائيل منذ انطلاق فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، في 30 مارس/ آذار الماضي، جر الفلسطينيين لـ”معركة عسكرية جديدة، لأنه هذا هو مربعها الأصلي”، وفق إبراهيم.
وأضاف:” لكن الرغبة الإسرائيلية تلك ازدادت في الآونة الاخيرة عقب إطلاق الفلسطينيين للطائرات الورقية والبالونات الحارقة وهو ما تعتبره اسرائيل خطراً جدياً عليها”.
ويقول إن “حادث صغير، قد ينشأ بسبب ردّات الفعل الفلسطينية أو الإسرائيلية، قد يوتّر الأجواء، ويتسبب باندلاع مواجهة عسكرية واسعة”.
لكن في الوقت الحالي هناك ترجيحات إسرائيلية بعدم شن عملية عسكرية، حيث أن أعمال بناء الجدار الذي يشمل عائق “تحت أرضي”، على طول حدود قطاع غزة لم ينته بعد، على حدّ قوله.
حيث تخشى إسرائيل، في حال وقوع حرب جديدة، من تكرار سيناريو خطر الأنفاق الذي تعرّضت له خلال حرب 2014.
واستخدمت الفصائل الفلسطينية المسلحة وخاصة حركة “حماس″ سلاح الأنفاق بشكل واسع للتصدي للقوات الإسرائيلية، خلال الحرب الأخيرة على غزة صيف العام 2014.
وشن الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، 3 حروب على قطاع غزة، بدأت بعملية عسكرية نهاية عام 2008، ثم هاجمت القطاع مرة ثانية نهاية 2012، فيما بدأت الحرب الأخيرة في 7 يوليو/تموز من 2014، واستمرت 51 يوماً، وثلاثتها أوقعت مئات الشهداء وآلاف الجرحى في صفوف الفلسطينيين، ناهيك عن تدمير آلاف الوحدات السكنية.
نور أبو عيشة
القدس العربي