الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا.. معاناة إنسانية برسم التسعير

الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا.. معاناة إنسانية برسم التسعير

2015511105413181734_19

مع سقوط نظام القذافي انهار مؤسسات الدولة الليبية، واستشرت الفوضى والانفلات الأمني مما جعل ليبيا وجهة مفضلة لطالبي الهجرة السرية صوب أوروبا، فالسواحل الأوروبية قريبة والأمن منعدم في المنافذ البحرية والبرية. ظلت الهجرة السرية عبر ليبيا متحكما فيها نسبيا طيلة عهد القذافي، ومع سقوط نظامه أصبحت الهجرة السرية نحو أوروبا سلعة رائجة، بل إن الأمر أصبح من القوة والحضور بحيث صارت مواقع التواصل الاجتماعي تُستغل للترويج لهذه الظاهرة. ومن أبرز مصادر الهجرة الإفريقية نحو ليبيا: منطقة القرن الإفريقي ومنطقة الساحل فضلا عن منطقتي الشرق الأوسط والمغرب العربي. وهي هجرة تمر بمسار من ثلاث مراحل: الوصول لليبيا ويمر عبر طرق متعددة ومتنوعة بحسب جهة الوصول تعرض لها المقال، فالتوصيل للشاطئ الليبي وهي مرحلة محفوفة بالمخاطر والمرحلة الأخيرة مرحلة التجميع بمدن الساحل الليبي قبل الصعود إلى قوارب الموت وهي مرحلة تشرف المليشيات المسلحة الليبية. ولكل من هذه المراحل تكلفة مالية يدفعها المهاجر لجهة معينة. ومن الملاحظ أن بعض التنظيمات الجهادية كداعش ضارت تدفع ببعض منتسبيها إلى الدخول في هذه المغامرة للوصل إلى أوروبا وهو ما جعل الأجهزة الأمنية الأوربية تتعامل بحساسية شديدة مع هذا الملف. وأثناء العبور عبر قوارب الموت فإن الكثير من المهاجرين يلاقون حتفهم أو يحجزون في حالة نجاتهم في ملاجئ بإيطاليا. ومن المؤسف أن دول الاتحاد الأوروبي تنظر إلى المسألة من زاوية أمنية بحتة ولا تهتم بالجانب الإنساني لها. وما دام الوضع في ليبيا منقسما بين حكومتين فإن هذا الاستقطاب سيدفع بهذا المشكل إلى مزيد من التكريس.

توطئة

تسارعت وتيرة الهجرة غير الشرعية واتسع نطاقها من قِبل المهاجرين من دول الجنوب كردِّ فعلٍ على الإجراءات الأمنية الصارمة التي لجأت اليها الدول الأوروبية بُعيْد إصدارها “القانون الجديد للهجرة” في العام 1995 المتعلِّق أساسًا بمسألة التجمع العائلي أو حقِّ لمِّ الشمل للحدِّ من تدفق المهاجرين إلى أراضيها.

وعرفت الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا الغربية مسْرَبَيْن أساسيين: الأول: عبر الحدود الروسية ودول أوروبا الشرقية (وتحديدًا أوكرانيا وبولندا والمجر)، والثاني: عبر البحر الأبيض المتوسط من خلال دول ثلاث، هي: المغرب وتونس وليبيا.

وحتى مطلع العام 2011 ظلَّت الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط متحكَّمًا فيها من قِبل حكومات الدول المغاربية الثلاث؛ حيث شكَّلت ورقة ضغط من قِبلهم لابتزاز القارة العجوز التي استجابت في أحايين كثيرة لمطالب الدول المغاربية الثلاث إمَّا عبر الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية المبرمة بين بعض دول الاتحاد الأوروبي وهذه الدول، أو من خلال تنسيقات أمنية؛ الأمر الذي جعل أعداد المهاجرين غير الشرعيين تتناقص بشكل كبير حتى وصلت في ليبيا إلى 234 مهاجرًا فقط طيلة العام 2010(2)! إلا أن سقوط النظام الليبي السابق أدى إلى انهيار شبه كلي لمؤسسات الدولة الليبية, ومكَّن الميليشيات المدنية المسلَّحة التي حاربت القذافي من السيطرة على مقومات الدولة الليبية فاستباحت المؤسسات العامة وحلَّت محل المؤسسة الأمنية والعسكرية مما جعل السنوات الأربع التي أعقبت سقوط النظام السابق في ليبيا تتسم بقدر كبير من الفساد والفوضى والانفلات الأمني؛ الأمر الذي أحال ليبيا إلى دولة فاشلة وجعل منها الوجهة المفضلة للهجرة السرية صوب أوروبا نظرًا إلى قربها من السواحل الأوروبية ولانعدام الأمن فيها.

نظام القذافي وملف الهجرة غير الشرعية

كان القذافي يتبنى وجهة نظر وجيهة حيال ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتلخص في اعتبار القضية مشكلة إنسانية واقتصادية بالمقام الأول تجب معالجتها وفق منظور إنساني أشمل وأعمَّ يتعلق ببُعد تنموي من أبرز ملامحه خلق فرص عمل عبر ضخِّ استثمارات في الدول الفقيرة المصدِّرة للمهاجرين لتوطينهم في بلدانهم وأن يتم ذلك من خلال تعاون دولي واسع.

ورغم وجاهة مثل هذا الطرح إلا أنه لم يجد استجابة لدى الاتحاد الأوروبي أو المجتمع الدولي، واقتصر الأمر على تعاون ثنائي بين ليبيا وإيطاليا تَمثَّل في منح الأخيرة لليبيا:

30 آلية عسكرية.
طائرتين بمحركين.
مروحية IB 412.
طائرتي استطلاع بحري ITR 42.
4 سفن بحرية لخفر السواحل الليبية.

وكان القذافي بارعًا في ابتزاز الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية لاسيما أنه أدرك أن قادة الاتحاد الأوروبي باتوا مقتنعين بأن القذافي بإمكانه التحكم بهذا الملف إلى أبعد ما يكون.

ترجع سيطرة القذافي وتحكمه بملف الهجرة غير الشرعية إلى العوامل التالية:

النفوذ القوي للقذافي في القارة السمراء ولا سيما لدى قادة وشعوب دول الساحل والقرن الإفريقيين (أهم منطقتين لتصدير المهاجرين غير الشرعيين في القارة).
علاقاته الوطيدة مع الميليشيات المسلحة بالمنطقة وحركات التمرد الانفصالية التي تتحكم في طرق التهريب عبر حدود دول المنطقة, فضلًا عن إجادته توظيف تناقضات المنطقة لصالحه.
القبضة الأمنية الصارمة في ليبيا حيث كان جهاز الأمن الليبي (سواء جهاز الأمن الداخلي أو جهاز الأمن الخارجي) من القوة بمكان بحيث يمكنه اعتقال أو إلقاء القبض على أي مطلوب في غضون ساعات قليلة في أي بقعة من ليبيا المترامية الأطراف التي تزيد مساحتها على مليون وسبعمائة ألف كيلومتر مربع!
تحريم استخدام أجهزة الهواتف المربوطة بالأقمار الصناعية (الثريا) على المواطنين إلا بموافقة أمنية!
العديد من أنواع سيارات الدفع الرباعي الصحراوية كانت حكرًا على أفراد الأجهزة الأمنية ولا يُسمَح للمواطنين باقتنائها!

هذه العوامل وغيرها هي ما جعلت نظام القذافي يتحكم بتدفق المهاجرين السريين إلى القارة العجوز طيلة السنوات الأخيرة من حكمه.

ليبيا ما بعد 2011 ومراحل الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا

سقوط نظام القذافي الذي اختزل ليبيا في شخصه أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية وتحوُّل المقاتلين الذين حاربوا القذافي إلى ميليشيات مسلحة جهوية وقبلية وأيديولوجية تقاسمت النفوذ والسلطة فيما بينها طيلة سنة ونصف وحلَّت محل الجيش والشرطة وأجهزة الضبط القضائي, لاسيما أنها وجدت ترسانة ضخمة من الأسلحة قوامها 21 مليون قطعة سلاح خلَّفها النظام بعده.

هذه الميليشيات التي سرعان ما دبَّت الخلافات بينها، ووصلت إلى حدِّ الاقتتال المسلح منذ منتصف العام 2013، أحالت ليبيا إلى دولة فاشلة ومهَّدت الطريق للإرهاب العابر للقارات للاستيطان في ليبيا؛ حيث تحالف أساطين التهريب في منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين والمهربون في المناطق الملتهبة في الشرق الأوسط (سوريا وفلسطين واليمن ومصر)، والمهربون في منطقة المغرب العربي (الجزائر وتونس) مع التنظيمات الجهادية المتطرفة التي اتخذت من ليبيا مركز تعبئة وإمداد لوجيستي مع مافيات التهريب المتوسطية, لتتحول ليبيا في بحر ثلاث سنوات إلى الوجهة المفضلة للهجرة غير الشرعية المتجهة صوب دول الاتحاد الأوروبي ولاسيما إيطاليا.

رصدت الفايننشيال تايمز، في عددها الصادر يوم الجمعة 24 إبريل/نيسان 2015(3)، أن الترويج للهجرة غير الشرعية يتم في معظمه عبر مواقع التواصل الاجتماعية كالفيس بوك والتويتر, وحتى صبيحة اليوم تمكَّن الاتحاد الأوروبي من إغلاق ما يزيد على 50 صفحة للترويج للهجرة غير الشرعية بعد مراقبتها وتتبعها لفترة.

مناطق تصدير الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، هي:

منطقة القرن الإفريقي: إثيوبيا وإريتريا والصومال والسودان.
منطقة الساحل الإفريقي: النيجر ومالي وبوركينافاسو ونيجيريا والكاميرون.
منطقة الشرق الأوسط: سوريا وفلسطين ومصر والعراق واليمن.
منطقة المغرب العربي: المغرب والجزائر وتونس.

تمر الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا بثلاث مراحل بدءًا من الدول المصدِّرة للهجرة وصولًا إلى الشواطئ الشمالية للمتوسط من خلال مهرِّبين متخصصين في إيصال المهاجرين إلى نقطة محددة حيث يتحول المهاجرون من مهرِّب إلى آخر على طول مسار الرحلة على النحو التالي:

المرحلة الأولى

1- منطقة القرن الإفريقي:

نقاط تجميع المهاجرين من دول هذه المنطقة، هي مدينتا: كسلا وجنوب كردفان في السودان.
يتكفل كل مهاجر بإيصال نفسه إلى إحدى المدينتين حيث يقوم مهرِّبون سودانيون بإيصالهم لدارفور (تستغرق الرحلة من 10 أيام إلى أسبوعين وتكلفتها من 30 إلى 80 دولارًا أميركيًّا).
من دارفور يقوم مهرِّبون سودانيون بتوصيل المهاجرين بواسطة شاحنات متهالكة إلى المنطقة الحدودية الليبية-السودانية عبر طرق ترابية غير ممهدة (قد تستغرق الرحلة أسبوعا أو أقل وتكلِّف من 80 إلى 150 دولارًا أميركيًّا). يقدِّم المهربون رشاوى لدوريات حرس الحدود السوداني في حالة تصادفوا معهم.
من المنطقة الحدودية إلى مدينة الكُفرة الليبية يقوم مهربون ليبيون (من سكان مدينة الكُفرة وتحديدًا من قبيلتي التبو والزوية) بتوصيل المهاجرين في شاحنات يتكدس فيها المهاجرون بالعشرات(تستغرق الرحلة عدة أيام وتكلِّف 150 دولارًا أميركيًّا)، ويكون المهرِّبون في الغالب تابعين لميليشيات مسلحة أو تحت حماية ميليشيات معينة يدفعون لها إتاوات نظير الحماية.
التنسيق بين المهربين يتم عبر هواتف الثريا والشاحنات مزودة بأجهزة تحديد الموقع عبر الأقمار الصناعية (جي. بي. إس).

2- منطقة الساحل الإفريقي:

مهاجرو النيجر ومالي وبوركينافاسو يتجمعون في مدينة أغاديس في شمال النيجر من ثَمَّ يقوم مهرِّبون من الطوارق ومن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتهريبهم في رحلة طويلة ومتعبة إلى مدن الجنوب الليبي (القطرون وأم الأرانب). الجزء الأخير من الرحلة يكون مشيًا على الأقدام ليلًا لعشرات الكيلومترات لتجنُّب دوريات حرس الحدود الليبي التابعة لبلديات الجنوب الليبي، وفي هذا الجزء قد يموت بعض المهاجرين عطَشًا في الصحراء (الرحلة تستغرق من أسابيع إلى شهر وتكلِّف المهاجر من 150 إلى 300 دولار أميركي).
مهاجرو نيجيريا والكاميرون عادة ما يصلون إلى مدن الجنوب الليبي عبر دولة تشاد.
من المدن الحدودية الليبية يتم نقل المهربين إلى نقاط التجمع في الجنوب في مدينة أوباري أو سبها (عاصمة الإقليم). هذه المرحلة تقوم بها ميليشيات قبَلِية مسلحة من قبائل الجنوب الليبي.
في سبها أو أوباري أو المدن المجاورة عادة ما يقوم بعض المهاجرين بالعمل اليدوي لعدة أشهر وأحيانًا لسنوات للحصول على المال اللازم لإكمال بقية الرحلة إلى أوروبا.

3- منطقة الشرق الأوسط: غالبًا ما يأتي المهاجرون منها بشكل فردي عبر منافذ الدخول الشرعية باستثناء السوريين الممنوعين من دخول ليبيا. وفي ليبيا يتواصلون مع المهربين للقيام بالترتيبات واستلام التعليمات.

4- منطقة المغرب العربي: يدخل التوانسة بشكل طبيعي دون الحاجة إلى استصدار تأشيرة دخول عبر معبري رأس جدير والذهيبة الحدوديين في حين يتسلل الجزائريون والمغاربة عبر طرق التهريب الغربية والجنوبية.

المرحلة الثانية
ونعني بها الرحلة من المدن الحدودية بالجنوب والجنوب الغربي الليبي إلى مدن الشمال الساحلية؛ وهذه يتم بعضها بشكل فردي وهي محفوفة بالمخاطر حيث يتم في الغالب اعتقال المهاجر من قبل الميليشيات الجهوية والقَبَلية ويُودَع السجنَ ويُعذَّب والبعض يموت تحت التعذيب والبعض يخضع لأعمال السُّخرة دون مقابل لأشهر أو سنوات ثم يُطلَق سراحُه، وجزء من المهاجرين ينضم للميليشيات المسلحة للقتال معها بمقابل.

بعض المهاجرين ولاسيما مَنْ عندهم المال تتكفل الميليشيات المسلحة بإيصالهم إلى مدن الشمال الساحلية بمقابل غير ثابت يتوقف على اتفاق الطرفين.

مهاجرو القرن الإفريقي قبل اندلاع عملية الكرامة في الشرق الليبي كانت وجهتهم مدينة بنغازي في المرحلة الثانية من الرحلة إلا أنه منذ قرابة السنة أصبحوا يتجهون إلى مدن الغرب الليبي.

المرحلة الثالثة
يتجمع المهاجرون في أماكن تجميع على الساحل الليبي في مزارع واستراحات (في الغالب كانت شاليهات وأماكن استجمام وممتلكات لرجال النظام السابق) في مدن الخمس والقربوللي وطرابلس وصبراته وزوارة حتى يكتمل العدد لبدء رحلة قوارب الموت.

هذه المرحلة تقوم بها الميليشيات المسلحة في مدن الغرب الليبي التي تجني من ورائها عائدات سنوية تتراوح بين 500 إلى 1000 مليون دولار أميركي, وتستعين هذه الميليشيات بمهرِّبين من أصحاب القوارب من ليبيا وتونس ومالطة وصقلية ومصر.

0,5-1,0 مليار دولار أميركي: هي عائدات الجانب الليبي من هذه التجارة التي يذهب قرابة ثلثها إلى تنظيمات جهادية متطرفة(4).

معظم المهاجرين يقضون في ليبيا مدة تتراوح بين أشهر إلى سنوات للعمل بغية جني المال اللازم لتغطية تكاليف الجزء الثالث والأخير من الرحلة والتي تتراوح بين 700 إلى 3000 دولار حسب المركب والوجهة وتسهيلات القارب أو السفينة. وتقول التقارير الواردة من مدن الغرب الليبي: إن ظروف عمل المهاجر محفوفة بالمخاطر والصعوبات حيث يتعرضون باستمرار للابتزاز والإهانة وأحيانًا يؤدون الأعمال تحت تهديد السلاح ودون مقابل!

معظم الميليشيات المسلحة متورطة في الاتجار بالبشر في ليبيا لكن الخطر الجدي الذي تراقبه دول الاتحاد الأوروبي بتوجس هو دور ميليشيات أنصار الشريعة؛ التي تقول التقارير الاستخباراتية: إنها لا تكتفي بجني العائدات المالية من وراء الاتجار بالبشر بل تتعدى ذلك إلى دسِّ عناصرها المنتمين إلى تنظيم “داعش” بين صفوف المهاجرين المتجهين إلى أوروبا؛ حيث ذكر تنظيم “داعش” في مواقعه الإلكترونية أنه تمكَّن من إرسال ما يزيد على أربعة آلاف جهادي بين أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية؛ الأمر الذي جعل الاتحاد الأوروبي يولي الأمر اهتمامًا كبيرًا, لاسيما بعد تزايد تهديدات داعش مؤخرًا لدول الاتحاد الأوروبي.

قوارب الموت

يتكدس المهاجرون غير الشرعيين في قوارب وسفن متهالكة تُستخدَم لمرة واحدة وفي معظم الأحيان تتجاوز حمولتها أضعاف ما هو مقرر لها مما يؤدي إلى جنوح وانقلاب هذه القوارب والسفن بحمولتها المتكدسة من البشر. ومنذ العام 2003 وحوادث غرق وموت المهاجرين غير الشرعيين في المرحلة الثالثة من رحلة اللاعودة باتت فقرة دائمة في نشرات الأخبار. 80% من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط قادمون من ليبيا.

يصل الناجون من رحلة قوارب الموت إلى جزيرة لامبيدوزا أو صقلية في الجنوب الإيطالي في رحلة تستغرق من يوم إلى أربعة أيام؛ حيث يلتقطهم في الغالب خفر السواحل الإيطالية ليودعوهم في مخيمات إيواء خاصة بالمهاجرين غير الشرعيين.

حصيلة العقد الأخير

20 يونيو/حزيران 2003: العثور على 50 جثة، وفقدان 160 مهاجرًا، وإنقاذ 41 في غرق سفينة قبالة تونس.
20 أكتوبر/تشرين الأول 2003: 70 قتيلًا على الأقل في غرق قارب قبالة جزيرة صقلية.
12 مايو/أيار 2008: مقتل 97 مهاجرًا كانوا على متن قارب بعد معاناة من الأحوال الجوية السيئة.
6 مايو/أيار 2011: قارب يحمل أكثر من 600 مهاجر يغرق قبالة الساحل الليبي يسفر عن فقدان المئات.
2 يونيو/حزيران 2011: فقدان 270 على الأقل في غرق قارب كان يُقِلُّ 700 شخص قبالة الساحل التونسي.
10 يوليو/تموز 2012: عُطْل بزورق مطاطي بين ليبيا وجزيرة لامبيدوزا قبالة السواحل الإيطالية يسفر عن غرق 54 شخصًا.
14-15 ديسمبر/كانون الأول 2012: مقتل 21 شخصًا على الأقل، وفقدان ستة بعد غرق زورق قبالة جزيرة ليسبوس اليونانية.
10 أغسطس/آب 2013: غرق ستة مهاجرين، وإنقاذ 94 قبالة شاطئ في كاتانيا، بجزيرة صقلية.
3 أكتوبر/تشرين الأول 2013: مقتل 366 شخصًا، ونجاة 155، بعد غرق سفينة قبالة جزيرة لامبيدوزا.
20 يناير/كانون الثاني 2014: غرق 12 شخصًا، من بينهم تسعة أطفال، عندما انقلب قارب بالقرب من جزيرة يونانية.
6 فبراير/شباط 2014: مقتل ما لا يقلُّ عن 15 مهاجرًا من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بينما كانوا يسبحون من الساحل المغربي بغية الوصول إلى مدينة سبتة، وأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي على السباحين لإرغامهم على العودة إلى المغرب.
10 سبتمبر/أيلول 2014: غرق نحو 500 من مهاجرين سوريين وفلسطينيين ومصريين وسودانيين، بعد اصطدام قاربهم بآخر قبالة مالطة.
14 سبتمبر/أيلول 2014: البحرية الليبية تنقذ 26 شخصًا من قارب يحمل 250 مهاجرًا قبالة الساحل الليبي. نحو 224 في عداد المفقودين ويُفترض أنهم قُتلوا.
08-09 فبراير/شباط 2015: مقتل ما لا يقل عن 29 وفقدان 300 شخص، بعد أن غمرت المياه أربعة قوارب في البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية.
12 إبريل/نيسان 2015: تسعة قتلى بعد انقلاب قارب قبالة سواحل ليبيا. بعض من الناجين، البالغ عددهم 144، أخبروا عمَّال الإغاثة بأن نحو 400 غرقوا.
15 إبريل/نيسان 2015: وصول ناجين مسيحيين قرب سواحل جزيرة صقلية وأخبروا السلطات الإيطالية أن مهاجرين مسلمين ألقوا بهم في البحر، إثر شجار نشب بينهم على متن قارب يقل مهاجرين أفارقة.
19 إبريل/نيسان 2015: لقي 800 شخص حتفهم في قارب قبالة الشواطئ الليبية, الناجون 50 شخصًا واعتقال المهرب التونسي محمد علي مالك (قائد سفينة الموت).

ضحايا قوارب الموت
وفق تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:

عام 2011: 1,500 قتيل.
عام 2012: 500 قتيل.
عام 2013: 600 قتيل.
عام 2014: 3,279 قتيلًا.
عام 2015: 1727 قتيلًا, 1200 منهم في 10 أيام.

أثناء إعداد هذا التقرير علمتُ للتوِّ من نشرة الأخبار أن سفينة دورية فرنسية تنقذ 217 مهاجرًا سريًّا قبالة السواحل الليبية وطاقمها يعتقل اثنين من المهربين.

تعاطي الاتحاد الأوروبي مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية

المتتبع للظاهرة لا شك أنه سيلحظ تباطؤًا وتراخيًا من قِبل الاتحاد الأوروبي حيال الهجرة غير الشرعية حتى هذا الشهر؛ فغرق المهاجرين وموتهم بالمئات في عرض البحر لا شك أنه شكَّل سقوطًا أخلاقيًّا للقارة العجوز التي طالما تشدقت بحقوق الإنسان وحقه في الحياة!

حتى بعد الكارثة الأخيرة التي راح ضحيتها 800 مهاجر لقوا حتفهم قبالة السواحل الليبية على بعد 180 كيلومترًا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية ظلَّت المعالجة الأوروبية منصبَّة على الجانب الأمني عبر خطة النقاط العشر التي تتمحور حول مضاعفة قوة فرونتكس (الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون العملياتي في الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي) ثلاث مرات، وضرب قوارب الهجرة عند انطلاقها من الشواطئ الليبية، واعتقال وملاحقة المهرِّبين وتقديم قادة الميليشيات المسلحة المتورِّطة في الاتجار بالبشر إلى محكمة الجنايات الدولية، والتعاون مع السلطات الليبية للحدِّ من الظاهرة.

ظلَّت إيطاليا التي تُعتبر الدولة الأوروبية الأكثر تأثرًا بتدفق المهاجرين من الأراضي الليبية تسعى مع الفرقاء الليبيين والشركاء الأوروبيين طيلة السنوات الأربعة الأخيرة لوضع سياسات تنسيقية عامة للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية لكنها لم تُقدِم على خطوات جدِّية وعملية حتى الآن.

فانقسام ليبيا إلى حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية في ليبيا حدَّ كثيرًا من نجاعة أي تنسيق وتفاهم مع الجانب الإيطالي الذي قدَّم 250 مليون دولار لحكومة طرابلس(5) وحتى اللحظة لم ترَ إيطاليا خطوات جدية من الجانب الليبي.

مؤخرًا قامت حكومة عبد الله الثني بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الليبية, والتي يُعتَقَد أنها ستلعب دورًا محوريًّا في التنسيقات الدولية مع الجانب الليبي نظرًا إلى امتلاك نائب رئيس هذه اللجنة لخبرة في التعاطي مع الهجرة غير الشرعية وكونه أحد أبناء القبائل الليبية الجنوبية التي تسيطر على معظم معابر التهريب السرية بالجنوب!

رغم مرور أشهر على تشكيل هذه اللجنة إلا أن إيطاليا ما زالت تتهيب وتتريث في التعامل مع هذه اللجنة بناء على تجربتها السابقة المخيبة للآمال مع حكومة طرابلس.

معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا

مع أهمية المعالجة الأمنية التي تنتهجها دول الاتحاد الأوروبي إلا أنها وحدها غير كافية للقضاء كلية على الظاهرة لأن الهجرة غير الشرعية مؤشِّر غاية في الدلالة والتكثيف على خلل بنيوي في العلاقات الدولية الراهنة مما يستدعي معالجات مغايرة تتسم بالشمول والعمق وتنصبُّ أساسًا على أسباب نشوء الظاهرة والعمل على معالجتها في دول التصدير وليس فقط في دول العبور, فقد بات من نافلة القول: إن هذه الظاهرة تتجاوز قدرات الدول منفردة لمعالجتها مما يحتم تعاونًا وتنسيقًا دوليين للتصدي لها عَبْر:

إنشاء جسم اعتباري دولي تكون دول التصدير والعبور والاستقبال أعضاء فاعلين وأساسيين فيه يقوم بالتشاور مع الخبراء والمنظمات الإقليمية والدولية لوضع الدراسات والتصورات اللازمة المتعلقة بالظاهرة.
التعاون مع دول التصدير والعمل على جلب الاستثمارات الواعدة إليها بغية استحداث تنمية مستدامة تعمل على توطين المهاجرين وإيجاد فرص عمل لهم في دول التصدير.
مساعدة ليبيا بكل السبل ودعم حوار الصخيرات، والعمل على تشكيل حكومة اتفاق وطني ليبي تنهي النزاع على الشرعية.
مساعدة ليبيا في تشكيل جيش وطني في أسرع وقت ممكن، وحلُّ كافة الميليشيات المسلحة وتجريدها من سلاحها ودمج أفرادها في المؤسسة الأمنية والعسكرية للدولة وفق معايير ومقاييس احترافية.
ضرورة أن يساعد المجتمع الدولي ليبيا في محاربة داعش وكافة التنظيمات الجهادية التي توظِّف الهجرة غير الشرعية في ليبيا لتحقيق عائدات مجزية للإنفاق على برامجها ومخططاتها التخريبية.
تقديم الدعم اللوجيستي والخبرة والتدريب اللازم لأفراد حرس الحدود الليبي، وتوفير الإمكانيات الضرورية وتأهيله للتصدي لمهمة حراسة حدود برية مع 6 دول تصل إلى 6000 كيلومتر.

مما لاشك فيه أن المهمة ليست سهلة وأن الخطر داهم طالما هناك انقسام واقتتال في ليبيا؛ فعودة الحياة الطبيعية واستتباب الأمن في ليبيا يظل حجر الزاوية في أية معالجة جدية يراد لها النجاعة.
____________________________
د. الحسين الشيخ العلوي – باحث وأكاديمي موريتاني.

الإحالات
1 – يرجع تسمية هذه الهجرة “غير شرعية” إلى الوضع القانوني للمهاجر وذلك من خلال ثلاث ملزمات قانونية: أولها: طريقة سفر المهاجر إلى الدولة الأوروبية، وثانيها: حق بقائه في أراضيها، وثالثها: حق العمل بها.
2 – حيث استغل المهربون انشغال العالم بمشاهدة المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم التي جمعت بين المنتخبين الإسباني والهولندي لتجهيز رحلة حملت 234 مهاجرًا في قارب واحد كانت عائداته نصف مليون يورو.
3 – http://www.ft.com/intl/cms/s/0/b1a55608-ea79-11e4-a701-00144feab7de.html#axzz3YxNIglCz
4 – http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/72124/
5 – محمد بشير النعاس (المحلل العسكري والاستراتيجي المحسوب على فجر ليبيا) في برنامج نقاش على قناة فرانس 24 “ليبيا: انفراج قريب” يوم الثلاثاء 21 إبريل/نيسان 2015 http://www.france24.com/ar/20150421-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B4-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1/

المراجع
1. منظمة الهجرة الدولية:
http://www.iom.ch/cms/home
http://www.iom.int/news/joint-statement-mediterranean-crossings
http://www.iom.int/news/survivors-mediterranean-tragedy-arrive-sicily
2. http://www.alhurra.com/content/libya-illegal-immigration/269556.html
3. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:
http://www.unhcr-arabic.org/5534e0f66.html
4. http://www.alhurra.com/content/Europe-meeting-policy-immigration-reform-/269592.html
5. http://www.alhoukoul.com/article/4679
6. http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/72136/

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات