باستثناء مجموعاته القصصية الثلاث “عالم ليس لنا، و”موت سرير رقم 12” و”أرض البرتقال الحزين”، وروايته “رجال في الشمس”، فإن أعماله العشرة بما تتضمنّه من روايات ومسرح وقصة قصيرة قد ألّفها بعد نكسة حزيران عام 1967، وهي محطّة فاصلة في الأدب العربي بمجمله.
بقدر ما كان كنفاني متصلّباً في مواقفه السياسية تجاه قضايا التحرّر الوطني وكذلك في إيمانه بتلازمه مع التحرر الاجتماعي، فإنه نظر إلى الأدب بوصفه تمثّلاً للمقاومة بحسب رؤيته لها والتي تفترض الاعتراف بالهزيمة والتفكيرّ بأسبابها وتداعياتها، وكيفية النهوض وتجاوزها في آن، لذا لا يبدو مستغرباً تصريحه لإحدى المحطات الإذاعية الإسكندفانية حين قال “في عملي السياسي أدافع عن المنظمة التي أنتمي إليها.. في قصصي أعطي شخصياتي حرية التعبير عن مواقفهم دون تحفظ”.
مساران مختلفان حد التضاد رسما تصوّره نحو الكتابة؛ الأول يتمثّل في حنين المنفيّ إلى الماضي الذي يريد أن يراه كما كان عليه من قبل، كما لو أنه لم يبتعد عنه ولم يتغير هو وماضيه مع تقادم الزمن، والثاني يتعلّق بتأملاته المكثفة والواعية في جوهر الصراع وتحوّلاته على مستوى الذاكرة والهوية والجدران التي تشيّد وتنهار في كلّ مرحلة لأنها محضّ وهم.
في “عائد إلى حيفا” التي صدرت عام 1969، تبرز مراجعات كنفاني العديدة التي تتجاوز الواقع السياسي لحظة الانكسار والتراجع، إذ قرر باكراً أن يواجه فكرة “العودة المنقوصة” حين عاد بطل روايته إلى مدينته حيفا زائراً بعد ضمّ الضفة الغربية إلى الاحتلال، حيث فتحت البوابة من الجهة الأخرى (بإذن المحتل) وأن ابنه الذي فقده عند خروجه من بيته عام 1948 قد أصبح مجنداً في صفوف العدو بعدما تغير اسمه وهويته.
تبدو الصدمة مركبة في هذا العمل، حين أراد صاحب “ما تبقى لكم” أن يقول إن الوطن ليس مجرّد ذكريات مضت تتحوّل إلى صور وأيقونات تنتمي إلى الماضي، كما أخفق في رسمه القادة والزعماء، وان الإنسان محكوم إلى حاضره؛ أي إلى قضيته، التي تستند إلى الحقائق وليس إلى الأمنيات، وكأنه يرى ما حلّ بالوطن بعد عودة بعض أهله إلى “دولة فلسطينية” عقب عدّة عقود.
سفيان طارق
العربي الجديد