اعتصام يبدو أنه سيطول في محافظة المهرة الواقعة شرقي اليمن والمتاخمة للحدود الغربية لسلطنة عمان، فالقوات السعودية والإماراتية لا تزال تحكم سيطرتها على المرافئ الرئيسية في المحافظة وتمارس “احتلالا”، حسبما يقول معتصمون.
في 25 يونيو/حزيران الماضي توافد سكان المهرة إلى مدينة الغيضة -مركز المحافظة التي تعد ثاني كبرى المحافظات اليمنية بمساحة توازي مساحة الإمارات- ونصبوا خيامهم في الحديقة العامة وسط المدينة.
من مكبر للصوت في أحد أركان الخيمة الرئيسية، يرتفع صوت الفنان اليمني أيوب طارش بأغانيه الوطنية، ومن بابها تدخل جماعة من المعتصمين وتذهب أخرى.
ويؤكد المعتصمون للجزيرة نت على تحقيق مطالبهم المتمثلة في انسحاب القوات السعودية والإماراتية من مطار الغيضة وميناء نَشْطُون، وإعادة قوات الجيش والأمن اليمنية إلى منفذي شحن وصرفيت.
تغلغل بالمهرة
خلال العام الماضي حاولت الإمارات تشكيل قوات موالية لها في المهرة أسوة بقواتها في جنوبي اليمن، التي صادرت نفوذ حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وسيطرت على الموانئ والمطارات في عدن والمخا والمكلا.
لكنها اصطدمت برفض الأهالي ورجال القبائل في المحافظة التي تشكل بعدا قوميا وأمنيا لعُمان.
وعقب فشل أبو ظبي، نشرت السعودية قوات كبيرة في المحافظة أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسيطرت على منفذي شحن وصرفيت على الحدود العمانية، وبررت ذلك بحماية الحدود ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين عبر السلطنة.
ولم تكتف الرياض بذلك إذ انتشرت قواتها في مطار الغيضة وميناء نشطون دون مبرر، وفق ما يقول المعتصمون. كما سعت للتغلغل في المجتمع المهري، وسلحت رجال القبائل بعد استقطاب زعمائها، مما أثار غضب المهريين المسالمين الذين حذروا من تفجر صراع بين القبائل.
انتشار مريب
يقول هاشم أحمد، وهو أحد المعتصمين، للجزيرة نت “ماذا يريد السعوديون من نشر قواتهم في محافظتنا البعيدة تماما عن الصراع الدائر.. هو احتلال واضح”.
وفي السابع من مايو/أيار الماضي قال رئيس المجلس العام لأبناء محافظتي المَهرة وسقطرى عبد الله آل عفرار إن الوجود العسكري السعودي الإماراتي غير مبرر حيث إنه لا وجود للحوثيين في المهرة.
ونهاية الشهر نفسه، زار السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر المهرة، وقالت وسائل إعلام سعودية إن الزيارة تأتي لمتابعة برنامج إعادة الإعمار عقب إعصار “ماكونو”.
تلك التحركات لها أبعاد جيوسياسية للمملكة وقد تثير مخاوف سلطنة عمان التي تربطها بالمهرة علاقات تاريخية قديمة وصلت إلى حد منح الجنسية لبعض المهريين، حسبما يقول هاشم أحمد.
لماذا المهرة؟
تتحدث تقارير إعلامية عن أن السعودية لها أطماع قديمة في محافظة المهرة وسعت للسيطرة على الشريط الحدودي لتمد أنابيب النفط من صحراء الربع الخالي إلى بحر العرب.
وبحسب صحيفة “عكاظ” السعودية، فإن الخطوات الإجرائية انتهت لدراسة مشروع القناة البحرية السعودية التي تربط الخليج العربي مرورا بالمملكة إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز.
وتضيف “تتلخص الفكرة الرئيسية في فتح قناة بحرية من بحر العرب، مرورا بالحدود العمانية واليمنية (عبر محافظة المهرة)، وتمتد إلى داخل المملكة في الربع الخالي”.
وستُمكن القناة السعودية من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأكبر في تاريخ القنوات المائية الصناعية.
تفجر الاعتصامات
ما يصفه المهريون بـ”الاحتلال وتكريس النفوذ” السعودي وإضفاء الطابع العسكري على حياتهم التي كانت تسير بهدوء، هو ما دفعهم للاحتجاج.
ويقول رئيس اللجنة التنظيمية للاعتصام عامر سعد ومعتصمون آخرون للجزيرة نت إنهم لن يفضوا الاعتصام إلا إذا تحققت مطالبهم بتسليم المنافذ البرية والبحرية والجوية للجيش والأمن اليمنيين، وتحقيق السيادة الوطنية في المحافظة، ورفع مستوى الأمن والخدمات.
وتصاعد زخم الاعتصامات خلال الأيام الماضية بعد أن انضم للمعتصمين وكيل محافظة المهرة علي سالم الحريزي. وفي مداخلة مع قناة الجزيرة وصف الحريزي انتشار السعوديين في المحافظة بـ”الاحتلال”.
موقف الحكومة
ويقول رئيس لجنة تنظيم الاعتصام إن السلطات الحكومية أبدت تجاوبا مع المعتصمين، لكنه يؤكد أن الاعتصام سيستمر إذا لم تتحقق المطالب.
وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي وجه بتشكيل لجنة يشرف عليها نائبه الفريق علي محسن الأحمر الذي التقى الثلاثاء محافظ المهرة سعيد باكريت. كما التقت اللجنة قيادة الاعتصام، وأكدت اهتمام القيادة السياسية بمطالب المعتصمين وضرورة التجاوب معها.
ويرى عضو مؤتمر الحوار الوطني والمحلل السياسي اليمني محمد المقبلي أن الاعتصامات والحراك السلمي ستكون لهما نتائج إيجابية خصوصا أن الحراك ينطلق من حاضنة شعبية واسعة، كما أن مبررات الوجود السعودي الإماراتي غير منطقية.
وقال للجزيرة نت “في نهاية المطاف ستستجيب الدولتان للمطالب الشعبية، خصوصا إذا حدث تحرك رسمي من الحكومة اليمنية وتشكّل رأي عام دولي، وستنسحب القوات السعودية كما انسحب جزء كبير من القوات الإماراتية”.
والاحتجاجات الشعبية التي أثبتت نجاحها في محافظة أرخبيل سقطرى وأجبرت القوات الإماراتية على مغادرة الجزيرة في مايو/أيار الماضي، أعطت دفعة للمهريين لرفع أصواتهم والمطالبة بحقوقهم.
المصدر : الجزيرة