هل تركيا عائق أمام حلف الناتو؟ بالتأكيد؛ إذ يبدو أنّ تركيا تقف ضد مصالح الحلف، سواء من خلال الدفاع الصاروخي أو تنظيم الدولة الإسلامية، هل تركيا لا تزال تريد أن تكون جزءًا من التحالف؟ في ظل الخلاف بينهما، ومع إعجاب رجب طيب أردوغان بمنظمة شنغهاي للتعاون، فربما تُثار الكثير من الشكوك حول العلاقة بينهما، ومع ذلك، فإنّه من السابق لأوانه القول بأنّ تركيا ستجبر على الخروج من حلف الناتو، أو أنها قد تتركه من تلقاء نفسها.
يتمثل التحدي الرئيس لمنظمة حلف الناتو في استعداد أنقرة لشراء تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الصينية، هناك مخاوف من أنّ التعاون التركي مع الصين في مجال الدفاع الصاروخي سيمكّن الصين من الوصول إلى البيانات السرية والخطط العسكرية لحلف شمال الناتو، كما أعربت إدارة أوباما عن قلقها بشأن هذه المسألة إلى تركيا، وتم بالفعل اقتراح إجراء في مجلس الشيوخ الأمريكي يمنع الولايات المتحدة من الدعم المالي لإدماج العناصر الصينية مع التكنولوجيا الأمريكية والتي هي عنصر أساسي لنهج التكيف المرحلي الأوروبي من حلف الناتو، ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات على أنّ تركيا قد تلغي خططها للشراء من الصين، وعلى الرغم من أن تركيا ستلغي عملية الشراء بحجة عدم تلبية مطالبها من الإنتاج المشترك بدرجة كافية، إلّا أنّ هذه الخطوة ستتخذ مع وعي كامل بأن التحرك تجاه الصين كان خطوة بعيدة لحلفاء أنقرة في حلف الناتو.
مصدر آخر للخلاف هي مسألة القتال ضد داعش، على الرغم من اتخاذ تركيا تدابير قوية لوقف حركة المقاتلين الأجانب، وإغلاق حدودها مع سوريا، لكن لا يزال هناك خلاف حول الطريقة الصحيحة للتعامل مع داعش، بالنسبة لتركيا، تنظيم داعش هو أحد أعراض فراغ السلطة الناجم عن السياسات الأمريكية تجاه العراق وسوريا؛ فهي تزعم أنّه من دون إزالة نظام الأسد، لا يمكن تحقيق أي تطور، وبالنسبة للغرب، منذ أن أصبح تنظيم داعش أكبر تهديد لاستقرار المنطقة، أظهر تحالف الراغبين أنّه على استعداد لتجنيد إيران والأسد، إذا لزم الأمر، لمواجهة الجهاديين، ولكن لا ترى تركيا أي إيجابية في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، وأشارت إلى استعداد الولايات المتحدة للتفاوض مع الأسد بأنّه بمثابة “مصافحة هتلر”.
ومع ذلك، فإنّ الجمهور التركي يدعم بقوة بقاء تركيا في حلف الناتو، وفقًا لاستطلاع رأي من جامعة قادير هاس في عام 2014، ارتفع عدد المؤيدين لاستمرار عضوية تركيا في حلف الناتو من 72% في 2013 إلى 76% في عام 2014، وبطريقة مماثلة، في استطلاع الاتجاهات عبر الأطلسي التي أجراها صندوق مارشال الألماني لعام 2014، قال 49٪ من المستطلعين إنّ “عضوية حلف الناتو أمر ضروري لأمن تركيا“.
ويشير دبلوماسيون غربيون إلى أنّه على الرغم من الإحباط بسبب غموض موقف تركيا بشأن داعش، إلّا أنّ موقعها الجغرافي الاستراتيجي يفرض أنّ أنقرة ستظل جزءًا من حلف الناتو وأن العلاقات الأمنية ستبقى قوية، من الناحية الجغرافية، تقع تركيا في قلب كل الأزمات التي يهتم بها الغرب، ولذلك لا يجب إقصاء تركيا.
وقد أشاد كل من الأمين العام السابق للناتو، أندرس فوغ راسموسن، والأمين العام الحالي، ينس شتولتنبرج، بمساهمة تركيا في التحالف، خاصة في أفغانستان، كما صرّح وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، في الآونة الأخيرة أنّ “الناتو نجح كمؤسسة للحفاظ على الأمن“.
باختصار، كانت تركيا وحلف الناتو في علاقة منفعة متبادلة استمرت لأكثر من 60 عامًا.
صحيح أنّ العلاقة بينهما تمر بمرحلة من الجمود في الوقت الحاضر، ولكن من غير المرجح أن يحدث انفصال، وعلى الرغم من أنّ الخوف من السوفيت أبقى على الطرفين معًا أثناء الحرب الباردة، لكن اليوم كلاهما يشتركان في القلق نفسه من عواقب عدم الاستقرار الناتج عن الاضطرابات العربية في الشرق الأوسط، ولا تزال تركيا بحاجة إلى مساعدة الناتو في نشر نظام الدفاع الصاروخي في أراضيها ضد التهديد القادم من سوريا، وفي الوقت نفسه، تم تعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو من قِبل عدد كبير من القوات التركية التي تقع تحت تصرفها، وفي حين أنّه في معظم الوقت يبدو وكأن تركيا حرة لأن تفعل ما يحلو لها، لكن حلفائها في الناتو لديهم الكثير من النفوذ عليها.
إذا كان هناك شيء يمكننا استخلاصه من النتائج الأولية للنقاش الدائر في تركيا حول الشراء المحتمل لنظام الدفاع الصاروخي الصيني، فهو أنّه عندما يتبنى الناتو سياسة صارمة لمواجهة معارضيه، فإنّ أنقرة ستفهم مغزى الرسالة.
التقرير