ربما تكون معنويات مقاتلي “داعش” آخذة بالهبوط ولم يعودوا مصممين على القتال إلى النهاية كما كانوا في السابق. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه يجب أن تكون أخبارا جيدة للآلاف من الناس العالقين في هجين، في انتظار بدء المعركة النهائية.
* * *
تستعد عدة مئات من المفجرين الانتحاريين ونحو 4.000 مقاتل ينتمون إلى “داعش” للدفاع عن بلدة هجين التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سورية بالقرب من الحدود مع العراق.
وتشكل هذه البلدة آخر معاقل “الدولة الإسلامية”، مجموعة الموت الإسلامية المتشددة التي سيطرت قبل ثلاث سنوات على مناطق شاسعة بمساحة بريطانيا العظمى.
ويأتي الصراع من أجل هجين بعد سنة بالضبط من تلقي “داعش” هزيمة حاسمة باستيلاء القوات الأمنية العراقية، مدعومة من تحالف بقيادة الولايات المتحدة، على مدينة الموصل العراقية في 10 تموز (يوليو) 2017.
والآن، تطبق قوات متعددة مناهضة للتنظيم على بلدة هجين الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، كما يقول شاهد عيان محلي تحدثت معه “الإندبندنت” بعد هروبه من المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم.
وقال سطام، 32 عاماً، وهو معلم للغة العربية كان يعيش حتى وقت قريب في البحرة، الحي الواقع في شمال شرق هجين: “سمعت من الناس الذين يعملون مع مسؤولي داعش أن هناك أكثر من 200 طفل انتحاري، يُدعون “الأشبال” في هجين”.
“وما يزال هناك أكثر من 35.000 من السكان ونحو 4.000 مقاتل من “داعش” في البلدة”. وأضاف أن أقاربه، الذين ما يزالون في هجين، يقولون أن مقاتلي “داعش” حفروا أنفاقا عميقة هناك لحماية أنفسهم من الهجمات الجوية.
ويعتقد سطام أن الصراع على هجين ربما يستغرق وقتا أكثر من الحصار الذي استمر أربعة أشهر قبل استعادة الرقة، عاصمة “داعش” في سورية، التي استولت عليها قوات سورية الديمقراطية –المجموعة المكونة من الأكراد والعرب- بدعم أميركي.
ويقول سطام أن هجين تتعرض للقصف المتكرر والغارات الجوية، لكنها ما تزال في حاجة إلى هجوم كبير تشنه قوات برية.
وتقول الحكومة العراقية أن طائرات مقاتلة من طراز (ف-16) استهدفت في البلدة اجتماعاً لقادة “داعش” في ثلاثة منازل، ترتبط معاً بواسطة نفق، في هجين يوم 23 حزيران (يونيو) وقتلت 45 منهم.
وكان من بين القتلى نائب وزير الحرب في “داعش”، ورئيس شرطتها ورسول لـ”أبو بكر البغدادي”، الخليفة المعلن ذاتياً لتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يُعتقد أنه يتواجد حالياً في منطقة الحدود السورية-العراقية.
يقدم سطام، الذي لا يريد الكشف عن اسمه الكامل لأنه له ابن عم يعمل مزارعاً ما يزال يقيم في هجين، صورة مفصلة عن الحياة في البلدة الأخيرة التي ما يزال يحتفظ بها “داعش”.
على نطاق ضيق، يحتفظ التنظيم بالنظام الإداري المعقد الذي اعتاد أن يحكم به المدن الكبيرة مثل الموصل والرقة والفلوجة والرمادي، وكذلك العديد من البلدات في سورية والعراق.
ويقول سطام: “كنتُ على اتصال مع بض الأصدقاء العراقيين الذين يعملون في مكتب ضرائب ’داعش‘ في هجين”.
“كانوا يجمعون الرسوم من الأغنياء في البلدة لأن الكثير من أصحاب العقارات وغيرهم هناك لديهم أعمال في السعودية وقطر”.
ويقول أن البلدة معروفة جيداً على المستوى المحلي بمنازلها الكبيرة الجميلة التي يملكها التجار الذين ينتمون إلى قبائل محلية قوية.
ويقول أيضاً أن هناك احتكاكات حدثت في الصيف الماضي بين “داعش” وبين سكان هجين: “أتذكر عندما استطاع بعض الشباب العراقيين والسوريين إشعال النار في مركز أمن لداعش”.
في الوقت الحالي، يقوم “داعش” بمنع الناس من الهرب من المدينة، وهو تكتيك استخدمه في الموصل والرقة، وأفضى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح بسبب الغارات الجوية ونيران المدفعية.
أياً يكن توقيت الهجوم النهائي على هجين، فإنها سوف تسقط حتماً لأنها محاطة بثلاثة جيوش مختلفة.
ويعدد سطام القوى التي تحاصر البلدة: قوات سورية الديمقراطية التي يدعمها التحالف، وهي قوة كردية-عربية بقيادة كردية، والتي تتواجد إلى الشمال والشمال الشرقي والغرب؛ وقوات الحشد الشعبي العراقية شبه العسكرية إلى الشرق؛ والجيش السوري التابع للرئيس بشار الأسد إلى الجنوب.
كان أحد أسباب هزيمة “داعش”، على الرغم من مهاراته العسكرية وعناده الشديد، هو العدد الكبير لأعدائه.
عندما سُئل سطام عما يقال محليا عن مكان تواجد البغدادي، قال سطام أن أعضاء “داعش” أو أولئك الذين يعملون في مؤسساته “لم يعودوا يتحدثون عنه أو عن أي بيان أدلى به أو قرار اتخذه”.
وأضاف أن المقولة الشائعة في ريف دير الزور هي أنه ،”حتى لو كان الخليفة قد مات، فإنه ترك المئات من أبنائه من المفجرين الانتحاريين”.
وليس هذا دليلا على أن البغدادي قد مات، لأنه لو كان هذا صحيحاً، فإنه إما سيتم الاعتراف به، أو أنه سيكون سراً تتكتم عليه دائرته الداخلية بعناية.
في الأسبوع قبل الماضي، أعلن “داعش” عن موت ابن البغدادي، حذيفة البدري، 18 عاما، بينما كان يقاتل الروس والجيش السوري في محافظة حمص في سورية. وتقوم قنوات الإعلام الاجتماعي التابعة لـ”داعش” بالحديث عن استشهاده بكثافة، ولو أن هذه القنوات انكمشت كثيرا في العدد والتأثير.
شنت قوات سورية الديمقراطية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة “عملية جمع الشمل” يوم 1 أيار (مايو) بهدف الاستيلاء على آخر منطقة يحتفظ بها “داعش” بجوار الحدود السورية-العراقية.
وكان الهجوم قد استولى مُسبقا على البلدة الأخرى الوحيدة التي كانت ما تزال تحت سيطرة “داعش” –الدشيشة في محافظة الحسكة- في حزيران (يونيو) الماضي. وكان “داعش” قد احتلها لخمس سنوات ساءت خلالها ظروف سكانها باطراد.
كما قدم سالم أبو علي، 48 عاما، وهو مزارع من الدشيشة، وصفا مسهبا لصحيفة “الإندبندنت” عن الحياة في ظل “داعش” في البلدة، التي ظل يقيم فيها إلى أن استولت عليها قوات سورية الديمقراطية.
وقال سالم: “لم أستطع مغادرة البلدة لأن زوجتي مقعدة وأولادي غادروا البلدة إلى العراق في 2013 عندما احتلها داعش”.
عندما تولى “داعش” السلطة أول الأمر في تموز (يوليو) 2013، عاملوا الناس جيداً، كما يقول، لكنهم أصبحوا في العام التالي، ربما لأن انتصاراتهم جعلتهم مفرطين في الثقة بأنفسهم، أكثر رعباً وبدأوا في تنفيذ الإعدامات العلنية.
ويضيف: “الشيء المروع الذي رأيته عدة مرات هو أن الناس لم يكونوا يعرفون أن “داعش” سوف يقطع رؤوسهم”.
“ما أزال أتذكر رجلا كنت أعرفه، أبو محمد، الذي كان معصوب العينين ويصرخ بأنه بريء، لكن سكيناً كبيرة ضربت رقبته فجأة واخترقت حنجرته، واندفع الدم فجأة”.
وكان الرجل الذي قطع رأسه يصيح: “الله أمرنا بأن نقتل الكفار بلا رحمة”. ويقول سالم أن صديقه كان متهما من شخص يكرهه بالاتجار مع الحكومة السورية”.
ويذكر أن ذلك حدث في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، عندما كان مقاتلو “داعش” غاضبين بسبب الأخبار السيئة التي تصلهم من الموصل، التي كان يحاصرها الجيش العراقي. وبدأ مقاتلو “داعش” بالوصول من العراق في أعداد كبيرة في عربات مدرعة ومعهم نساء سجينات. “وبعد ذلك قيل لنا أنهن يزيديات سيتم أخذهن إلى الرقة”.
بدأ هجوم قوات سورية الديمقراطية على الدشيشة قبل شهرين، مصحوباً بضربات جوية كل يوم.
ويقول سالم: “لم يكن هناك قتال في المدينة، كان القتال في المزارع حول الدشيشة. ومعظم أولئك الذين قاتلوا كانوا من الأجانب، معظمهم من أذربيجان”.
كان مقاتلو “داعش” المحليون قد انسحبوا من البلدة، والكثيرون منهم استسلموا للسلطات في سورية أو العراق. وانتهى المطاف بسالم معتقلاً في معسكر يدعى “الحول” وتديره قوات سورية الديمقراطية، إلى أن أنقذه ابن عم له، كفله وضمن أنه لا يشكل خطراً.
بعد سلسلة من الهزائم الكارثية في العراق وسورية، ربما تكون معنويات مقاتلي “داعش” آخذة بالهبوط ولم يعودوا مصممين على القتال إلى النهاية كما كانوا في السابق. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه يجب أن تكون أخباراً جيدة للآلاف من الناس العالقين في هجين، في انتظار بدء المعركة النهائية.
باتريك كوبيرن
الغد