فرص الانقاذ: ضرورة انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي

فرص الانقاذ: ضرورة انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي

956

مع انتهاء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية ضد جماعة أنصار الله الحوثية بعد حوالى 27 يوماً من بدايتها بهدف منعهم من السيطرة على جنوب اليمن وإعادة الرئيس الشرعي المنتخب هادي عبد ربه منصور، والتي قادها تحالف عسكري خليجي بمشاركة مصر والمغرب والأردن والسودان، ومع البدء في عملية “إعادة الأمل” بهدف الوصل إلى حل ومخرج سياسي للأزمة اليمنية الراهنة، تزايد الحديث والنقاش في هذه الآونة حول مسألة انضمام اليمن الى مجلس التعاون الخليجي وأضحت أحد الأمور والقضايا السياسية الملحة التي فرضت نفسها على أجندة مؤتمر قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي والذى انعقد يوم الثلاثاء 5 مايو الحالي بالرياض.

لقد فرضت نتائج عملية عاصفة الحزم في اليمن ومحاولة كسر سيطرة الحوثيين الذين عصفوا بمقومات الدولة اليمنية، واقع خليجي وإقليمي معقد ومضطرب أحدث بدوره العديد من التغييرات والتحولات الكبرى في مواقف دول الخليج تجاه قضية انضمام اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي، فتفاعلات المشهد السياسي الخليجي الراهن بعد العمليات العسكرية وتجاه الواقع اليمنى المعقد أعاد هذا الملف الى دائرة الاهتمام الخليجي مرة أخرى بعد أعوام طويلة من الجمود.

أولاً- عوائق ومشروطات الانضمام قبل “عاصفة الحزم”

إن تتبع ملف وقضية انضمام اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه في مايو 1981، يظهر انه قد كانت العديد من المحاولات منذ تلك الفترة لضم اليمن الى عضوية المنظمة ولكن حالت الظروف السياسية المعقدة التي كانت تعانى منها اليمن في تلك الفترة من الانضمام، حيث كانت اليمن مقسمة الى دولتين مستقلتين، ولم يتم خلال هذه الفترة حل وتسوية النزاعات والمشكلات الحدودية بين اليمن مع كل من عمان والمملكة العربية السعودية والتي تمت تسويتها فيما بعد بتفاهمات مشتركة بالإضافة الى تداعيات الحرب الباردة وحالة الاستقطاب الدولي في تلك الفترة، والحرب العراقية الايرانية مروراً بالوحدة اليمنية في عام 1990 حيث تعززت علاقات اليمن بدول الخليج بناءً على علاقات التفاهم والأخوة والعقيدة والتاريخ المشترك الذى يجمع اليمن بدول الخليج، وصولاً بحرب الخليج الثانية وغزو العراق للكويت ووقوف الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح بجانب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين مما أدى إلى تأزم علاقة اليمن بجيرانه من دول الخليج وبالأخص الكويت والسعودية اللذان كانا يتحفظان دائما على مسألة انضمام صنعاء إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي.

لقد أثيرت مخاوف العديد من الدول الخليجية فيما مضى وبالأخص المملكة العربية السعودية من تزايد تردى الأوضاع الأمنية والسياسية في اليمن منذ عام 2007 وحالة الصراع والتوتر في محافظات جنوب اليمن التي دعت لاستفتاء لتقرير مصير الجنوب بعد حرب 1994 ، ثم ما تبعها من تصاعد حدة المواجهات مع الحوثيين في الشمال ، وعدم وضوح الملف اليمنى بشأن مكافحة الارهاب ، كل ذلك كان بمثابة مؤشرات خطورة الموقف وتهديد الداخل اليمنى المعقد على المملكة العربية السعودية.

فمنذ قمة مسقط لدول مجلس التعاون 2001 كان هناك بعض الخطوات لضم اليمن إلى بعض المنظمات والمؤسسات الخليجية. وقد كان هناك تأييد عماني لضم اليمن مقابل تحفظ سعودي وإماراتي وكويتي ثم جاءت قمة أبو ظبى عام 2006 ومؤتمر لندن للمانحين من نفس العام لتطرح أجندة اقتصادية بهدف تأهيل الاقتصاد اليمنى الذي يعانى من مشكلات هيكلية كبيرة حتى يتمكن من الاندماج في اقتصاديات منطقة الخليج، ولكن كانت كل تلك التحركات والمبادرات تتسم بالجمود وعدم الفاعلية.

ومع حدوث تغيرات سياسية واقليمية في منطقة الخليج منذ عام 2008 حدث تبدل في مواقف العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تجاه قضية انضمام اليمن، حيث أصبح هناك تأييد عماني وسعودي وقطري لاتخاذ خطوات من أجل دمج اليمن في مجلس التعاون الخليجي مقابل رفض كويتي وتحفظ إماراتي، حيث أن محصلة المواقف الخليجية من ملف انضمام اليمن في تلك الفترة كانت تتراوح بين موقفين مختلفين أولهما، تأكيد بعض دول المجلس التعاون على الانضمام المشروط وفق أجندات اقتصادية وسياسية معينة، وثانيها، رفض بعض دول مجلس التعاون الانضمام لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، مما نتج عنه مبادرات منفردة من بعض الدول مثل السعودية وقطر والامارات بهدف تحريك ملف دمج اليمن في منظومة التعاون الخليجي.

لقد تعددت عوائق وموانع انضمام اليمن إلى مجلس التعاون، فالعديد من دول المجلس ترى أن بين تلك العوائق تتمثل في فقر ومحدودية الموارد الاقتصادية في اليمن وتزايد نسبة البطالة بين الشباب لحوالي 50% مما يعنى أنه غير مؤهل اقتصادياً وفي حاجة لجهود ضخمة لتأهيله حتى يتمكن من الاندماج. بالإضافة إلى ضخامة عدد سكانه الذى يوازي سكان الخليج بأكمله مما قد يمثله من أعباء اقتصادية واجتماعية على اقتصاديات الخليج في حالة ضم اليمن، وأيضاً المشاكل السياسية الكبرة والمعقدة التي يعاني منها اليمن بالإضافة إلى اختلاف المنظومة التشريعية اليمنية عن باقي دول الخليج مما يعنى أن اليمن في حاجة إلى تقنين وترتيب أوضاعه الداخلية أولاً، وعدم تنفيذ اليمن لشروط تسهيل انضمامه إلى التجمع الخليجي وعدم قيامه بخلق بيئة استثمارية لجذب رؤوس الأموال الخليجية، بالإضافة إلى اعتقاد دول الخليج أن انضمام اليمن من شأنه أن يؤدى إلى اختلال الاقتصاد الخليجي.

ثانياً- سياسة الاحتواء الاستراتيجي والأمني وعملية إعادة الأمل

لقد أدت عملية عاصفة الحزم في اليمن بهدف إنهاء سيطرة الحوثيين وإعادة الرئيس اليمنى المنتخب هادى عبد ربه منصور وما تبعها من الاعلان عن عملية ” إعادة الأمل” بهدف الوصول إلى حل سياسي لهذه الأزمة، الى بروز واقع إقليمي خليجي مختلف عن ذي قبل، وتغير تقديرات وحسابات كل دول الخليج بشأن قضية انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.

لقد كان من أبرز تداعيات عملية عاصفة الحزم في اليمن أن دول الخليج قد أدركت بشكل قاطع أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن دوائر الأمن الإقليمي المحيطة، والذى تمثل فيه اليمن العمق الأمني والاستراتيجي لجميع دول الخليج.

فاليمن بقدراتها وإمكاناتها الجيوسياسية والجغرافية مؤهلة بشكل كبير لأن تلعب دوراً محورياً هاماً في تقوية وتعزيز قدرات وإمكانات دول المجلس، فهي بمثابة الظهير الاستراتيجي الخلفي لكل من السعودية وكل دول الخليج وذلك من خلال قدرتها على حماية الحدود البرية الملاصقة لهم من تسلل العناصر الارهابية المتطرفة والجهادية من اليمن.

إن موقع اليمن المطل على ثلاث بحار البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي إضافة الى خليج عدن ومضيق باب المندب يجعلها في غاية الأهمية الجيوسياسية بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكنها مستقبلاً من مواجهة العديد من المشاكل المتعلقة بتأمين طرق نقل النفط الخليجي الى الأسواق العالمية، وإمكانية اشتراك اليمن في المستقبل بإقامة مشروعات خطوط انابيب لتصدير النفط والغاز الخليجي عبر الموانئ والمنافذ البحرية اليمنية، إضافة إلى تواجد اليمن قبالة منطقة القرن الإفريقي وهى منطقة في غاية الأهمية الاستراتيجية والتي أصبحت مركزاً لنشاط العديد من القوى الدولية، والبؤر الارهابية، حيث أنه يمكن استغلال الجوار الجغرافي لليمن لهذه المنطقة لإقامة خطوط تعاون بين منطقة الخليج العربي والقرن الإفريقي عبر اليمن وذلك بهدف تفادى خطر الارهاب وتعزيز التواجد الخليجي في هذه المنطقة.

بالإضافة إلى ما سبق تمتلك اليمن قوة سكانية وبشرية على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية حوالى 25 مليون نسمة بالإضافة إلى احتلال الفئة العمرية من الشباب نسبة كبيرة حوالى 75% من عدد السكان في اليمن، وهذا على جانب كبيرة من الاهمية من الناحية الاقتصادية لأنه سيؤدى الى اتساع حجم السوق الخليجي إضافة الى فتح المجال أمام تدفق العمالة اليمنية والتي تتميز بأجور منخفضة مقارنة بالعمالة الآسيوية المنتشرة بدول الخليج، بالإضافة إلى تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى اليمن مما يمنح مجلس التعاون الخليجي قوة وقيمة اقتصادية مضافة مقارنة بالتكتلات الاقتصادية الأخرى، وهذا من شأنه تعظيم المنافع الاقتصادية لدول المجلس وخلق أسواق كبيرة في حالة انضمام اليمن، فالتكامل الاقتصادي الإقليمي يؤدى إلى التغلب على الآثار السلبية للاقتصادات الأصغر حجماً وتسهيل الوصول للأسواق وزيادة الاستثمار الخارجي المباشر سواء من داخل دول المنظمة أو من خارجه.

أن تواجد اليمن في إطار دائرة الأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يؤدى الى تحييد أدوار القوى الخارجية وخاصة الدور الإيراني على الساحة اليمنية حتى لا تتمكن من العبث بأمن دول الخليج، حيث أن طهران كانت تسعى من وراء دعم وصول الحوثيين إلى السلطة في اليمن إلى امتلاك أوراق ضغط إقليمية جديدة في مواجهة السعودية وأيضًا سيؤدى إلى تعزيز الأمن الثقافي والاجتماعي لدول منطقة الخليج بالنظر الى الدور الذى يمكن أن تمارسه اليمن في الحفاظ على الشكل والتكوين العربي للبيئة الاجتماعية بدول الخليج والتي أضحت العناصر الآسيوية تمثل فيها نسبة كبيرة بما يحمله من مخاطر التغول السكاني والثقافي الآسيوي التي قد تهدد بعض دول الخليج.

ثالثاً- تقديرات خليجية جديدة

بتحليل مواقف الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي نستطيع القول أنها قد باتت ترى أن هذا هو الوقت الأنسب لقبول انضمام اليمن في مجلس التعاون الخليجي حتى يكون تدخلهم في اليمن مرة أخرى بعد ذلك له مبرراته، كحالة الوضع السابق في البحرين، فاليمن بها مخزون بشري هائل بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الهام على ثلاث بحار ومضيقين هم الأكثر أهمية استراتيجياً على مستوى العالم، فاليمن كل ما يحتاجه هو احتواء خليجي فعال.

إن الوضع الاقتصادي المتدني في اليمن ليس عائقاً في قبوله ضمن مجلس التعاون بل ربما يكون دافعاً في ذلك كحالة قبول اليونان في الاتحاد الأوروبي، فاليمن هي الدولة الأهم التي يجب احتواءها لأسباب استراتيجية وأمنية بعيدة المدى، أما الوضع السياسي المتردي فمن الممكن إصلاحه ضمن سلسلة إجراءات خليجية وفق منظومة مجلس التعاون، ولكن على دول الخليج أن تتوقف عن نغمة التعالي على اليمنيين لفقرهم ولوضعهم السياسي، فاليمن هي خاصرة الخليج الأمنية الرخوة التي إن سقطت سقط معها أمن الخليج برمته.

إن انضمام اليمن لمجلس التعاون هو لحاجة أمنية ملحة، فإذا كان هناك اشتراطات جانبية من جانب دول مجلس التعاون فلتكن بعد قبولها خليجياً، فليس من المعقول أن تعتبر دول الخليج أمن اليمن جزءاً من أمن الخليج ثم يتم التنصل بعد ذلك من انضمامها الى مجلس التعاون لأسباب وخلافات جانبية مقارنة مع تزايد الوجود الإيراني في المنطقة المهدد لمصالح دول الخليج وتحول طهران الى رقم مهم في الأزمة السياسية اليمنية في ظل الدعم الواضح الذي تقدمه لجماعة أنصار الله الحوثية منذ التسعينيات والذى اتخذ منحنى تصاعدياً عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، مما فرض تداعيات سلبية مباشرة على مصالح دول الخليج ككل.

والجدير بالذكر في هذا الإطار أنه توجد العديد من المؤشرات التي تؤكد على أن مسألة قبول اليمن ضمن دول مجلس التعاون الخليجي قد أصبحت مسألة وقت، وذلك مع انعقاد قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالرياض 5 مايو، حيث بات هناك شبه إجماع لدى دول الخليج على ضرورة انضمام اليمن إلى المجلس، وأن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وقادة دول الخليج قد تعهدوا للرئيس اليمنى بالعمل على ضم اليمن لتعزيز الأمن القومي لدول الخليج وللوقوف ضد الخطر الإيراني وإعادة إعماره بعد عملية عاصفة الحزم.

وختاماً، يمكن القول، أنه مع تزايد التوقعات بإجماع وتوافق دول مجلس التعاون الخليجي على قبول ضم اليمن والبدء في إجراءات الضم بعد قمة الرياض الأخيرة، يجب التأكيد على أن انضمام اليمن إلى منظومة التعاون الخليجي بعد البدء في عملية إعادة الأمل التي تهدف إلى إعادة إعمار اليمن وتعزيز الجهود الدبلوماسية للخروج بحل سياسي لجميع الأطراف المتنازعة، سيكون له نتائج غاية في الأهمية في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي في اليمن وتحقيق مكاسب استراتيجية وأمنية في الأمد المنظور على مستوى منطقة الخليج ككل، ولكن بشرط التركيز على التأهيل الاقتصادي وإعادة الإعمار في فترة ما بعد عاصفة الحزم وذلك بهدف ضمان عودة مقومات الدولة بشكل كامل وفعال مما سيكون له الأثر الإيجابي على مستقبل مجلس التعاون الخليجي الذى يتوقع أن تزداد وتتعزز قوته وفعاليته السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط بعد الانضمام المرتقب.

محمود صافي محمود

المركز العربي للبحوث والدراسات