يبدو أن الأزمة التي تعيشها حكومة ماي بشأن بريكست أثارت قلق جيرانها الأوروبيين الذين يأملون بالخروج باتفاق واضح مع لندن يبين كيفية خروجها من الاتحاد الأوروبي ويضمن انتقالا سلسا للمؤسسات العاملة هناك.
وكان دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي وصف عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» بأنها تسببت في فوضى أثرت على العلاقات الأوروبية البريطانية.
وقال توسك: «الفوضى التي سببه بريكست هي أكبر مشكلة في تاريخ العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة».
ويأتي تعليق توسك بعد استقالة بوريس جونسون، من منصب وزير خارجية بريطانيا وسط أزمة سياسية متنامية حول استراتيجية لندن للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. واستقال جونسون بعد ساعات من تقديم الوزير المكلف ملفّ «بريكست» ديفيد ديفيز، استقالته أيضا اعتراضًا على خطة تيريزا ماي، الجديدة الخاصة بـ«بريكست» التي تقترح الإبقاء على علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد.
وفي تغريدة على حسابه عبر «تويتر»، أضاف توسك: «السياسيون يأتون ويذهبون لكن المشكلات التي يتسببون فيها تبقى». وأوضح أن المشكلات المرتبطة بالـ»بريكست» لن تحل برحيل ديفيز أو جونسون. وحصلت ماي قبل يومين، على موافقة الحكومة على خطة للحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج البلاد من الاتحاد.
غيّر أنّ مقترحات ماي تعمل على «تقويض المفاوضات مع بروكسل بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي» حسب ما أعلن ديفيز، قبل استقالته.
يشار أن رئيسة الوزراء البريطانية اعترفت، في تصريحات بوجود خلافات في حكومتها حول أفضل طريقة لتحقيق نتيجة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد.
وكانت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل قد رفضت في السابق دعوة ماي لمناقشة العلاقات المستقبلية بالتزامن مع مفاوضات بريكست وقالت في برلين «يجب أن توضح المفاوضات أولاً كيف سنفكك علاقتنا المتشابكة» مضيفة «فقط بعد معالجة هذه المسألة، يمكننا أن نبدأ الحديث عن علاقتنا المستقبلية، في وقت قريب بعد ذلك على ما آمل».
كما دعت ميركل إلى مفاوضات «نزيهة وبناءة» مع بريطانيا، وقالت «نحن في الاتحاد الأوروبي سنجري المحادثات المقبلة بطريقة نزيهة وبناءة». وأضافت «آمل أن تتحلى الحكومة البريطانية كذلك بنفس الروح خلال المفاوضات» مضيفة أن ماي طمأنتها بهذا الشأن خلال مكالمة هاتفية الثلاثاء. وأكدت ميركل أن مستقبل مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في بريطانيا سيكون من بين الأولويات في المفاوضات.
يشار إلى أنه سيكون للبرلمان الأوروبي الكلمة النهائية في أي اتفاق حول بريكست في تصويت يتوقع أن يجري في نهاية 2018 ومطلع 2019.
وانتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقف رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن «بريكست» في مقابلة أجراها مع صحيفة «ذا صن» البريطانية.
وقال: «أعتقد أن الاتفاق الذي تبرمه ماي ليس هو الاتفاق الذي صوت عليه الشعب، إنه ليس الاتفاق الذي كان في الاستفتاء».
وأضاف: «لقد عرضت على تيريزا، التي أحبها، وجهات نظري حول ما يجب القيام به وكيفية التفاوض. وأود أن أقول إنها ربما مضت عكس ذلك.» وأردف: «لكن ذلك سيؤثر بالتأكيد على الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، بطريقة سلبية».
وفي حين يسعى الاتحاد الأوروبي إلى عقد شراكة على الطريقة النرويجية أو اتفاق تبادل حرّ متقدم مثل الاتفاق المبرم مع كندا. إلا أن ماي ترفض هذين الخيارين وتصرّ على وضع اتفاق لبلادها «مصمم على القياس». في حين ينقسم وزراؤها حول مستوى العلاقة الذي يريدونه بين بلادهم وبروكسل.
وتريد رئيسة تيريزا ماي الحفاظ على الروابط الوثيقة إلى أقصى حدّ مع الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بلادها منه، وهو طموح يصطدم بالقيود التي وضعتها بروكسل وماي بنفسها.
وتستفيد النرويج من علاقة اقتصادية وتجارية متقدمة جدا مع الاتحاد الأوروبي، بما أنها عضو في الفضاء الاقتصادي الأوروبي. تملك حق الوصول إلى السوق الموحدة وهي ملزمة احترام حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال، من دون أن يكون لديها حق إبداء رأيها. ويستثني الاتفاق المنتجات الزراعية والمتعلقة بصيد السمك.
وبالإضافة إلى العلاقات التجارية، انضمت النروج إلى قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن المساعدات الحكومية والمنافسة والأسواق العامة. إلا أنها ليست جزءا من الاتحاد الجمركي.
إلا أن الحكومة البريطانية ترفض هذا النموذج وتعارض حرية تنقل الأشخاص كما أنها ترفض الاعتراف بمحكمة العدل الأوروبية. وبناء على «الخطوط الحمراء» التي وضعتها لندن برفضها السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، أعلن الاتحاد الأوروبي أن اتفاق التبادل الحرّ المبرم مع كندا (الاتفاق الاقتصادي والتجاري الشامل «سيتا») قد يكون نموذجا لعلاقته المستقبلية مع بريطانيا.
ولا يلغي هذا الاتفاق الرسوم الجمركية فحسب، انما يضع معايير مشتركة بشأن الصحة ومراقبة تسمية المنشأ والأسواق العامة. ويُبعد مثل هذا الاتفاق البريطانيين بشكل كبير عن الاتحاد الأوروبي، وقد يتطلب مثلما حصل مع كندا، سنوات من المفاوضات للتوصل إلى توافق حول درجة تنسيق ونسبة رسوم جمركية.
لكن لندن تتمنى التوصل إلى اتفاق «طموح أكثر» من الاتفاق مع كندا يضمّ الخدمات المالية، الأمر الذي ترفضه بروكسل. كما يشكل فرض رسوم جمركية بين بريطانيا والدول الأوروبية مشكلة كبيرة بالنسبة إلى ايرلندا التي لا تزال عضوا في الاتحاد الأوروبي. ويتمسك الأخير بألا تتحوّل حدود جمهورية ايرلندا مع إقليم ايرلندا الشمالية التابع لبريطانيا إلى حدود فعلية.
بالإضافة إلى ذلك تفكر تيريزا ماي باتفاق جمركي جديد يقضي أن تطبق المملكة المتحدة على السلع التي تنتقل من أراضيها باتجاه الاتحاد الأوروبي، القواعد والرسوم الجمركية التي تطبقها بروكسل في سياستها التجارية مع الدول الأخرى. وستُدفع المبالغ التي تجمعها الجمارك البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي. ويمكن للمملكة المتحدة أن تحدد رسوما جمركية خاصة بها للبضائع التي تدخل إلى أراضيها.
واقترحت أوروبا على ماي حلا مماثلا أطلق عليه تسمية حل جيرسي، يعيد تكرار التسهيلات الممنوحة إلى هذه الجزيرة وهي إحدى جزر القنال البريطاني. ويقضي هذا الاقتراح بإبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي لتنقل السلع ورؤوس الأموال لكنه يستثني الخدمات وحرية تنقل الأشخاص.
وفي حال فشلت المفاوضات، ستصبح المملكة المتحدة بين ليلة وضحاها دولة ثالثة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لن تعد علاقتهما محكومة إلا بقواعد منظمة التجارة العالمية.
وتفرض هذه القواعد تلقائيا رسوما جمركية وقيودا على التجارة، ستعوق التبادلات بين لندن وأوروبا.
وتقدّر كلية لندن للاقتصاد في دراسة، أن هذا السيناريو سيقلّص التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بنسبة 40 في المئة على عشر سنوات.
وكانت رئيسة وزراء بريطانيا هددت الاتحاد الأوروبي بالخروج منه دون صفقة، في حال لم يغير موقفه من مقترحات بلادها. وقالت ماي: «مقترحاتنا للخروج من الاتحاد الأوروبي هي الأنسب، وإذا استمر الاتحاد في موقفه الحالي فستخرج بريطانيا دون صفقة» فيما لم تفصل ماي تلك المقترحات أو أوجه الخلاف بين الجانبين. وأضافت أنّ مجلس الوزراء البريطاني «وافق على زيادة الاستعدادات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة».
غيّر أنّ مقترحات ماي تعمل على «تقويض المفاوضات مع بروكسل بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي»، حسب ما أعلن ديفيد ديفيز، قبل إعلان استقالته اعتراضًا على سياسات رئيسة الوزراء حول خطة «بريكست».
وفي هذا الشأن، لفتت ماي إلى توقعها «انخراط الاتحاد الأوروبي بشكل جدي في مقترحات بريطانية جديدة للخروج منه». يشار أن رئيسة الوزراء البريطانية اعترفت، في كلمتها، بوجود خلافات في حكومتها حول أفضل طريقة لتحقيق نتيجة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق المصدر ذاته.
واتخذت بريطانيا قرارًا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، عبر استفتاء أجرته في 23 حزيران/يونيو 2016.
وفي 29 آذار/مارس الماضي بدأت البلاد رسميًا عملية الخروج من الاتحاد، من خلال تفعيلها «المادة 50» من اتفاقية لشبونة، التي تنظم إجراءات خروج الدول الأعضاء، التي تنتهي بشكل كامل في 2019.
القدس العربي