اتجهت العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان إلى توظيف عدد من قراصنة المعلومات، الذين يعملون لدى الدولة لاكتشاف الثغرات في بنيتها التحتية، ومحاولة تأمين مرافقها الإلكترونية، وإمكانية القيام في نفس الوقت بشن هجمات إلكترونية على أعداء الدولة بهدف الحصول على معلومات استراتيجية، أو تدمير أهداف حيوية، أو تهديد خدمات حرجة؛ وهو ما يشكل نواة لما يمكن أن يطلق عليه “الجيوش الإلكترونية” التي تستخدم كأداة للضغط أو كنوع من الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها.
وقد عمدت بعض الدول إلى إنشاء وحدات للحروب الإلكترونية (Cyber Warfare) على شبكة الإنترنت من مئات أو آلاف القراصنة المحترفين، مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وحذت دول أخرى مثل روسيا حذوهم رغم قدراتها الإلكترونية المتقدمة في مجال الحروب الإلكترونية، كما نجحت الوحدة 8200 الإسرائيلية بالتعاون مع وكالة الأمن القومي الأمريكي في تغيير موازين القوى الإلكترونية من خلال التطوير الذي أحدثته في مجال الأسلحة الإلكترونية بإنشاء فيروس (Stuxnet).
وهناك اتجاه متزايد للدول لإنشاء وحدات خاصة بالحروب الإلكترونية التي تتم عبر الفضاء الإلكتروني وشبكات الحاسب الآلي، ومن أبرز هذه الوحدات الخاصة بالدول ما يلي:
1 ـ الوحدة 61398 (الصين):
هي وحدة سرية خاصة بجيش التحرير الشعبي الصيني، تقوم بعمليات التجسس الإلكتروني، وسرقة المعلومات الاقتصادية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. وتتسم عملياتها بالسرية التامة، ولا يتم الإعلان عنها.
وأكد تقرير صادر عن شركة مانديات الخاصة بالأمن الإلكتروني أن الوحدة 61398 بدأت في شن أولى هجماتها منذ عام 2006، وقامت بسرقة مئات التيرابيتس من البيانات الخاصة بـ 141 منظمة تشمل المخططات التكنولوجية، وعمليات التصنيع والبيانات والوثائق وخطط التسعير والتسويق، ورسائل البريد الإلكتروني وقوائم الاتصال. كما لوحظ أن ما لا يقل عن 115 شركة من هذه الشركات تقع في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويُعتقد أن الوحدة 61398 تخضع لإدارة المكتب الثاني التابع للإدارة الثالثة لهيئة أركان جيش التحرير الشعبي، وتقع في منطقة شنغهاي، وتقوم شركة الاتصالات الصينية بإمدادها بنوع خاص من الألياف الضوئية لنقل بيانات الإنترنت، ويعتقد التقرير أن الوحدة تضم أو أنها هي نفسها تشكل ما أطلقت عليه شركة مانديت اسم (APT1: Advanced Persistent Threat) أي التهديد المستمر المتقدم، وهي وحدة قامت بالهجوم على عدد كبير من المؤسسات الصناعية والحكومية حول العالم منذ عام 2006 على الأقل.
وتعتمد الوحدة 61398 على شبكة من القراصنة الإلكترونيين الصينيين في 13 دولة، يقع معظمها في الولايات المتحدة التي تضم أكثر من 100 جهاز كمبيوتر مخصص لغرض العمليات الإلكترونية.
وفي 18 فبراير 2013، أصدرت المخابرات المركزية الأمريكية تقريراً من 60 صفحة يتهم الوحدة 61398 بالوقوف وراء عمليات تجسس وتخريب تمت من خلال شبكة الإنترنت. وفي 19 مايو 2014، ولأول مرة في التاريخ، وجّه المدعي العام الأمريكي إريك هولدر– باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي– تهماً جنائية إلى خمسة ضباط في الوحدة 61398 التابعة للجيش الصيني بسرقة معلومات تجارية حساسة من خمسة شركات أمريكية كبرى أبرزها (يو إس ستيل، وألكوا، وستنجهاوس للإلكترونيات، وسولار ورلد)، وطلب المدعى الأمريكي من الحكومة الصينية تسليمهم للولايات المتحدة، حيث غالباً ما تواجه الصين الاتهامات الموجهة إليها بالقيام بهجمات إلكترونية أو سرقة معلومات سرية بالنفي، والادعاء بأنها أيضاً ضحية لعمليات قرصنة إلكترونية.
2 ـ قيادة الفضاء الإلكتروني (الولايات المتحدة):
استحدثت وزارة الدفاع الأمريكية ” البنتاجون” في يونيو 2009 قيادة عسكرية جديدة هي قيادة الفضاء الإلكتروني (Cyber Command) مهمتها الرد على هجمات قراصنة المعلومات وتنفيذ عمليات في الفضاء الإلكتروني. وقد تم تعيين أول جنرال عسكري لإدارة حروب الفضاء الإلكتروني، هو الجنرال ألكسندر كيث. ويستهدف البنتاجون من تلك القيادة العسكرية الجديدة أن تشرف على مختلف الجهود المتعلقة بالإنترنت في كل أجهزة القوات المسلحة، سواء من حيث تأمينها أو القيام بعمليات إلكترونية عسكرية ضد أهداف خارجية. وفي كلمه له أكد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، تشاك هيجل، أنه من المتوقع أن يصل عدد قوات القيادة العسكرية للفضاء الإلكتروني إلى 6000 مقاتل بحلول عام 2016.
وقبل استحداث هذه القيادة كانت الحكومة الأمريكية تعتمد على وكالة المخابرات المركزية (CIA) ووكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) للقيام بعملياتها في الفضاء الإلكتروني، بل إن معظم مشاريع التجسس الإلكتروني الكبرى للولايات المتحدة مثل بريزم (PRISM) وغيره نفذتها وكالة الأمن القومي.
وتتمثل المهمة الرئيسية لهذه القيادة في حماية شبكات وزارة الدفاع وأنظمتها، والاستعداد لخوض حروب الفضاء الإلكتروني والدفاع عن شبكات الدولة الأمريكية، من خلال إدارة عمليات شبكات المعلومات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكي، وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين هما: حماية حرية عمل الولايات المتحدة وحرية عمل حلفائها في الفضاء الإلكتروني، وحرمان أعداء الولايات المتحدة –عند الحاجة – من حرية العمل في الفضاء الإلكتروني.
3 ـ قراصنة الظل التابعين للحكومة (روسيا):
صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيجور يجوروف، في أكتوبر 2014 أن روسيا تخطط لبناء نظام إلكتروني شامل على مراحل يتم الانتهاء منه في عام 2017 لحماية البنية الأساسية للقوات المسلحة من الهجمات الإلكترونية. كما أمر وزير الدفاع، سيرجي شويجو، في صيف 2014 بإدراج 500 من الطلبة المتميزين في استخدام الحاسب الآلي في وحدات علمية خاصة وسيعتبر عملهم مثل الخدمة العسكرية.
ولكن هذا لا يعني أن روسيا لا تمتلك عناصر بشرية مؤهلة للقيام بالعمليات الإلكترونية، حيث تعتمد على عدد كبير من القراصنة، سواء المتطوعين أو الذين يتم توظيفهم لخدمة أغراض عسكرية، إذ قامت روسيا في عام 2007 بشن حرب إلكترونية شاملة على استونيا بسبب نقل تمثال يخلد تضحيات جنود روس في الحرب العالمية الثانية، ونتج عن ذلك شل قطاعات البنوك والوزارات وشبكات الاتصالات من خلال هجمات اختراقية سريعة ومدروسة أدت إلى دمار لوجستي كبير، ولم يعد المواطنون قادرين على إجراء معاملاتهم البنكية الإلكترونية التي يتم منها 97% منها عبر الإنترنت أو التواصل مع بعضهم بالبريد الإلكتروني لأيام عديدة، وتم تعطيل البنية التحتية للاقتصاد الرقمي الاستوني، وهو ما تكرر أيضاً في أعقاب الحرب الروسية ـ الجورجية عام 2008 حيث شنت روسيا هجمات إلكترونية من قراصنة لتعطيل شبكة البنية التحتية الجورجية.
4 ـ الوحدة 8200 (إسرائيل):
هي الوحدة المسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي، وتتمتع بعلاقات قوية تصل إلى درجة التحالف مع وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) وقيادة الفضاء الإلكتروني (US Cyber Command)، وتعتبر أهم وأكبر قاعدة تجسس إلكترونية إسرائيلية بالنقب للتنصت على البث الإذاعي والمكالمات الهاتفية والفاكس والبريد الإلكتروني في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتم تطويرها بإضافة مهام الحرب على الفضاء الإلكتروني إليها في وقت لاحق.
وقد لعبت هذه الوحدة دوراً رئيسياً في الهجوم على البرنامج النووي الإيراني من خلال تصميم فيروس ستاكسنت (Stuxnet) الذي أصاب 1000 من أجهزة الطرد المركزي الإيراني وتسبب في تعطيل جزئي لبعض وحدات الطرد المركزي الإيرانية. وقد أكد المعلق العسكري الإسرائيلي عمير رايبوبورت أن الدور الذي تقوم به وحدة 8200″، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قد جعل إسرائيل ثاني أكبر دولة في مجال التنصت في العالم، بعد الولايات المتحدة، وأشار رايبوبورت إلى أن الحواسيب المتطورة التابعة لوحدة 8200 قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية من خلال معالجة ملايين الاتصالات ومليارات الكلمات.
خلاصة ما سبق تشير إلى أن ثمة وظيفة جديدة قيد التشكل بدأت تظهر مع تعدد هذه الوحدات العسكرية الإلكترونية التي أسستها العديد من الدول؛ فقد بات المسؤولون عن هذه الوحدات يطلبون وظائف من أشخاص ذوي مهارات خاصة من أجل القيام بمهمات التجسس والهجوم الإلكتروني وصد الهجمات إن أمكن، وسوف تستمر الدول في محاولة استقطاب قراصنة المعلومات كي تستخدمهم في تحقيق أهدافها الرئيسية، سواء من خلال الدفاع أو الهجوم الإلكتروني، وذلك لما يمتلكه العديد من الأفراد من مهارات متقدمة وخبرات عالية يمكن أن تغير مفاهيم الدفاع والهجوم التقليدية.
إيهاب خليفة
مركز المستقبل للبحوث والدراسات المتقدمة