ثمة ارتباك كبير داخل إدارة ترامب وخارجها حول طبيعة “الاتفاقات” التي أبرمها الرئيس ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الخاص في هلسنكي مؤخراً. وأحد الأشياء التي نعرفها هو أن ترامب ما بعد القمة أصبح يؤيد الآن صفقة حول سورية كان قد أبرمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأسبوع السابق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
قبل قمة ترامب – بوتين الخاصة، كان نتنياهو قد اتصل بترامب لاستعراض تفاصيل الاتفاق، والتي كنتُ قد كتبتُ عن البعض منها سابقاً. وكان نتنياهو قد وضع اللمسات النهائية على الشروط مع بوتين خلال زيارته لموسكو في الأسبوع قبل الماضي. ثم تحدث بوتين وترامب كلاهما علناً عن الاتفاقية منذ هلسنكي، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر. ولكن، لا ينبغي أن تخالطك أي شكوك؛ إن الاتفاقية حقيقية، وسوف تعيد تشكيل الكيفية التي ستتصرف بها قوى الشرق الأوسط في جنوب سورية في الأشهر والسنوات القادمة.
تخبرني مصادر من الإدارة الأميركية، والذين يعترفون بأنهم ليسوا على دراية كاملة بما حدث بالضبط داخل اجتماع ترامب- بوتين، بأن ترامب أصبح الآن منضماً بالكامل إلى اتفاق بوتين ونتنياهو حول سورية. وقد أشار ترامب إلى ذلك يوم الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض.
وقال ترامب: “لقد ناقشنا مسألة إسرائيل وأمن إسرائيل، والرئيس بوتين منخرط للغاية معنا الآن وفي المناقشة مع بيبي نتنياهو بشأن الخروج بشيء ما حول سورية… وبالتحديد فيما يتعلق بأمن إسرائيل وأمانها طويل الأمد”.
لكن أحداً لم يبد اهتماماً كبيراً بهذا التصريح، ربما لأن ترامب، في نفس المجموعة من الملاحظات، كان يحاول أيضاً تعديل ملاحظاته التي أدلى بها في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع مع بوتين، حيث فشل في الاصطفاف مع وكالات الاستخبارات الأميركية بشأن تقييمها للتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
لكن مصادر في الإدارة قالت – على الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يكون متأكداً لأن ترامب لم يقدم معلومات كاملة لموظفيه أنفسهم- أن الفهم السائد هو أن بوتين أطلع ترامب على شروط الصفقة السورية، على نحو يشبه كثيراً ما فعله نتنياهو مع ترامب قبل الاجتماع. كما تحدث بوتين عن الصفقة السورية خلال مؤتمره الصحفي مع ترامب، على الرغم من أن قلة هي التي لاحظت ذلك.
قال بوتين إن الرئيسين ناقشا “سحق الإرهابيين” في جنوب سورية، وقال إن المنطقة “يجب أن تُجلَب إلى الالتزام الكامل” باتفاق “فصل القوات” بين إسرائيل وسورية للعام 1974. وقدم بوتين الاتفاق على أنه طريقة لحماية الأمن الإسرائيلي وإصلاح العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال بوتين: “هذا سوف يحقق السلام في مرتفعات الجولان ويجلب علاقة أكثر سلاماً بين سورية وإسرائيل، وسوف يوفر الأمن أيضاً لدولة إسرائيل. لقد أولى (ترامب) اهتماماً خاصاً لهذه القضية خلال مفاوضات اليوم، وأود أن أؤكد أن روسيا مهتمة بهذا التطور، وأنها ستعمل وفقاً لذلك.”
ثمة المزيد من التفاصيل حول الاتفاقية، والتي يمكنني الآن أن أذكرها استناداً إلى محادثات أجريتها مع العديد من المصادر الحكومية والدبلوماسية. وكلهم يقولون إن هذه الصفقة استندت إلى رغبة نتنياهو في ضمان وضع إسرائيل، لأن نظام الأسد وروسيا على وشك إنهاء هجومهما لاستعادة السيطرة على الأراضي الواقعة على حدود إسرائيل. وهي منطقة احتفظ الثوار بالسيطرة عليها لعدة سنوات -حتى وقت قريب بدعم من الولايات المتحدة.
ثم تخلت إدارة ترامب عن تلك الجماعات عندما خرقت روسيا اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته مع الولايات المتحدة وساعدت الأسد في استعادة السيطرة على المنطقة، وقصف المدنيين من الأرض والجو. وقد تم تشريد ما يقرب من 140 ألف مدني بسبب القتال، وهم ما يزالون عالقين وبحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ظلت إسرائيل محايدة إلى حد كبير في الحرب الأهلية السورية، ولكنها أرادت أن يذهب الأسد، وكانت تساعد السوريين بهدوء عبر حدودهم بتقديم الرعاية الطبية الطارئة والدعم الإنساني. ولكن، عندما أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تتدخل في جنوب سورية لوقف الأسد وروسيا، قام نتنياهو بعقد صفقة مع بوتين للتأكد من حماية مصالح إسرائيل.
وبموجب هذه الصفقة، فإن إسرائيل (والآن الولايات المتحدة، على ما يبدو) ستصادقان رسمياً على سيطرة نظام الأسد على المنطقة، والعمل على تنفيذ اتفاق العام 1974، الذي يحدد الحدود المادية وينص على نشر مراقبين للأمم المتحدة بين السوريين والإسرائيليين. وبموجب الاتفاق الجديد، توافق روسيا على إبقاء القوات الإيرانية والمجموعات الوكيلة على بعد 80 كيلومتراً، أو حوالي 50 ميلاً، من حدود إسرائيل (إذا أمكن)، وقد وعد بوتين بعدم الاعتراض إذا ما قامت إسرائيل بضرب أصول إيرانية في جنوب سورية، خاصة إذا نشرت إيران أسلحة تهدد إسرائيل، مثل الصواريخ الاستراتيجية أو الأنظمة المضادة للطائرات.
بطبيعة الحال، هناك شكوك واسعة حول قدرة روسيا على إجبار إيران على فعل أي شيء في سورية. وقال دانيال كوتس، مدير المخابرات الوطنية، في منتدى أسبن للأمن يوم الخميس: “لقد قدَّرنا أنه من غير المرجح أن تمتلك روسيا الإرادة أو القدرة على مواجهة قرارات إيران ونفوذها بشكل كامل في سورية”.
لكنها بشكل عام صفقة يمكن لإسرائيل أن تعيش معها، والتي تضع إطاراً للعلاقات الإسرائيلية مع جارتها القوية الجديدة -روسيا. ولا يمكن لوم الإسرائيليين على كونهم واقعيين حول حقيقة أن روسيا، وليس الولايات المتحدة، هي القوة التي عليهم العمل معها أكثر ما يكون في الشرق الأوسط الآن.
وقال يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة: “رئيس وزراء إسرائيل يذهب إلى موسكو أكثر مما يذهب إلى واشنطن. أقول ذلك كطريقة لمحاولة إخبارك بمدى اختلاف الشرق الأوسط اليوم”.
تعمل الصفقة بشكل جيد لخدمة المصالح الإسرائيلية، ولكن ماذا عن المصالح الأميركية؟ من المأساوي أنها لا توجد رسالة واضحة من إدارة ترامب حول ماهية تلك المصالح. ولطالما أجرت الولايات المتحدة وروسيا مباحثات متوازية حول سورية، وهي الكيفية التي تم بها التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير. وفي حزيران (يونيو)، التقى بريت ماكغورك، مبعوث وزارة الخارجية الأميركية إلى التحالف العالمي المناهض لداعش، وديفيد ساترفيلد، القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، مع نظرائهم الروس في فيينا لمناقشة مختلف جوانب القضية السورية. لكن أياً من هؤلاء المسؤولين الأميركيين أو الروس لم يكن حاضراً في هلسنكي.
لقد أوضح ترامب أن أولويته هي سحب كل القوات الأميركية من سورية وتجاهل العواقب. ويعتقد مستشاروه للأمن القومي أن ذلك سيكون كارثياً، ويحاولون إظهار إحراز تقدم قبل أن يفقد الرئيس كل الصبر ويلغي المهمة كلها جملة وتفصيلاً. وقد أوقف ترامب مسبقاً جميع المساعدات المخصصة لاستعادة الاستقرار في شمال شرق سورية، وهي منطقة تكافح للتعافي من سنوات قضتها تحت حكم “داعش”.
والنتيجة هي عدم وجود استراتيجية أميركية واضحة، وتراجع حاد في النفوذ الأميركي على الأرض وعلى طاولة المفاوضات. وكانت لإدارة أوباما على مدى سنوات سياسة سيئة في سورية، لكن الرئيس باراك أوباما امتلك على الأقل بعض الروافع في اللعبة، وقدم بعض الحماية والسلوى للمدنيين السوريين الأبرياء الذين كان من المفترض أن تعتني الولايات المتحدة بمصالحهم.
وقال توني بلينكن، نائب وزير الخارجية السابق: “يجب على أي واحد منا كان منخرطاً في السياسة السورية خلال السنوات الماضية أن ينظر في المرآة ويشاهد الفشل. إننا لم نفلح. والفشل يستمر. والمعاناة تتواصل”.
جوش روغين
الغد