إيران والقس برانسون يغذيان الخلافات المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن

إيران والقس برانسون يغذيان الخلافات المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن

أنقرة – حميرة باموق ودومينيك ايفانز – أيّ آمال تركية في أن تخفّ حدة الأزمة مع الولايات المتحدة بفعل العلاقة الشخصية بين زعيمي البلدين تبدّدت الأسبوع الماضي عندما حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تركيا مباشرة بفرض عقوبات بسبب أزمة احتجازها لقس أميركي، وبالإضافة إلى خلافات بشأن عدد من القضايا من بينها سياسة واشنطن في سوريا ومطالبة أنقرة بترحيل رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه تركيا بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب عام 2016 ومخاوف واشنطن بشأن احتجاز أميركيين وموظفين بالسفارة الأميركية في تركيا.

مع تزايد العداء لأنقرة في الكونغرس بسبب خلافات تشمل مصير القس المسيحي آندرو برانسون وعقوبات إيران وخطط تركيا لشراء نظام دفاع صاروخي روسي، كان المسؤولون الأتراك ينظرون للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه يمثل حماية محتملة في مواجهة أسوأ تداعيات لانهيار العلاقات. لكن، في علاقة تعاني من تبادل الاتهامات وسوء التفاهم وسياسات الشرق الأوسط التي لا يمكن التوفيق بينها في ما يبدو، يتبيّن أن تعليق الأتراك الآمال على ترامب قد يكون خطأ في التقدير.

قضية القس برانسون
كثّف ترامب ونائبه مايك بنس وسط الأسبوع الماضي من سلسلة التهديدات الموجّهة لتركيا عبر التحذير بفرض عقوبات كبرى على أنقرة إذا لم تطلق سراح القس الأميركي آندرو برانسون.

وكانت السلطات التركية قررّت وضع برانسون تحت الإقامة الجبرية عقب سجنه لمدة 21 شهرا بتهمة دعم جماعة فتح الله غولن، المتهمة من قبل نظام أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 15 يوليو عام 2016، الأمر الذي ينفيه غولن.

ويرى الكثير من المحللين أن الجدل الجديد يشي بأن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة أخذت منحى الانهيار. وقال ترامب عبر حسابه على تويتر إن “الولايات المتحدة ستفرض عقوبات كبرى على تركيا بسبب احتجازها طويل المدى للقس آندرو برانسون، وهو مسيحي عظيم ورب أسرة وإنسان رائع”. وطالب بوجوب إطلاق سراح القس الذي يقول إنه رجل بريء ويعاني بشدة لذلك من الضروري على أنقرة أن تفرج عنه فورا.

ووجه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس تحذيرا مباشرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيه “إلى الرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة التركية، لديّ رسالة نيابة عن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، أطلقوا سراح القس آندرو برانسون أو استعدوا لمواجهة العواقب”.

لم يكشف ترامب عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكن هناك مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي لتقييد القروض إلى تركيا من المؤسسات المالية الدولية وافقت عليه لجنة الخميس الماضي، وهي خطوة مبكرة مهمة لإقرار التشريع.

وفي الآونة الأخيرة، بات القس برانسون محور التركيز المعلن للغضب الأميركي من تركيا، التي كانت ذات يوم واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن الثقة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي ظلت تتآكل منذ سنوات.

وكانت اللحظة الأسوأ لتركيا عندما قررت واشنطن في عام 2017 تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة “جماعة إرهابية”، لقيادة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا.

ثم قالت تركيا إنها بصدد إبرام اتفاق لشراء نظام دفاع جوي روسي في خطوة رأت واشنطن أنها ستضر بأمن حلف شمال الأطلسي وتجازف بخطط تركية لشراء مقاتلات أميركية من طراز أف 35. وتفاقمت الأزمة عندما احتجزت السلطات التركية موظفين بالقنصلية الأميركية بزعم صلاتهم بمحاولة انقلاب في يوليو عام 2016.

المشكلة في تفكير الحكومة التركية هي أنها مازالت تعتقد أن هذا الأمر يعود إلى السلطة التنفيذية. الكونغرس هو الذي يحدد الأجندة الآن، ويجب أن يمثل ذلك تحذيرا

وقالت تركيا إن العقل المدبر لمحاولة الانقلاب هو رجل الدين الإسلامي فتح الله غولن الذي يقيم في ولاية بنسلفانيا منذ نحو 20 عاما. وكانت تركيا قد قدّمت طلبات متكررة دون جدوى من أجل تسليم غولن، لكن ردت واشنطن بأن المحاكم تطلب أدلة كافية قبل أن تتمكن من تسليمه.

وقال هوارد إيسنستات، الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة سان لورانس، “كانت هذه سلسلة من حالات سوء التفاهم أضرت بالثقة حتى نقطة الانهيار”. وأضاف “هذا يشبه الطلاق البغيض حقا حيث فقد الجانبان الثقة ببساطة في بعضهما البعض. إنهما يشعران بالإساءة، ولأنهما يشعران بالإساءة يشعران بالحق في التجني على حقوق الآخرين”.

وتصرّ تركيا على أن محاكمة القس برانسون في تهم تتعلق بالإرهاب مسألة تقررها المحاكم. وينفي القس الاتهامات. ووصفته واشنطن بأنه رهينة وطالبت بالإفراج الفوري عنه وعن اثنين من موظفي القنصلية الأميركية المحتجزين بالإضافة إلى موظف قنصلي ثالث رهن الإقامة الجبرية.

وكان احتجاز برانسون أحد الأسباب التي دفعت مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع قبل الماضي إلى المطالبة بفرض حظر على مبيعات مقاتلات من طراز أف 35 إلى تركيا ما لم يثبت ترامب أن تركيا لا تهدد حلف شمال الأطلسي أو تشتري معدات دفاعية من روسيا أو تحتجز مواطنين أميركيين.

من التصافح إلى الخلاف

تراهن تركيا على مزيد لعب أدوار هامة في العديد من القضايا الدولية والإقليمية منذ القمة التي عقدت بين الرئيسين أردوغان وترامب في جو ودي للغاية منذ ديسمبر 2017. إلا أن التحسّن في العلاقات الشخصية بين زعيمي البلدين لم ترافقه من الناحية السياسية تنازلات أو تلبيات لتطلعات بعضهما البعض.

وبتقليلها من شأن أي تهديد من الكونغرس مازالت أنقرة تراهن على قوة ترامب، بتأكيدها أنه سيقرر في نهاية المطاف الأمور. وقال أردوغان للبرلمان التركي الأسبوع الماضي “هذا شيء يعود تماما إلى تقدير الرئيس الأميركي”، مشيرا إلى مبيعات مقاتلات أف 35. وتحدث مسؤول تركي عن تفاهم أفضل آخذ في الحدوث. وربط التحسن الملحوظ بما قال إنها سيطرة ترامب المتزايدة على السياسة الأميركية على النقيض من “عقلية بعض أعضاء الكونغرس”.

لكنّ مسؤولين أميركيين ومحللين يقولون إن التركيز على ترامب، الذي تصافح مع بوتين بقبضة اليد في قمة حلف شمال الأطلسي في أوائل يوليو، كان سوء تقدير كبيرا من تركيا. وقال آرون ستاين، المقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن، “المشكلة في تفكير الحكومة التركية هي أنها مازالت تعتقد أن هذا الأمر يعود إلى السلطة التنفيذية. الكونغرس هو الذي يحدد الأجندة الآن، يجب أن يمثل ذلك تحذيرا”.

ويتزايد في تركيا العداء للولايات المتحدة على وقع تباعد السياسات التي تتبعها أنقرة وواشنطن في المنطقة لا سيما بشأن سوريا وإيران. ومع تمركز القوات الأميركية إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، حذر أردوغان في وقت سابق من هذا العام من أن الجنود الأميركيين ربما يقعون في مرمى نيران أي عمل عسكري تركي ضد المقاتلين الأكراد قرب مدينة منبج.

وتلوح في الأفق خلافات جديدة بشأن إيران. وأعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران ودعا إلى فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية. وتقول تركيا، التي تشتري قدرا كبيرا من نفطها من إيران المجاورة، إن واشنطن لا تستطيع أن تملي شروطها في ما يتعلق بالتجارة مع الدول الأخرى.

العرب