“في 25 حزيران/يونيو، خاطب سونر چاغاپتاي، ليزيل هينتز، نيك دانفورث، وريتش أوتزن منتدى سياسي في معهد واشنطن. وچاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد. وهينتز هي أستاذة مساعدة في “كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة”. ودانفورث هو محلل أقدم في “مشروع الأمن القومي” في “مركز السياسات للحزبين الجمهوري والديمقراطي”. وأوتزن هو مستشار أقدم في الجيش الأمريكي وعضو في “فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
سونر چاغاپتاي
لولا «حزب الحركة القومية» الذي يتزعمه دولت بهتشلي، لما فاز الرئيس رجب طيب أردوغان و «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في ٢٤ حزيران/ يونيو. فقد تخطّى أردوغان عتبة الـ ٥٠ في المائة وفاز في الانتخابات الرئاسية فقط لأن بهتشلي لم يرشّح منافساً للرئيس التركي، بل طلب من قاعدته الانتخابية التصويت لصالح أردوغان. وفيما يخص الانتخابات البرلمانية، حصل تحالف «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» على الأغلبية التشريعية.
وبينما فاز «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات، فقد يكون «حزب الحركة القومية» القومي المتشدد هو الفائز الأكبر. إذ يبدو أن عدد كبير من ناخبي «حزب العدالة والتنمية» غيروا آرائهم وقرروا التصويت لصالح «حزب الحركة القومية»، مما أدّى إلى زيادة رصيد مقاعده في البرلمان. والأهم من ذلك أنّ أردوغان أصبح الآن مديناً لـ «حزب الحركة القومية» على الرغم من اكتسابه المزيد من السلطة.
ومن نتائج هذا التحول هو أن النقاش الداخلي في تركيا بشأن القضية الكردية سيصبح أكثر صعوبة. فمن المرجح أن تتبنى الحكومة سياسات أكثر صرامةً تجاه كل من «وحدات حماية الشعب» في سوريا وتنظيمها الأم «حزب العمال الكردستاني» في تركيا. ويشمل ذلك انتقادات أكثر شدّةً للشراكة الأمريكية مع «وحدات حماية الشعب».
ومن المرجح أيضاً أن يصبح بهتشلي من أشد المنتقدين للنفوذ الروسي على السياسة الخارجية التركية نظراً لأن حزبه يحمل عداوةً قويةً لروسيا. ومن شأن ذلك أن يعقّد جهود أردوغان للحفاظ على تعايش سلمي مع الكرملين حول قضايا مختلفة.
أما بالنسبة إلى فصائل المعارضة، فقد كان أداء محرم إنجه من «حزب الشعب الجمهوري» جيداً في الانتخابات الرئاسية، حيث فاز بأكثر من ٣٠ في المائة من الأصوات – وهي النسبة الأكبر بالنسبة لمرشح ذو ميول يسارية منذ عام ١٩٩١. ويشار إلى أنه يمكن إيجاد تقارب مع إنجه، وعلى غرار إردوغان، باستطاعته تصوير نفسه على أنه “ابن الشعب”. أمّا رئيسة «حزب الخير» ميرال أكشينار فكان أداؤها جيداً أيضاً، لا سيّما أنها مُنعت من الوصول إلى وسائل الإعلام، حيث تسيطر شركات مؤيدة لأردوغان على ٩٠ في المائة منها.
وبالنسبة لـ «حزب الشعوب الديمقراطي» المؤيد للأكراد فقد خسر بعض الأصوات في الأقاليم التي تقطنها أغلبية كردية في شرق تركيا، ومع ذلك فقد تمكن من تجاوز العتبة المطلوبة لدخول البرلمان البالغة ١٠ في المائة. ويعود الفضل الأكبر لذلك إلى المجموعة الليبرالية الاثنية التركية في الأقاليم الغربية التي أرادت أن يصل الحزب إلى السلطة التشريعية لأسباب تكتيكية.
أما في الصورة الكبرى، فتُظهر النتائج أن حكم أردوغان الشعبوي قد عكّر استقرار البلاد بشدة ودفعها إلى الاستقطاب، وأوجد أيضاً غرفتي صدى: الأولى تتألف من الأشخاص الذين يودونه، والثانية من أولئك الذين يمقتونه. وتعيش هاتان المجموعتان في واقعين مختلفين حالياً – إذ لا يرغب أي منهما أن يفهم الطرف الآخر أو يعترف به أو يتعاطف معه. ولم يعد الناخبون ينتقلون من المعسكر المؤيد لأردوغان إلى المعسكر المناهض له أو العكس بالعكس، بل أصبحوا يتنقلون داخل غرفتي الصدى الخاصتين بهما. وكان هامش فوز أردوغان الذي بلغ نسبة ٥٢ في المائة مشابه تماماً لنتائج استفتائه الدستوري لعام ٢٠١٧.
ليزيل هينتز
لم تكن هذه الانتخابات عادلة أو حرة أيضاً. فقد تمّت العملية برمتها في ظل حالة الطوارئ التي طال أمدها، مما حدّ بشكل كبير من حريات المعارضة. فبالإضافة إلى التغطية الإعلامية المتحيزة، تم احتجاز أحد مرشحي المعارضة وهو رئيس «حزب الشعوب الديمقراطي» [(«حزب ديمقراطية الشعوب»)] صلاح الدين دميرتاش طوال فترة الحملة الانتخابية، وتم نقل بعض صناديق الاقتراع عمداً لمنع بعض الناخبين من الوصول إليها. وفي المرحلة الراهنة، سيظل أردوغان يسيطر على جزء كبير من الحياة العامة التركية حتى لو قام برفع حالة الطوارئ.
ومع ذلك، فلا يزال أردوغان قائداً براغماتياً، وقد أقام شراكات مع مجموعات عديدة سابقاً. ولكن عندما يتجاوز هؤلاء الشركاء حدودهم (كمناصري غولن، على سبيل المثال) أو يهددون بتقويض سلطته بأي شكل من الأشكال، فإنه يسارع إلى الانتقام، وعندئذ تتدهور العلاقات بسرعة كبيرة. وفي هذه المرة، تحالف أردوغان مع بهتشلي.
وتتألف قاعدة ناخبي «حزب الحركة القومية» بشكل عام من القوميين والمحافظين والمتدينين، لذا سيجلب الحزب كل هذه الصفات إلى الحكومة الجديدة. وسيبقى المجال السياسي حول القضية الكردية مغلقاً، وسيؤيد الممثلون الهوية التركية/ ذات الأصول التركية في السياسة الخارجية. كما سيكونون أكثر حذراً من روسيا والولايات المتحدة، حيث يشككون في علاقات أنقرة مع كلا البلدين ويتكلمون بوضوح عن رفضهم الكبير لتحالف الولايات المتحدة مع «وحدات حماية الشعب» في سوريا.
ومن ناحية أخرى، يُعدّ إنجه زعيماً مشاكساً وقوياً قام بحشد العديد من الناس وولّد إحساساً بالأمل. وزار جميع قادة المعارضة الآخرين في الفترة التي سبقت الانتخابات، لافتاً الانتباه إلى دميرتاش المسجون، وتبرع أيضاً بشكل رمزي بـ ٥٠٠ ليرة لحملة كل مرشح. لذا سيكون من الجدير النظر بما يفعله للحفاظ على زخمه.
نيك دانفورث
سيستمر أردوغان [في سياساته] كما نعرفه، بل سيزيد من حدة تصرفاته ومواقفه بعد انتهاء الانتخابات. فقد خرج من هذا الفوز مدركاً أن أسلوبه القتالي أصبح مبرَراً داخل البلاد وخارجها. وفي خطاباته يصوّر نفسه على أنه الضحية – حيث يدّعي أنه يحارب النخبة التركية الراسخة في الداخل، ويحذّر من عودة أولئك الذين يعارضونه في الخارج في أي لحظة لتبديد المكاسب التي حققها.
ويقيناً، أن أردوغان يريد أن تبقى تركيا ديمقراطيةً، طالما لا يتعارض ذلك مع بقائه في السلطة. فقد حافظ على بنية الديمقراطية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى متى يمكن أن يستمر هذا الترتيب الهش. وتعتمد الإجابة على المدة التي تشعر فيها المعارضة بأنها قادرة على منافسة حكمه بشكل عادل قبل اللجوء إلى المزيد من وسائل المواجهة. ومن الأمور المشجعة أن أحزاب المعارضة أبدت تضامنها مع بعضها البعض خلال الانتخابات، ولكن الأمر المحبط أنها خسرت رغم اتحادها.
وفي المرحلة القادمة، سيمنح التحالف القائم بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الحركة القومية» الفئات القومية صوتاً قوياً في الحكومة. وحيث آمن أردوغان وحلفاؤه الجدد أنّ صناديق الاقتراع قد أثبتت أن أجندتهم هي الصحيحة، سيصبحون أكثر تشدداً تجاه الأكراد وحركة غولن والغرب. وعلى وجه الخصوص، يريد أردوغان حل القضية الكردية ولكن من موقع قوة. وبينما يرغب في إقامة علاقات أفضل مع الغرب، يرى أنه يجب إعادة بنائها وفقاً لشروطه. وبعبارة أخرى، أمام الغرب فرصةً لبداية جديدة مع تركيا، ولكن من خلال القبول بوجود أردوغان وبقائه في السلطة.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، من المرجح أن تتجه الحكومة التركية الجديدة نحو المكاسب السهلة المنال أولاً – وبالتحديد، إقامة تحالفات مع شركاء غير معقدين نسبياً مثل فنزويلا أو صربيا، والتي يمكن لموافقتهم الدبلوماسية أن تمنح أنقرة شعوراً بالفخر والشرعية. أما بالنسبة للعلاقات مع موسكو، فلا يريد أحد في تركيا أن تحل الهيمنة الروسية محل الهيمنة الأمريكية، لذا لا ينبغي لواشنطن أن تشعر بالقلق إزاء لجوء تركيا إلى الشرق. فاليوم أكثر من أي وقت مضى، قد تواجه تركيا الأمور بمفردها.
ريتش أوتزن
يجب ألا تقلل تقييمات هذه الدورة الانتخابية من الأسباب المختلفة الداعية للتفاؤل. إذ تعتبر تركيا مجتمعاً سياسياً واقعياً قومياً لا يثق عموماً بالغرباء، سواء كانوا حلفاء أم أعداء. وستبقى تركيا شريكاً صعباً في المستقبل المنظور، ولكن أيضاً حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة. ومن وجهة النظر السياسية الأمريكية، يُعتبر أردوغان زعيماً مثيراً للجدل لا يمكن تجاهل نهجه المزعج تجاه المعايير الديمقراطية. لكن في الوقت الحالي، إنه لأمر جيد أن تُذكر هذه الانتخابات باعتبارها ممارسة معقولة للديمقراطية في منطقة تكاد تنعدم فيها الديمقراطية.
ومن هذا المنظور، لا ينبغي أن تكون الزيادة في أصوات «حزب الحركة القومية» مفاجئة. فقد كانت استجابةً وطنيةً عكسية لمخاوف الشعب التركي. فالثقافة الاستراتيجية للبلاد هي آلية توازن رباعية، بين الغرب والمنطقة الأوروبية الآسيوية والعالم الإسلامي والسيادة الثقافية المطلقة. وعندما ينشأ أي شعور بالخطر من جانب واحد أو أكثر من هذه الأطراف، تُحوّل الجمهورية توازنها نحو الجوانب الأخرى. وفي الآونة الأخيرة، كان هذا الشعور بالتهديد قادماً من سوريا والغرب.
أمّا السبب الآخر الذي يدعو إلى التفاؤل فهو أن بيئة ما بعد الانتخابات ستكون بطبيعتها أكثر مرونةً بالنسبة لأردوغان وباقي الأطياف السياسية في تركيا، فضلاً عن أن «حزب العدالة والتنمية» منظم جيداً ويُنظر إليه على أنه منظمة بإمكانها إدارة الدولة. كما أن أحزاب المعارضة ليست كبيرةً بما يكفي للتغلب على «حزب العدالة والتنمية» رأساً برأس، ولكن تشكيل ائتلاف منحها فرصةً لإظهار أنها ستكون كبيرةً وفعالةً بما يكفي للتعامل مع أعباء الحكم إذا فازت في الانتخابات المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، عملت بشكل فعّال على حشد المجتمع المدني للتحقق من مراكز التصويت وصناديق الاقتراع، الأمر الذي ساهم إلى حد ما في تبديد المخاوف المتعلقة بتزوير أصوات الناخبين.
ينبغي على أردوغان أن يساوم الآن – وقد لا يحبّذ المراقبون الغربيون أنه سيساوم عموماً مع «حزب الحركة القومية» القومي المتشدد، لكنه لا يزال نتيجة إيجابية بشكل عام. وتشير بيانات الاقتراع إلى أنه لم يعد قادراً على الحصول على ترخيص كامل لانتهاج أي سياسة أو الحصول على موجة مرتفعة من الدعم الشعبي. فعدد الأصوات التي حصل عليها بين الناخبين الشباب كانت ضئيلةً بشكل خاص. وبالمثل، أصبح «حزب العدالة والتنمية» مقيداً على نحو متزايد وسيحتاج إلى التعاون والتفاوض مع شركاء على الجانب الآخر من الطيف السياسي.
أمّا الأخبار السيئة فهي أن تركيا ستستمر في تعقيد نفس الأمور الحساسة والصعبة للغاية التي تحاول واشنطن القيام بها في العراق وسوريا. ولا يزال يتعيّن حل العديد من القضايا الثنائية الصعبة – كأمن الحدود السورية، واحتجاز تركيا للمواطنين الأمريكيين، والمخاوف بشأن حالة الطوارئ الدائمة، وشراء تركيا صواريخ روسية من طراز “أس-400” – حيث لم تصبح أي من هذه الأمور أكثر سهولة مع نتائج الانتخابات. ومع ذلك، لم يكن [من المتوقع] أن تصبح أنقرة شريكاً يسهل التعامل معه حتى لو فاز إنجه. ولا يرغب القادة الأتراك من مختلف الأطياف السياسية أن تملي الولايات المتحدة ما يفعلونه في منطقتهم.
وفي الوقت نفسه، كان الاتفاق الأخير بشأن خارطة طريق لمنبج بمثابة علامة جيدة على تمكُّن الشريكين من التغلب على الخلافات والتوترات الناجمة عنها والتعاون عن كثب بشأن القضايا الاستفزازية في المنطقة. ومع هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» بمساعدة «وحدات حماية الشعب» وعدم وجود خطر من إنشاء ممر كردي متاخم للحدود الجنوبية لتركيا، تشير التوقعات إلى أن أنقرة ستكبح جماح خطابها العنيف تجاه الغرب بصورة تدريجية.
إيغيكان آلن فاي
معهد واشنطن