أصبح المشهد السياسي العراقي أكثر وضوحا وأعمق حضورا في تداعياته التي نراها ونلمسها من خلال الإنتفاضة الشعبية العارمة التي إجتاحت جميع محافظات الوسط والجنوب العراقي وكانت تحمل معها دلالات عميقة ورسائل واضحة تحاكي الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناء الشعب العراقي في جميع الميادين الإجتماعبة والإقتصادية والسياسية ،فانعدام الخدمات وسوع الأوضاع الصحية والتعليمية والمعاشية كلها علامات بارزة تؤطر حالة الوضع العام في عموم العراق .
جاءت إنتفاضة أبناء الوسط والجنوب لتشكل صوتا موحدا للعراقيين بوجه جميع الإخفاقات التي رافقت العملية السياسية المقيتة بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وتشكيل (5) حكومات في ظل الاحتلال والنفوذ الايراني لم تستطع جميعها الارتقاء الى معاناة الشعب العراقي بل أصبحت تشكل عبئا ثقيلا عليه وكبلته بأزمات إقتصادية وإجتماعية طيلة (15) سنة لم يشهد خلالها المواطن العراقي بجميع إنتماءاته أي تطور أو تقدم في مسارات حياته ولم يلمس أي بناء أو انجاز اقتصادي في جميع المجالات الزراعية والصتاعية والتجارية وكانت السمة الاساسية هي الاستمرار بهدر المال العام وسرقة ثروة الشعب والتحكم بمصيره الذي يريده ويسعى اليه المنتفعين والسياسين والانتهازين مصيرا مجهولا يحافظ فيه على مصالحهم وغاياتهم في الكسب الحرام وسرقة ممتلكات العراق وهدر مكتسبات شعبه .
من هنا انطلقت طلائع الانتفاضة الشعبية لتعبر عن حقيقة هذه المعاناة ولترسم صورة واضحة للمشهد السياسي العراقي ولترفع شعارات التغيير والمطالبة بالحقوق ومحاسبة الفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة ،وبقراءة واضحة للواقع الذي نشهده الان وبعد ثلاث أسابيع يمكن لنا أن نسجل الأتي :
1.إتسمت الإنتفاضة الشعبية بوضوح أهدافها ومنطلقاتها وتوجهاتها فكانت تحاكي المطالب الشعبية التي تنبع من معاناة يومية في غياب الخدمات الأساسية للمواطن من كهرباء ومياه صالحة للشرب ودعوة لمعالجة ظاهرة البطالة بين عموم الشباب .
2.رفضت الجماهير المنتفضة عمليات إحتواء تظاهراتها وبدأت بالإعلان عن نفسها بأنها تشكل صيحة بوجه الفساد والفاسدين ودعوة للإصلاح والبناء والتغيير ومنعت جميع الأحزاب والكتل السياسية من إجتثاثها أو الإساءة لها .
3.أرسلت رسائل عديدة وبخطابات فعلية عندما هاجمت مقرات الأحزاب والمليشيات المسلحة والتي حملتها نتيجة الأوضاع السائدة في العراق وما ألت اليه أحوالهم المعاشية والإقتصادية وغياب الرؤى الحقيقية والرامج الأساسية في وضع سياسة إقتصادية وإجتماعية واضحة لبناء البلد .
4.حققت الإنتفاضة الشعبية رأيا سياسيا يسعى لرفض التواجد الإيراني في العراق من خلال الشعارات والهتافات التي نادت بخروج الإيرانيين ورفض تدخلاتهم في القرار العراقي والوضع السياسي الذي يمر العراق وأتضح هذا المطلب بحرق مقرات المليشيات المسلحة المرتبطة بأجهزة الإستخبارات الإيرانية وتمزيق وحرق صور العديد من الشخصيات الدينية الإيرانية التي رفعت في العديد من شوارع البصرة وباقي المحافظات ومنها صور الخميني وخامنئي .
5.السعي الى تنسيق واضح ودقيق للتظاهرات وتحديد مواعيدها ورسم ملامحها وإيجاد لجان تنسيقية لها تؤكد استمرارها حتى تحقيق أهدافها والغايات التي خرجت من أجلها بعدما يأس أبناء الشعب العراقي من الوعود الكاذبة التي يطلقها العديد من السياسين ورؤساء الأحزاب السياسية .
6.إتسمت المعالجات الحكومية بإجراءات غير فعالة ولا يمكن تحقيقها في الزمن القريب وكانت تحمل في طياتها أساليب سريعة تحاول إمتصاص النقمة الشعبية التي واجهتها الحكومة العراقية وإن جميع المراقبين للمشهد السياسي العراقي يقولون أين كانت رئاسة الوزارة من هذه الإجراءات ولماذا أتخذت الأن ؟
7.إستخدام العنف والإجراءات الأمنية التعسفية في مواجهة المنتفضين بإستخدام الرصاص الحي والغاز المسل للدموع والخراطيم المياه والهراوات مما أدى الى إستشهاد (17) مواطنين وجرح (729) أخرين وإعتقال أكثر من (500) متظاهرأطلق سراح (336) منهم بفعل الإحتجاجات التي نادت بها منظمات حقوق الإنسان والمرصد العراقي للحريات
8.تصاعدت حدة المطالب الشعبية وهتف المنتفضون بشعار (الشعب يريد إسقاط الأحزاب السياسية) وهو شعار مشابه للأحداث التي جرت في العديد من العواصم العربية في ربيع عام 2011 وطالبت بإسقاط الأنظمة الحاكمة .
9.إن الوعود التي تحدثت بها الحكومة العراقية وأعلنتها للمنتفضين بعد عدة لقاءات مع رؤساء العشائر والشخصيات الإجتماعية المؤثرة في المحافظات المنتفضة ستكون وبالا عليها إذا لم تستطع تحقيقها والإيفاء بها وهذا ما عبر عنه المنتفضون بمنحهم الحكومة فترة زمنية مدتها عشرة أيام ومن ثم معاودة الإنتفاضة والمطالبة بإنتهاء عمر الطبقة السياسية العراقية المتهمة بالفساد والمحسوبية وإن هذه النهاية قد لا تتحق بسرعة ولكن المنتفضين وضعوا مقدماتها بوضوح.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية