من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان حكمه يحسبون الآن الأرباح العديدة التي تجمعت لديهم من واقعة إقامة كأس العالم لكرة القدم في بلادهم هذا العام، ولعلها فاقت، بالنسبة لهم، أكثر توقعاتهم خيالا.
لم توفر إدارة بوتين مجهوداً لإنجاح الحدث، فرغم الانحدار الشديد لأسعار النفط فقد تمكنت من إيجاد المال الكافي لبناء أو إعادة تجديد 12 ملعبا (ستاديوم)، وأخضعت مدينة موسكو لعملية تجميل استغرقت سنتين، كما ضبطت بقوّة تحركات الغوغاء الروس المشهورين بمعاركهم، وتمكنت من جذب أكثر من نصف مليون زائر.
في قائمة الأهداف الكبيرة التي سعت إليها القيادة الروسية التغطية على دورها في توطيد أركان نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومشاركتها في المجازر الكبرى التي جرت (وتجري) منذ تدخّلها العسكري هناك عام 2015، وإلحاقها شبه جزيرة القرم عام 2014، وكذلك على حادثة تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا.
استفادت روسيا من شهرة اللاعبين الموجودين على أرضها، فاستغلت وجود النجم المصري محمد صلاح لإظهاره مع رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، وهو ما أثار جدلا كبيرا، كما أنها فازت بمكافأة رياضية كبيرة أيضا بانتقال المنتخب الروسي المفاجئ للمنافسة في دور الثمانية بفوزه على اسبانيا (والذي تجاوزت احتفالات الروس به احتفالاتهم بالانتصار في الحرب العالمية الثانية!)، وبعد فترة تهدئة بسيطة في سوريا، تابعت طائراتها ومقاتلات النظام قصف المدنيين في درعا، وهجّرت مئات الآلاف من بلداتهم وقراهم.
حظيت روسيا في هذه الأثناء على مكافأة سياسية كبرى: إقرار لقاء قمّة لبوتين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قريبا (الذي امتدح تنظيم موسكو الدقيق للألعاب)، كما حصلت على مكافأة رياضية كبيرة أيضا: انتقال المنتخب الروسي المفاجئ للمنافسة في دور الثمانية بفوزه على اسبانيا (والذي تجاوزت احتفالات الروس به احتفالاتهم بالانتصار في الحرب العالمية الثانية!).
رغم كل ذلك فإن الأرقام الرسمية الروسية تشير إلى أن قيادة بوتين أخذ البنية التحتية الحقيقية لشعبه في طريق انحدار كبير، فعدد المدارس عام 2000 كان 68100 مدرسة وهو الآن 41000، وكان عدد المستشفيات حين جاء للسلطة 10700 فيما هو اليوم 5400، وحجم الأماكن التي أعلن أنها غير صالحة للعيش تضاعف. الرقم الوحيد الذي زاد هو عدد الموظفين البيروقراطيين، من 1.2 مليون إلى 2.2 مليون، ورغم حقبة أسعار النفط المرتفعة فإن اقتصاد روسيا هو أضعف من عام 1990، فيما تضاعف الاقتصاد الصيني، في الحقبة نفسها، أربع مرات، وتضاعف الاقتصاد الأمريكي مرتين.
ضربة الحظّ الكبرى لقيادة بوتين جاءت مع وصول ترامب للسلطة، وكذلك مع نموّ اليمين المتطرّف في أوروبا.
لقد قدّم قرار ترامب بفرض عقوبات على إيران جرعتين كبيرتين من الدعم لبوتين: تتمثل الأولى في الصعود المتوقع لأسعار النفط، والثانية في الوكالة التي ستسلم لروسيا في سوريا مقابل إضعاف إيران وإخراجها، أما صعود الاتجاهات الشعبوية الأوروبية فسيتكفّل بإضعاف القرار الأوروبي ويوفّر لبوتين مخارج ممكنة من العقوبات الدولية المفروضة على بلاده.
لقد فاز بوتين بالمونديال ولكنه لم يفز باللعبة الكبرى بعد.