استراتيجية تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2015

استراتيجية تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2015

ينشر معهد دراسات الحرب تقريرًا هامًا، يوم الاثنين 18 مايو، عن الحرب البرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، للكاتبة جيسيكا لويس ماكفيت مديرة الأبحاث في معهد دراسة الحرب في واشنطن، والمسؤولة السابقة في جهاز الاستخبارات في الجيش الأمريكي، والتي قضت الكثير من الوقت في العراق تتبع تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الأخرى. كما أنّها رئيسة المحلليين لشؤون داعش في المعهد، وواحدة من الخبراء العالميين في شؤون المنظمات المتطرفة.

يعرض هذا التقرير تفاصيل عن نقاط القوة والضعف في داعش، إضافة إلى الخطوات اللازمة للتصدي لهذه الجماعة في عام 2015.

تشير ماكفيت إلى أنّ “الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لإسقاط داعش في العراق شهدت نجاحًا مبكرًا. ومع ذلك، فإنّ داعش هو نوع من العدو المرن الذي يتكيف مع مختلف الظروف؛ لذلك فمن الصعب هزيمته بشكل نهائي. التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سوف يُعرّض نفسه للخطر إذا أخطأ في التفكير بأنّ تكتيكات داعش البسيطة هي خسائر حقيقية في قدرات التنظيم العسكرية بشكل عام؛ لأنّ هدف داعش هو البقاء والتوسع“.

كبح جماح داعش في عام 2015

يسعى تنظيم داعش إلى خلافة عالمية، وفقًا لدعايته ورؤيته العالمية التي أعلنها في مرات عديدة. وفي العدد الخامس من مجلة التنظيم متعددة اللغات “دابق”، يقول التنظيم:

“سيُرفع علم الخلافة في مكة والمدينة المنورة، حتى لو كره الكافرون والمنافقون، وسيُرفع في بيت المقدس وروما، حتى لو كره اليهود والصليبيون، وسيمتد ظل العلم المبارك حتى يغطي الأرض كلها من الشرق إلى الغرب، ويملأ العالم بحقيقة وعدالة الإسلام، وينهي باطل وطغيان الجاهلية، حتى لو كرهت أمريكا وحلفها“.

هدف داعش هو حرب عالمية، وليست حربًا محدودة من أجل السيطرة المحلية داخل العراق وسوريا. وتتطلب رؤية داعش لتحقيق خلافة مزدهرة التحريض على حرب أوسع لكشف الدول المتنافسة مع التنظيم على الشرعية.

الدافع لهذه الحرب الشاملة هو كيفية تأطير تنظيم داعش لأهدافه في عام 2015 إلى ما بعد العراق وسوريا؛ فالتنظيم يجب أن يحافظ على وجوده المادي داخل هذه الدول بالتزامن مع هدفه الثاني وهو التوسع في جو من الاضطراب الإقليمي. ووفقًا لذلك، حدد “داعش” هدف “البقاء والتوسع” للمسألة المشار إليها أعلاه في عدد دابق الذي نُشر في نوفمبر 2014.

666

استراتيجية “البقاء والتوسع”، هي بيان لمهمة استراتيجية لها هدفان؛ الأول، أنها تدعم دفاع داعش داخل العراق وسوريا، والثاني، أنها تسعى للتوسع الحرفي للخلافة.

أعلن تنظيم داعش عمليات التوسع في ليبيا وسيناء، وأماكن أخرى من العالم العربي في أواخر عام 2014، في الوقت الذي كان فيه تحت الضغط؛ في لحظة ضعف أُثيرت خلالها شائعات عن وفاة أبي بكر البغدادي، قائد التنظيم. توقيت هذا التوسع المعلن زاد من زخم داعش أثناء مواجهة التنظيم لهجمات مضادة داخل العراق وسوريا.

التوسع العالمي هو الحافز الذي يرغب في نشره تنظيم داعش في بعض الأحيان عندما يعاني من خسائر تكتيكية؛ وبالتالي، فإنّ التوسع في مناطق جديدة هو عملية دعم دفاعية، وخطة تنفيذية ملموسة لزيادة حجم الخلافة.

33333

تؤطر الدولة الإسلامية استراتيجيتها عبر ثلاث حلقات جغرافية: الحلقة الداخلية في بلاد الشام، والخارج القريب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والخارج البعيد في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. يتوافق الإطار الاستراتيجي لداعش مع حملة شاملة ثلاثية الأهداف: للدفاع داخل العراق وسوريا، ولتوسيع عملياته إقليميًا، والعرقلة والتجنيد على نطاق عالمي.

العراق دولة مركزية لأصل الخلافة في داعش، ومن المرجح أن تكون مركزية أيضًا لكثير من الكوادر القيادية في التنظيم. ومن المحتمل أن تظل العراق بؤرة لحملة داعش في ظل القيادة الحالية. ولا تزال الخلافة المادية في العراق وسوريا هي مصدر قوة داعش؛ إلا إذا حققت عمليات داعش في الخارج القريب أو البعيد بعض الزخم المستقل من خلال نجاح معركة داعش في العراق وسوريا.

العراق، على وجه الخصوص، لها أهمية خاصة عند داعش لدرجة أنه لا يمكنه تكرار تجربته بسهولة في أي مكان آخر. وللتعبير عن مدى أهمية العراق، يقتبس التنظيم المقولة التالية لمؤسس تنظيم القاعدة في العراق، “أبو مصعب الزرقاوي”، وينشرها في بداية كل عدد من مجلة دابق من أبريل عام 2015:

“إنّ الشرارة انقدحت هنا بالعراق وستتعاظم أوزارها حتى تحرق جيوش الصليب في دابق“، أبو مصعب الزرقاوي.

لذلك؛ فهناك ميزة كبيرة من تركيز عمليات مكافحة داعش على العراق في عام 2015. ولكن، الأمر يثير أيضًا تساؤلات حول ما ينبغي أن يكون الهدف التشغيلي لاستراتيجية مكافحة داعش.

السيطرة على المدن هي مقياس لنجاح أو فشل الدول التي تواجه تحديات داعش؛ فالمدن هي المفتاح لتحدي شرعية خلافة داعش. لكنها ليست المقياس الذي يمكن من خلاله قياس هزيمة القوة القتالية لهذا التنظيم.

ظهرت قدرة داعش على البقاء كجماعة عنيفة، حتى لو غيّرت شعارها؛ نظرًا لهزيمة تنظيم القاعدة في العراق في عام 2008، ثم ظهوره من جديد خلال الفترة الفاصلة. ومع ذلك، تنظيم داعش في عام 2015 هو خلافة لديها الكثير لتثبته، وترغب في الحفاظ على السيطرة الواسعة في جميع أنحاء العراق وسوريا.

في هذا الشكل الأكثر خطورة، يُعدّ داعش دولة مضادة، وفاصلة، يمكنها فرض أسلوب حُكم جديد وحدود جديدة بعد الاستيلاء بالقوة على المدن في مختلف أنحاء الدول،
وهي سابقة غير مقبولة في العصر الحديث. ومع ذلك، سيفشل داعش في أن يظل نظامًا سياسيًا بديلًا إذا خسر كل المدن الخاضعة لسيطرته، وهو جانب هام في خطة الولايات المتحدة لهزيمة داعش استراتيجيًا.

يطرح هذا التحليل السؤال التالي: ما الذي سيخسره تنظيم داعش إذا خسر الموصل؟

الموصل هي أكبر جائزة حضرية لداعش. تقع المدينة على بُعد مئات الأميال من بغداد وخارج النطاق الحالي لقوات الأمن العراقية. وكانت تحت سيطرة داعش منذ يونيو 2014، وتعتبر رمزًا لقوة التنظيم؛ فهي المدينة التي أعلن فيها قائد داعش أبو بكر البغدادي الخلافة.

عندما شنّت القوات الخاصة العراقية هجومًا قويًا ضد داعش في الموصل، فقد داعش مصداقيته، ليس فقط باعتباره كيانًا سياسيًا جديدًا ولكن أيضًا بوصفه جيشًا تم التفوق عليه من خلال قوة أكثر قدرة. ومن الممكن أن يحدث أكثر من ذلك في تكريت، ولكن لن يستطيع داعش التخلي عن الموصل؛ بل سيحارب بقوة وسوف يسمح بتدميرها من أجل منع الحكومة العراقية من السيطرة عليها. إنّها أولوية قصوى للحكومة العراقية لاستعادة
قبل أن يدمرها داعش لضمان استعادة العراق.

لكن، استعادة الموصل لن تكون نهاية الحرب ضد داعش. في الواقع، يشكّل داعش تهديدًا دائمًا على الموصل إذا استمرت سيطرته على صحراء الجزيرة في غرب العراق. وعندما يسيطر داعش على شرق سوريا؛ فالنتيجة معروفة.

كما يسيطر داعش على غالبية المدن، وسوف تسمح حرية المناورة خارج المدن بإعادة سيطرة داعش في المناطق القريبة خارجها دون تغيير نظامها بشكل عام. يجري التنظيم الداخلي في داعش من خلال وحدات إدارية وعسكرية تسمى ولايات تُقسّم سيطرتها الإقليمية. يدير داعش حاليًا 20 ولاية معروفة في مختلف أنحاء العراق وسوريا منذ أبريل 2015، وجميع هذه الولايات، ماعدا ولايتين، نُشرت صور علميات الاستيلاء عليها على الإنترنت في أوائل عام 2015.

99999

توضح هذه الخريطة ولايات داعش في العراق وسوريا، التي أنشأها أنصار داعش، ونشرها التنظيم بعد ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به في يناير من عام 2015. ويبين نظام إدارة ولايات داعش أن مفهوم التنظيم للسيطرة الإقليمية يهتم بالمناطق، أكثر من المدن الفردية.

يعكس نهج الاهتمام بالمناطق العقلية الاجتماعية لاحتلال شامل للسكّان، ونهج عسكري للقضاء على الثغرات في سيطرة داعش التي من شأنها أن تعرضه لمقاومة داخلية أو هجوم خارجي.

حملة داعش في العراق وسوريا هي عملية حضرية واضحة، ولكن داعش كان قوة صحراوية منذ نشأته، وعقلية الاهتمام بالمناطق والقدرة على المناورة في الصحاري هي سبب آخر لعدم حصر استراتيجيات مكافحة داعش في خروجه من المدن الفردية فقط.

إخراج داعش من المدن لا يعني هزيمة كل ولاية منها، ولا القضاء على وجوده العسكري في منطقة معينة؛ بل إنّ الضغط على داعش في مدينة واحدة في وقت واحد سيجعله يتحول إلى مدينة أخرى، بدلًا من تكبده خسار دائمة.

إذا لم تتم إزالة شاملة لداعش مثلما حدث مع تنظيم القاعدة في الفترة من 2006 إلى 2008، فإنّ السيطرة العسكرية لداعش في جميع أنحاء العراق وسوريا سوف تستمر؛ بل وسيزداد توسعه، مما يسمح له بإعادة تجميع وتجديد حملته لاستعادة السيطرة على المدن بشكل مستمر.

لذا؛ يجب أن تراعي استراتيجيات مكافحة داعش كيف يؤطر التنظيم الأراضي داخل العراق وسوريا، وكيف سيكون وضعه في الدفاع واستئناف حملة هجومه للسيطرة على المدن بشكل دائم في نهاية المطاف. ويمكن أن تستخدم استراتيجيات مكافحة داعش نفس هذه الأطر لتقييد خيارات تنظيم داعش وإجباره للدخول في معارك حاسمة.

التقرير