حددت ايران والدول الخمس الموقعة على الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، 11 هدفاً بينها تمكين طهران من تصدير نفط وغاز، لإنقاذ الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. لكنها أقرّت بوجوب إعداد «حلول عملية» تحمي تطبيعاً تجارياً مع ايران، يعوّض خسائر العقوبات الأميركية التي يبدأ تطبيقها في آب (أغسطس) المقبل.
في الوقت ذاته، شدّدت الولايات المتحدة ودول أوروبية ضغوطاً على طهران، بعد إعلان بروكسيل وباريس وبرلين اعتقال 6 أشخاص، بينهم الديبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي في ألمانيا، لاتهامه بالتواصل مع زوجين بلجيكيَين من أصل إيراني احتُجزا الأسبوع الماضي، واتهمتهما السلطات بالتخطيط لشنّ هجوم خلال مؤتمر لمنظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة في باريس.
وأعلنت أجهزة الاستخبارات الهولندية «طرد شخصين معتمدين لدى السفارة الإيرانية» في البلاد، مستدركة أنها «لن تقدّم مزيداً من المعلومات». وبثّ التلفزيون الرسمي الهولندي أن الطرد حدث في 7 حزيران (يونيو) الماضي.
أتى ذلك بعد ساعات على تغريدة كتبها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ورد فيها: «جلب النظام الإيراني معاناة وموتاً إلى العالم وشعبه. فقط في أوروبا، أسفرت اغتيالات وتفجيرات وهجمات أخرى إرهابية رعتها إيران، عن وفيات لا تُحصى. نأمل بأن يثير الأوروبيون ذلك مع (الرئيس الإيراني حسن) روحاني و(وزير الخارجية محمد جواد) ظريف خلال جولتهما الأوروبية. حان وقت مواجهة الحقائق حول النظام الإيراني الخبيث».
ووضع الوزير رابطاً لتقرير نشره الموقع الإلكتروني للخارجية الأميركية، عن «نشاط عملاني» رعته طهران في أوروبا، بين عامّي 1979 و2018، ونشاط مشابه رعاه «حزب الله» اللبناني بين عامَي 1983 و2017. وتضمّن التقرير مقتل 4 ناشطين أكراد في برلين عام 1992، واغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق شاهبور بختيار في فرنسا عام 1991، ومقتل سياح إسرائيليين في بلغاريا بتفجير باص أقلّهم عام 2012.
في فيينا، التقى وزراء خارجية ايران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا، للمرة الأولى منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، في أيار (مايو) الماضي، ومطالبة الولايات المتحدة الدول الأخرى بقطع وارداتها من النفط الإيراني، بحلول الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إذا أرادت تفادي عقوبات تفرضها واشنطن، علماً أن غالبية الشركات والمؤسسات المالية الأوروبية الكبرى أحجمت عن ضمان التبادل التجاري مع طهران.
وأصدرت ايران والدول الخمس بعد الاجتماع أمس بياناً مشتركاً أشار الى نقاشات «في أجواء بنّاءة تتسم بالثقة»، ونشَرَ لائحة من 11 هدفاً لـ «تأمين حلول عملية لإبقاء تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع ايران». وبين هذه الأهداف تأييد حق طهران في «مواصلة» تصدير نفط وغاز، و»إبقاء قنوات مالية فاعلة مع ايران، واستمرار التبادل بحراً وبراً وجواً وعبر السكك الحديد، وتطوير تغطية الائتمان عند التصدير، ودعم واضح وفاعل للمشغلين الاقتصاديين الذين يتاجرون مع ايران، وتشجيع الاستثمارات الجديدة فيها، وحماية أولئك المشغلين لجهة استثماراتهم ونشاطاتهم المالية». ولم تحدد الدول الموقعة على البيان وسائل عملية لتحقيق ذلك، مكتفية بأنها ستعمل لإعداد «حلول عملية عبر جهود ثنائية».
وقال ظريف: «جميع الأعضاء، حتى الحلفاء الثلاثة (لواشنطن، برلين وباريس ولندن) تعهدوا، ولديهم الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات ومقاومة الولايات المتحدة». وأضاف: «يجب تنفيذ كل الالتزامات التي تم التعهد بها اليوم (أمس) قبل مهلة آب. يعود الأمر للقيادة في طهران لتقرر هل عليها البقاء في الاتفاق (النووي). الاقتراح ليس محدداً ولا كاملاً».
وكان الوزير الإيراني كتب على «تويتر» قبل الاجتماع: «أتوقع من زملائي تقديم تعهدات واضحة وقابلة للتنفيذ، بدل وعود كبرى غير محددة».
وتلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بعد المحادثات، بياناً للوفود الستة، قائلة: «اتفق المشاركون على مواصلة المضيّ مع متابعة وثيقة، وأن تجتمع اللجنة المشتركة مجدداً، بما يشمل الاجتماع على المستوى الوزاري، لدفع الجهود المشتركة إلى أمام». ولم ترد على أسئلة الصحافيين.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن المجتمعين اتفقوا على إيجاد سبل للتعامل مع إيران بمعزل عن «نزوة» الولايات المتحدة، علماً أن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال قبل الاجتماع: «نقدّم عرضاً نراه مثيراً للاهتمام». وأقرّ في الوقت ذاته بأن الأوروبيين «لا يمكنهم تعويض كل شيء» لإيران، لافتاً الى انهم يريدون «أن يُظهروا لها أن انسحاباً (من الاتفاق النووي) سينطوي على سلبيات كثيرة».
أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان فحضّ الإيرانيين على «التوقف عن التهديد بخرق التزاماتهم بموجب الاتفاق»، وزاد: «نحاول وضع (الحزمة الاقتصادية الأوروبية) قبل فرض العقوبات (الأميركية) مطلع آب والمجموعة التالية من العقوبات المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر). بالنسبة الى آب الوقت يبدو ضيقاً، لكننا سنحاول إنجاز الأمر بحلول تشرين الثاني».
وتحدث ديبلوماسي أوروبي بارز عن «تحقيق تقدّم يشمل حماية بعض مبيعات (النفط) الخام». وكان روحاني أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الحزمة التي اقترحها الأوروبيون لتعويض انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي «لا تتضمّن كل مطالب» طهران. ووصف الحزمة بأنها «مخيّبة»، في اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، معتبراً أنها «تفتقر إلى خطة عمل أو خريطة طريق واضحة لمواصلة التعاون، ولم تتضمّن سوى وعود عامة».