يُفترض للقمة المقبلة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بعد 3 أيام من الآن، أن تذكر العالم باللقاءات العارضة أو شديدة الأهمية التي تمّت سابقا بين زعماء البلدين، بدءا من لقاء فرانكلين روزفلت بجوزيف ستالين في طهران في نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم لقائهما الأكثر خطورة في يالطا، الذي أصبح مرادفا لإقرار الغرب بسيطرة الاتحاد السوفييتي السابق على شرق أوروبا، ثم لقاء هاري ترومان الوحيد مع ستالين أيضا في بوتسدام قرب برلين، ثم لقاء جون كينيدي المتوتر بنيكيتا خروتشوف في جنيف، وقمة رونالد ريغان مع ميخائيل غورباتشيف في ريكيافيك.
أما اختيار هلسنكي، عاصمة فنلندا، فسيعيد التذكير باتفاقات هلسنكي لعام 1975 بين الولايات المتحدة وقوى أوروبية كبرى، من جهة، والاتحاد السوفييتي من جهة أخرى، الذي كان مقدّمة فعلية لانتهاء الحرب الباردة وساهم لاحقا في قيام ثورات العام 1989 في أوروبا الشرقية.
أدت تلك القمم والاجتماعات، في أغلبها، إلى نتائج كبرى في تاريخ العالم الحديث، وهندست الخرائط السياسية اللاحقة عليها، وسبقتها تحضيرات دبلوماسية شاقة، كما رافقتها تسويات مؤلمة للأطراف المولجة فيها.
مقارنة بالقمم التاريخية السابقة فإن القمة المقبلة ستكون، من دون شك، الأكثر إثارة إعلاميّاً، والأشد مدعاة للقلق، وذلك، بالطبع، بسبب شخصيتي الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وخلفيّات التدخّل الروسي في قضيّة انتخاب الزعيم الأمريكي.
آخر فصول هذه الدراما المثيرة تبدّت في تصريحات ترامب اللاذعة التي ساط بها حلفاءه الأوروبيين في حلف الأطلسي، وزعم في إحداها أن ألمانيا، التي تعتبر القوّة الكبرى في الاتحاد الأوروبي، هي «تحت سيطرة روسيا»، في الوقت نفسه الذي قال عن بوتين إنه «شخص جيد»، وأنه «ليس عدوّا بل منافسا»، وأنه «قد يصبح صديقا له»، ففي الحالة الأوروبية ركّز ترامب على قضايا سياسية واقتصادية (الإنفاق على الناتو، والبريكسيت البريطاني الخ…) وابتز حلفاءه المفترضين بالتهديد بالانسحاب من الحلف، أما في حالة بوتين فقد ركّز على جوانب شخصية بحتة، وحين سئل عن قضية التدخّل الروسي في الانتخابات الأمريكية أزاح ترامب القضية بخفّة متناهية قائلا إنه سيسأل بوتين عنها وأن الأخير سينكر!
تظهر قمة ترامب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أسلوباً مقارباً في التركيز على الشخصيّ والمبالغات التي أدت لنتائج متواضعة، ونحن نتحدث عن دولة صغيرة بكل مقاييس المقارنة والتأثير مع روسيا، فما الذي نتوقعه إذن من اللقاء القريب بين ترامب وبوتين؟
معلوم طبعا أن أوكرانيا وسوريا هما القضيتان الأكثر إلحاحا على جدول أعمال الزعيمين، والواضح أنه فيما يخص الموضوع السوري حالياً فإن مصالح السوريين أنفسهم هي خارج النقاش، وأنه مع سيطرة القوات الروسية وقوات نظام بشار الأسد وحلفائه على الجنوب فإن الأمور متركزة على مطالب إسرائيل بإبعاد إيران عن جنوب سوريا (أو سوريا بأكملها)، ورغبة إيران في التمسّك بالمكاسب الكبرى التي حققتها على الأرض السورية، والحفاظ على نفوذها الكبير على النظام وداخل أجهزته.
ولأن الحرب بين تل أبيب وطهران مستبعدة ومكلفة ولا يمكن التكهن بنتائجها النهائية، فإن أي تسوية ستحصل في هذا الموضوع، ستتجسد على الأرض السورية بتسوية بين إيران وإسرائيل، فلا الضربات الجويّة والقصف الصاروخي الإسرائيلي يستطيع إخراج قوات إيران والميليشيات التابعة لها من سوريا، ولا روسيا لديها مصلحة في إبعاد إيران نهائيا عن سوريا.
السيناريو الثاني، الذي تحدثت عنه وسائل إعلام عديدة، هو إجراء مقايضة تشرّع فيها سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم والمناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا، مقابل المشاركة في عمل جراحي كبير لإخراج إيران من سوريا، وهو احتمال صعب.
القدس العربي