بدائل مكلفة: هل تُقدِّم دول المنطقة حلولا غير تقليدية لأزمة ندرة المياه؟

بدائل مكلفة: هل تُقدِّم دول المنطقة حلولا غير تقليدية لأزمة ندرة المياه؟

3405

يبدو أن استجابة منطقة الشرق الأوسط لأزمة ندرة المياه العميقة لديها، تسير بوتيرة سريعة، لا سيما مع تأزم موقف بعض دول الإقليم في حسم الصراع على إدارة موارد المياه المشتركة. وإزاء تلك الأزمة التي تتفاقم أكثر مع نمو الطلب على المياه سنويًّا، وضعت كثيرٌ من الدول مثل المغرب والأردن ومصر، مشروعات المياه على أولوية أجندة استثماراتها منذ بداية العقد الماضي، وطرحت عدة مشروعات لتحلية المياه، وإعادة استخدام مياه الصرف. ويطرح هذا السعي الحثيث من قبل دول الإقليم للتوسع في مشروعات المياه تساؤلات عن تحديات التمويل، لا سيما بالنسبة للدول غير النفطية، بالإضافة إلى تحديات تشريعية وسياسية أخرى.

أزمة متفاقمة:

تتفاقم أزمةُ ندرة المياه في الشرق الأوسط مع ارتفاع النمو السكاني الذي يزيد معدله عن 2.5% سنويًّا، مما يؤدي إلى انخفاض نصيب الفرد السنوي من الماء، وطبقًا لتقديرات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بلغ نصيب الفرد السنوي من الماء في المنطقة العربية 2925 مترًا مكعبًا عام 1962، بينما تراجع في عام 2011 ليصل إلى 743.5 مترًا مكعبًا، وهو معدل أقل من مستوى خط الفقر المائي الذي يُقدر بـ1000 متر مكعب سنويًّا، بينما يبلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من الماء على مستوى العالم 7240 مترًا مكعبًا. وبذلك، تُشير المعدلات السابقة إلى خطورة أزمة المياه في منطقة الشرق الأوسط، مما يقتضي من دولها اعتماد استراتيجيات بهدف حوكمة المياه، وإدارة ندرتها، وترشيد استهلاكها لحماية حقوق الأجيال القادمة.

الاستجابات الرئيسية للأزمة:

إزاء موقفها المائي الصعب، تضمنت استجابات دول المنطقة لإدارة ندرة المياه محورين رئيسيين، أحدهما يتصل بعرض المياه، والآخر بالطلب عليها.

1- إدارة العرض: فيما يتعلق بسعيها لتنمية مواردها المائية، عمدت عدة دول بالمنطقة لتعزيز مشاريع تحلية المياه، وقد أطلقت المغرب أول مشروع لتحلية المياه في عام 2014 لتزويد مدينة أغادير في وسط غرب البلاد بنحو 100 ألف متر مكعب يوميًّا، ويأتي هذا المشروع في إطار المخطط المائي المغربي 2030 لتوفير 400 مليون متر مكعب من المياه سنويًّا من تحلية المياه.

ونالت مشروعات المياه نصيبًا من التعاون الإقليمي، حيث وقعت الأردن مع إسرائيل، في فبراير 2015، اتفاقًا لتنفيذ مشروع “ناقل البحرين” (البحر الأحمر-البحر الميت)، الذي يرعاه البنك الدولي، ويستهدف نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وإنشاء محطة لتحلية مياه، بما سيوفر للجانبين 70 مليون متر مكعب مياه سنويًّا.

وفي مصر، كانت مشروعات تحلية المياه من ضمن المشروعات التي عرضت على وفود المستثمرين بمؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي عقد خلال شهر مارس 2015 بشرم الشيخ، حيث طرحت عدة مشروعات لتحلية المياه أمام المستثمرين بمدن الغردقة، وشرم الشيخ، والعلمين، وسفاجا.

وعلى نحو آخر، كانت معالجة مياه الصرف الصحي أحد البدائل الأخرى التي لجأت إليها دول المنطقة لإعادة استخدامها في الأغراض غير المنزلية، كالزراعة، وفي هذا الإطار، تخطط دول مثل مصر والأردن والمغرب لزيادة مواردها المائية باستخدام مياه الصرف المعالجة خلال السنوات المقبلة. وستحاول المغرب إنتاج 300 مليون متر مكعب من مياه الصرف سنويًّا.

وكمورد آخر للمياه، تعاونت الأردن مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من أجل اعتماد مشروعات الحصاد المائي، وحفر آبار تجميع مياه الأمطار، في محافظتي إربد والمفرق، وذلك عام 2014. فيما تحاول لبنان زيادة قدراتها لتخزين المياه، للتغلب على أزمة الجفاف بفصل الصيف، وقد حصلت خلال العام الماضي على قرض بقيمة 474 مليون دولار من البنك الدولي، لمعالجة أزمة المياه في منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان التي يعيش فيها نصف سكان لبنان، عبر بناء سد وخزانات للمياه.

2- إدارة الطلب: تؤيد بعض المؤسسات الدولية الاتجاه نحو تسعير المياه بناءً على تكلفتها الحقيقية، فمن وجهة نظرها فإن دعم المياه وبيعها دون تكلفتها يتسبب في سلوك غير رشيد للمستهلك، وارتفاع نسب هدر المياه، ويبدو أن اتجاه حكومات عديدة بالمنطقة في هذا الشأن كان موافقًا لهذه الآراء، وخلال 2014 أعلنت الحكومة المغربية رفع الدعم عن مياه الشرب نهائيًّا بدءًا من أغسطس الماضي، وحتى عام 2017، فيما تنوي الحكومة الأردنية رفع أسعار المياه تدريجيًّا على مدى أربع سنوات بنسبة عشرة أضعاف التسعيرة الحالية.

وتلقى برامج كفاءة استخدام المياه أيضًا دعمًا كبيرًا من قبل حكومات المنطقة، في ظل مساندة دولية بدت قوية، لا سيما ما يتصل بتحسين كفاءة الري. ورغم ذلك، من الملاحظ، أن أغلب هذه البرامج بدول المنطقة، لم تلقَ نجاحًا كبيرًا. إلا أن التغير الأكبر الذي ربما تشهده المنطقة في هذا الصدد، هو تغير التركيب المحصولي، بحيث تتجه أكثر نحو المحاصيل الأقل استخدامًا للمياه؛ حيث تستحوذ الزراعة على أكثر من 80% من المياه بالمنطقة.

عراقيل متعددة:

يبدو أن الخيارات التمويلية أمام مشروعات المياه في الشرق الأوسط، ما زالت ضيقةً إلى حد ما، فمع ارتفاع تكلفة هذه المشروعات، وصعوبة استرداد التكلفة، عادةً ما يتم تمويلها من خلال الحكومات، وما يصعب من مشاركة القطاع الخاص في القيام بهذه المشروعات، أن خدمات المياه ما زالت تقدم بأسعار مدعومة دون تكلفتها، ولكن على جانب آخر، تُشارك مؤسسات التمويل الدولية -في بعض الأحيان- كما في الأردن ومصر على نطاق أقل في تمويلها. وتذهب بعض التقديرات إلى أن دول المنطقة ستنفق 300 مليار دولار على مشروعات المياه وتحلية المياه بانتهاء عام 2022. ومن ثمّ فإن التساؤل الأهم في هذا السياق: كيف ستتحمل حكومات المنطقة هذه التكلفة الضخمة في ظل ارتفاع عجز ميزانياتها خاصة فيما بعد الثورات العربية؟.

وكذلك، تُعاني بعض دول المنطقة من تحديات تشريعية ومؤسسية تتمثل في تعدد المؤسسات والهيئات المسئولة عن مشروعات المياه والصرف الصحي، وكذلك تعدد القوانين المنظمة لعملها. وبجانب هذه التحديات، ربما يكون رفع أسعار المياه بدول المنطقة مصدرًا إضافيًّا للاحتقان الاجتماعي بعد إعادة هيكلة دعم الوقود بعدة دول بالمنطقة.

وبناءً على العرض السابق، إزاء تفاقم أزمة المياه، والتهديدات التي تحملها، يبدو مناسبًا في ضوء ارتفاع تكلفة استثمارات مشروعات المياه أن يشارك القطاع الخاص في هذا المشروعات، وهو ما لن يتأتى إلا في ضوء إعادة هيكلة تسعير خدمات المياه، كما تحتاج دول المنطقة لرفع مستوى الاستثمارات في البحث والتطوير الخاص بمجال إدارة ندرة المياه وحوكمتها، فضلا عن أنه من الضروري لدول المنطقة اعتماد حوافز لترشيد استهلاك المياه في مجال الزراعة والصناعة.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية