تثير تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن استهداف شحنات النفط، التي تمر عبر مضيق هرمز، مخاوف من أن تجد طهران نفسها في وضع المحاصر الذي لا يمتلك أي خيارات سوى خلط الأوراق بإغلاق المضيق الذي تمر منه أربعون في المئة من النفط التي يتم توزيعها في العالم.
ويقول خبراء إن السلطات الإيرانية قد تجد نفسها مضطرة إلى هذه الخطوة، التي تطلق عليها “الخطة ب”، تحت وقع ضغط المتشددين بالداخل، فضلا عن تمسك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع كل السبل أمام أي حوار مع طهران يفضي إلى السماح لها بتصدير كميات ولو محدودة من نفطها لمجاراة وضعها الاقتصادي الصعب.
ويشير الخبراء إلى أن إغلاق المضيق، وفضلا عن تداعياته الأمنية غير المحسوبة على إيران والمنطقة، سيضع السلطات الإيرانية في مواجهة حلفائها الإقليميين، لافتين إلى أن هذه الخطوة ستربك المنظومة الحاكمة في العراق التي تكابد للإمساك باقتصاد ينهشه الفساد، فضلا عن إرباك الحليف القطري الذي يعيش وضعا صعبا بسبب المقاطعة، خاصة أنه راهن على إيران لكي تمثل له طوق نجاة بدل البحث عن حلول دائمة مع جيرانه.
وتسربت الحيرة إلى الكويت، وهي دولة ظلت مترددة في تطبيق إجراءات صارمة ضد إيران في سياق موقف خليجي عربي أميركي. فقد طالب برلمانيون كويتيون، الجمعة، حكومة بلادهم بوضع خطط واضحة، تحسبا لتنفيذ تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، ومنع تصدير شحنات النفط إلى الدول المجاورة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقادة آخرون، قد هددوا مؤخرا بإغلاق المضيق “حال منع الولايات المتحدة بلادهم من تصدير نفطها”.
وقال النائب الكويتي أسامة الشاهين إن تهديدات قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني (بهذا الشأن)، “مزعجة، وتعتبر مظهرا جديدا من مظاهر العدوانية الإيرانية”.
وأضاف الشاهين أنه “رغم أن الخلاف أميركي-إيراني، فإن تهديداته انصبت على دول الخليج مباشرة دون مراعاة لشعوبها قبل أنظمتها”.
وتوقع المحلل النفطي، أحمد حسن كرم، أن “تدخل الكويت أزمة كبيرة حال إقدام إيران على إغلاق المضيق الذي يعتبر حيويا بالنسبة لها”، مشيرا إلى أن “ذلك الأمر سيجبر الكويت على وقف إنتاجها بالكامل، لأن المضيق يعد المنفذ الوحيد للصادرات الكويتية النفطية”.
ويقول متابعون للأزمة إن التوتر الإيراني في إدارة الخلاف مع أميركا لم يجلب لطهران دعما دوليا، وعلى العكس فقد أثار تخوف قوى كانت محسوبة تقليديا على تفهم الموقف الإيراني مثل الصين التي لم تخف انتقادها لإيران لتهديدها بوقف تصدير النفط عبر مضيق هرمز.
وقال دبلوماسي صيني كبير، الجمعة، إن على إيران أن تبذل المزيد من الجهد لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط والانسجام مع جيرانها.
والسعودية والعراق والكويت بين أهم موردي النفط للصين، بينما تمدها قطر بالغاز الطبيعي المسال وبالتالي فإن أي إغلاق للمضيق ستكون له عواقب وخيمة على اقتصادها.
ويمر عبر مضيق هرمز ثلث صادرات العالم من النفط التي تنقل عبر البحار يوميا، وهو يربط الدول المنتجة للخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في مناطق آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأميركا الشمالية وغيرها.
ومن الواضح أن إيران بدأت تخسر دائرة كبيرة من الدول التي عارضت قرار ترامب بإعادة فرض عقوبات جديدة على طهران ووقف العمل بالاتفاق النووي والمزايا التي يوفرها للاقتصاد الإيراني، خاصة في ضوء مساع لتحميل أوروبا نتائج الانسحاب الأميركي من الاتفاق والمطالبة بتعويضات.
وأقرت ألمانيا بأن أوروبا لا يمكنها التعويض بشكل كامل لطهران عن الخسائر المترتبة على انسحاب شركاتها من إيران، محذرة طهران من أن انسحابها من الاتفاق النووي سيلحق باقتصادها أضرارا أكبر.
وفي مايو انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتفاق متعدد الأطراف يقضي برفع عقوبات عن إيران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. وطلبت واشنطن بعد ذلك من الدول الامتناع عن شراء النفط الإيراني اعتبارا من الرابع من نوفمبر وإلا واجهت عقوبات مالية.
وكانت واشنطن قالت الخميس إن البحرية الأميركية مستعدة لضمان حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة عبر مضيق هرمز إذا اقتضت الضرورة.
لكن المراقبين يستبعدون أن تنساق الولايات المتحدة إلى التصعيد العسكري حتى لو بادرت إيران إلى وقف مسار شحنات النفط، أو خلقت أجواء من عدم الاستقرار الأمني بمضيق هرمز، مشددين على أن استراتيجية ترامب تقوم على تضييق الخيارات على إيران وليس على مهاجمتها وإعطائها مسوغات لتنفيذ عمليات إرهابية سواء ضد أمن السفن النفطية أو في مواقع أخرى حيث تتمركز أذرع إيران وميليشياتها مثل لبنان أو اليمن أو العراق.
وأشاروا إلى أن الحزم الذي تبديه إدارة ترامب ضد تعامل الشركات الغربية مع إيران يهدف إلى مقاطعة النفط الإيراني بالطرق المعهودة وليس حظره ومنع تصديره.
وليس مستبعدا أن تسعى إيران لاستثمار التوتر بسبب ملفها النفطي لارتكاب حماقات محدودة المساحة والتأثير في محاولة لفك الضغوط الأميركية التي تلقى تفهما إقليميا ودوليا واسعا بسبب أنشطة إيران التخريبية في الشرق الأوسط.
ويعتقد محللون سياسيون أن ما يربك إيران أكثر من العقوبات الاقتصادية أن إدارة ترامب خلقت مناخا دوليا وإقليميا داعما لاستراتيجيتها في إرباك الدور الإيراني عبر تفاهمات مع روسيا وإسرائيل في سوريا، ودعم التحالف العربي في اليمن في مسعاه لاستعادة الشرعية التي افتكها الحوثيون بقوة السلاح.
يضاف إلى ذلك إضعاف حزب الله باعتماد العقوبات المالية التي سيطول تأثيرها الاقتصاد اللبناني إذا لم تتحرك الأوساط السياسية المختلفة لإجبار حزب الله على وقف تدخلاته الخارجي