تجد منظمة “الخوذ البيضاء” السورية نفسها مجددا في خضم العواصف، بعد خبر إجلاء مئات من عناصرها عبر إسرائيل إلى الأردن باتجاه دول غربية لاحقا، وتحضر نظرية المؤامرة والتخوين في إعلام النظام لتشويه صورة المنظمة التي أنقذت أرواح مئات آلاف السوريين.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان الأحد أنه أنجز -في مهمة إنسانية- إجلاء ثمانمئة عنصر من المنظمة وعائلاتهم من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة السورية إلى إسرائيل، ثم إلى الأردن. فيما أكدت عمّان موافقتها على مرورهم عبر أراضيها -تحت رعاية الأمم المتحدة- قبل إعادة توطينهم في ثلاث دول غربية، هي ألمانيا وبريطانيا وكندا.
وكانت تقارير صحفية أميركية قد كشفت الأسبوع الماضي أن واشنطن ودولا أوروبية تعمل على تنفيذ خطة لإجلاء أعضاء المنظمة وعائلاتهم من سوريا خوفا على حياتهم، بعد تحقيق جيش النظام تقدما في درعا والقنيطرة.
واستغل إعلام النظام هذه المعطيات -وخاصة التدخل الإسرائيلي في مناطق المعارضة المسلحة لإجلاء “الخوذ البيضاء”- في تأثيم المنظمة الإنسانية الأبرز في سياق الأزمة السورية، واصفا أعضاءها بأنهم “عملاء”.
أبطال الحرب وضحاياها
وإثر سيطرة النظام على الغوطة الشرقية ثم بقية المناطق المحيطة بدمشق، بقي عناصر الخوذ البيضاء عرضة للاعتقالات والتصفية، ففروا إلى درعا والقنيطرة، وبعد سيطرة النظام على معظم المناطق هناك دخلوا إلى آخر مواقع المعارضة في القنيطرة، قبل أن يتم إجلاؤهم بطلب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفق الرواية الإسرائيلية.
وكانت “القبعات البيضاء” أو “الخوذ البيضاء” (الدفاع المدني السوري) قد تشكلت من رحم التنسيقيات المدنية التي ظهرت بعد تفجر الثورة السورية عام 2011، وذلك بعد تخلي منظمات الإغاثة عن مهامها في إسعاف الجرحى، حيث أسس أواخر 2012 نحو مئة مركز في ثماني محافظات سورية.
والمنظمة تتكون من حوالي ثلاثة آلاف متطوع سوري ينتمون إلى مشارب مختلفة، وهم غير مسلحين ويتدخلون في الحالات الطارئة، وهي منظمة حيادية وغير منحازة وليس لها ولاء لأي حزب أو جماعة سياسية.
ومنذ تأسيسها عام 2013 في ريف حلب، ساهمت الخوذ البيضاء في إنقاذ أرواح أكثر من مئة ألف مدني، خاصة في المدن والتجمعات الكبرى التي تعرضت لقصف النظام، وفقدت أيضا أكثر من 240 من منتسبيها في غارات وهجمات.
وتحظى هذه المنظمة باحترام دولي لجهودها، ونالت في سبتمبر/أيلول 2016 “جائزة رايت لايفليهود” -المعروفة باسم جائزة نوبل البديلة- كما حصل فيلم “الخوذ البيضاء” (The White Helmets) للمخرج البريطاني أورلاندو فون إيسينديل على أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير لعام 2017.
ويرى مدير الخوذ البيضاء رائد الصالح أن المنظمة لطالما تعرضت لدعاية مضللة من قبل قنوات النظام وروسيا، وأن ردها على تلك الافتراءات كان عبر أعمالهم المتجسدة على أرض الواقع.
تعتيم الصورة
وترى وسائل إعلام النظام والمقربة منه أن إجلاء أعضاء الخوذ البيضاء بعملية سرية إسرائيلية للجيش في مناطق المعارضة إلى الأردن الذي منع سابقا دخول لاجئين سوريين، يثبت -بحسب هذا الإعلام- الشبهات التي تحوم حولها، ويؤكد أهمية المنظمة للغرب وأن دورها يتجاوز الجانب الإنساني وأن منتسبيها أكثر من مجرد منقذين.
ويؤكد النظام السوري أن الخوذ البيضاء منظمة بريطانية الأصل أسسها الضابط السابق “جايمس لو موزورييه”، وتمولها أساسا هي والولايات المتحدة -التي أوقفت دعمها لاحقا- ومنظمات دولية مناهضة للنظام وروسيا، للعب دور في توجيه الرأي العام والحرب عبر استغلال الجانب الإنساني.
وتركز الدعاية المضادة أيضا على ارتباط الخوذ البيضاء بالمنظمات المصنفة إرهابية، وخاصة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليا)، وتنشر مقاطع لأشخاص يظهرون في الجبهات مع بعض هذه الفصائل، ثم لاحقا في صفوف الدفاع المدني.
وتمعن وسائل إعلام النظام في الترويج للتقارير التي تدين المنظمة، وخاصة دورها المزعوم في “فبركة” الهجمات الكيميائية في خان شيخون في إدلب (أبريل/نيسان 2017) ودوما بالغوطة الشرقية (أبريل/نيسان 2018)، وتسهب في الترويج لمقال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في هذا السياق الذي تعتبره المعارضة بوقا للنظام السوري.
ويقول مدير المنظمة رائد الصالح إن الخوذ البيضاء قدمت كل القرائن في هجوم دوما، وإن “النظام وروسيا يسعيان إلى تشويه صورتنا بشتى الطرق.. وهم فعلوا الأمر ذاته عندما اتهمونا بتدبير هجمات خان شيخون العام الماضي أيضا”.
وكانت صحيفة الغارديان قد كشفت في تحقيق للكاتبة أوليفيا سولون (عدد 19 ديسمبر/كانون الأول 2017) أن المنظمة كانت ضحية حملة روسية على وسائل التواصل الاجتماعي، لتصويرها على أنها “جماعة إرهابية” لا تختلف عن تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وفق التحقيق.
المصدر : الجزيرة