لندن – تخفي تصريحات المسؤولين الإيرانيين المتفائلة بدعم دولي لبلادهم في مواجهة الصرامة الأميركية قلقا متصاعدا بشأن العقوبات التي تنوي واشنطن البدء في تنفيذها في نوفمبر القادم، ما قد يجرّ الاقتصاد الإيراني إلى أزمة جديدة، وهو ما يفسر مساعي طهران إلى سحب الأموال المودعة في الخارج قبل هذا الموعد.
وذكرت صحيفة “بيلد” الألمانية على موقعها الإلكتروني، الاثنين، أن النظام الإيراني يخشى من نفاد السيولة لديه، وذلك عند دخول العقوبات الأميركية المشددة على القطاع المالي الإيراني حيز التنفيذ.
وأكدت الحكومة الألمانية ما جاء في تقرير الصحيفة، حيث قالت متحدثة باسم وزارة المالية الألمانية، الاثنين في برلين، إنه يجري حاليا فحص الأمر من جانب الوكالة الاتحادية الألمانية للرقابة المالية.
وأضافت “بحسب معلوماتي، فإن هذه أول مرة يجري فيها فحص مثل هذه الحالة”.
ومن جانبه، قال متحدث باسم الخارجية الألمانية إن جزءا من المراجعات يتعلق “بما إذا كانت هناك انتهاكات لنظام العقوبات” عبر هذا الإجراء.
وجاء في تقرير الصحيفة أن إيران ذكرت في تبرير خططها أن هناك حاجة إلى أموال “لإعطائها إلى أفراد إيرانيين يعتمدون على اليورو النقدي في جولاتهم الخارجية بسبب الصعوبات التي يواجهونها في الحصول على بطاقات ائتمان معترف بها”.
وذكرت الصحيفة أن هذه الخطط أثارت قلق الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، حيث تخشى من أن تُستخدم هذه الأموال في تمويل الإرهاب على سبيل المثال.
وفي المقابل، ذكرت مصادر في الحكومة الألمانية أن الاستخبارات الألمانية ليست لديها أدلة على ذلك.
وتجد ألمانيا نفسها في وضع صعب، فإذا استجابت للمطالب الإيرانية فستبدو وكأنها تقف ضد إرادة واشنطن في إجبار طهران على مراجعة جذرية لسياستها في الشرق الأوسط. لكن امتناعها عن التفويت، ولو في جزء من الطلبات الإيرانية، سيفهم على أن ألمانيا ومن ورائها أوروبا اختارت التضحية بمصالح شركاتها وانحازت إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي لا تهتمّ سوى بمصالحها.
ويقول محللون إن الضجة التي تحيط بالطلب الإيراني ستكشف للسلطات في طهران الصعوبات التي ستجدها في المستقبل قبل الموعد الجديد للعقوبات وبعده، وأن الرهان على خلاف أوروبي أميركي قد يساعدها على كسر العقوبات أمر مستبعد.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن البنك التجاري الأوروبي الإيراني في مدينة هامبورغ الألمانية يمتلك أرصدة كبيرة للنظام الإيراني. ويدير حسابات هذا المصرف البنك الاتحادي الألماني بوندسبنك.
وتأمل الخطط الإيرانية أن يصرف البنك الاتحادي الألماني 300 مليون يورو نقدا ويسلمها لمسؤولين إيرانيين، لينقلوها بعد ذلك إلى طهران على متن طائرات إيرانية.
ووفقا لمعلومات بيلد، فإن ديوان المستشارية ووزارتي الخارجية والمالية الألمانيتين معنية بهذه الخطة على أعلى مستوى. ويتولى المفاوضات من الجانب الإيراني علي تارزالي، وهو مسؤول بارز في البنك المركزي الإيراني، الذي تشمله العقوبات الأميركية.
وما يجعل هذه الخطة شائكة ومثيرة لاستياء إسرائيل والولايات المتحدة هو أن النظام الإيراني يستخدم على نحو متكرر أموالا نقدية باليورو أو الدولار لتمويل ميليشيات في الحرب في سوريا أو حزب الله، إلى جانب تهديد أمن إسرائيل.
وأكدت مصادر حكومية ألمانية للصحيفة خطط النظام الإيراني قائلة “الوكالة الاتحادية الألمانية للرقابة المالية بدأت مراجعة للبنك، وفقا لقانون المصارف وغسل الأموال”.
وتنظر طهران بقلق بالغ لما يجري من انسحاب متواصل للشركات الغربية من السوق الإيرانية، بالرغم من تصريحات المسؤولين الغربيين ولقاءاتهم “المتفائلة” مع نظرائهم الإيرانيين.
وأعلنت شركة سي.أم.إي.سي.جي.أم الفرنسية، وهي واحدة من كبرى شركات الشحن في العالم، السبت، وقف أنشطتها في إيران خوفا من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
ورغم ما تبديه أوروبا من “تفهم” متعلق بانفتاحها على السوق الإيرانية، إلا أن حساباتها تتجه للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة. ويشير مراقبون إلى أن أوروبا بدأت تضغط على طهران لتقليص نفوذها الخارجي، وخاصة الشبكات التي تديرها في أوروبا.
واحتجت طهران، الأحد، على طرد هولندا دبلوماسيين إيرانيين اثنين، وهددت لاهاي بـ”الردّ” على هذا “التصرف غير الودي ذي التأثيرات المدمرة”.
وجرى طرد الدبلوماسيين الإيرانيين قبل حملة الاعتقالات التي أعلنت عنها، الاثنين، السلطات الفرنسية والبلجيكية والألمانية وشملت ستة أشخاص، بينهم دبلوماسي إيراني يعمل في فيينا، متهمين بالتورط في خطة تفجير كان سيستهدف تجمعا للمعارضة الإيرانية في 30 يونيو بضواحي باريس.
ويعتقد المراقبون أنه مع تقدم الوقت ستزيد الأزمة من ثقلها السياسي على السلطات في إيران، خاصة أن الإيرانيين من الصعب أن يتحملوا سنوات جديدة من العقوبات يمكن تلافيها بقرار من طهران بالتخلي عن التدخل في الأزمات الخارجية ووقف أحلام تصدير الثورة إلى المحيط العربي والإسلامي.
ويشير هؤلاء إلى أن رفض التورط في الأزمات الخارجية أصبح مطلبا جديا في الشارع الإيراني لتفادي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي ستتعمق ولا شك مع العقوبات الجديدة، خاصة في ضوء توسع دائرة الفساد داخل السلطة الدينية وفي الحزام الداعم لها والمستفيد منها.
وقال الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، الذي يعدّ أبرز وجوه التيار الإصلاحي، الأحد، إن “الفساد بلغ مستوى يشكّل خطرا على البلاد والثورة”، وأنه لم يعد يميز بين “الإصلاحيين والمحافظين، في ما يتعلق بموضوع الفساد المتفشي في البلاد”.
العرب